أوريبي في لجنة تحقيق أسطول الحرية.. حاميها حراميها؟
كان على ضحايا الاعتداء الاسرائيلي على أسطول الحرّية و المتضامنين معهم أن ينتظروا أكثر من شهرين قبل أن تعلن الأمم المتحدة عن تشكيل لجنة تحقيق دولية للنظر في القضية, و رغم الانتظار الطويل فقد كانت النتيجة مخيّبة للآمال حتى قبل أن تباشر هذه اللجنة أعمالها, و ليس من المستغرب ألا ينتظر أغلب المراقبين شيئاً من تحقيقات هذه اللجنة الدولية, و ليس فقط بسبب الموقف الاسرائيلي غير المتعاون و إنما بسبب هوية أحد أعضاء لجنة التحقيق الدولية و تاريخه السياسي, و نقصد الرئيس الكولومبي السابق ألبارو أوريبي. انتفضت الكثير من المنظمات المعنيّة بحقوق الإنسان غضباً حال معرفتها بتعيين ألبارو أوريبي عضواً في لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة, فالرجل لا يمكن وصفه بأي حالٍ من الأحوال كحمامة سلام, و ملف حقوق الإنسان في بلاده طيلة أعوام رئاسته الثمانية شائكٌ و مليء بإشارات الاستفهام (و التعجّب), و لربما كان الكثيرون ينتظرون تشكيل لجنة دولية للتحقيق معه و ليس أن يكون هو عضواً في لجنة تحقيق تحت علم الأمم المتحدة. أنهى أوريبي ولايته الثانية منذ أيامٍ قليلة فقط مسلّماً الرئاسة لخلفه (و وزير دفاعه السابق) خوان مانويل سانتوس بعد أن فشل في تعديل دستور بلاده لخوض الانتخابات بحثاً عن ولاية ثالثة, و قد كانت خطبه الرئاسية الأخيرة تلخيصاً لأغلب مسيرته كرئيس لكولومبيا: شتائم دون حساب للجزء الأكبر من الجهاز القضائي و للصحفيين و ناشطي حقوق الإنسان, فأوريبي ينتمي إلى مدرسة حليفه و صديقه جورج بوش في خطاب”محاربة الإرهاب”, فكل من ليس معه فهو إرهابي و حليف للقوات المسلحة الثورية الكولومبية, الميليشيا التي تخوض مع السلطة المركزية الكولومبية حرباً أهلية دامية منذ عقود. و لم تتوقف إشكالية علاقة أوريبي مع منتقديه عند الشتم و الاتهامات الكبرى, فحسب اعترافات أحد كبار مسؤولي وكالة الاستخبارات الكولومبية (DAS) فقد تم تحويل جزء من المخصصات المالية للأجهزة الأمنية لتمويل مراقبة عدد كبير من القضاة و الصحفيين و النقابيين و ناشطي حقوق الإنسان. وصل إوريبي إلى السلطة تحت شعار القبضة الحديدية و العمل الجاد لإنهاء الفلتان الأمني و نزيف الدم المتواصل الناتج عن الحرب الضروس بين ميليشيات القوات الثورية الكولومبية (FARC) ذات التوجّه الماركسي- اللينيني من جهة و الجيش و الميليشيات اليمينية المتحالفة معه, و لذلك زاد تمويل الجيش الكولومبي و أعاد تسليحه بمساعدة الولايات المتحدة, الحليف السياسي و العسكري لحكومة أوريبي ليس فقط من أجل مكافحة الإرهاب و إنما أيضاً بوجه بعض الأنظمة القريبة المناوئة للولايات المتحدة مثل فنزويلا. و رغم أنه اعتبر إنهاء وجود الميليشيات اليمينية المرادفة للجيش إنجازاً كبيراً إلا أن عملية تصفية هذه الميليشيات لم تنل الحد الأدنى من رضى المنظمات الحقوقية و جزء كبير من النظام القضائي لأن حكومة أوريبي سنّت قوانيناً تكاد تمنح العفو الكامل لمقاتلي هذه الميليشيات مقابل الاعتراف بجرائمهم و تقديم معلومات عن أماكن المقابر الجماعية التي دفنوا فيها ضحاياهم الذين تُقدّر المنظمات الإنسانية أعدادهم بعشرات الآلاف, كما أن الحكومة وضعت الكثير من العراقيل أمام أي محاولة لمحاكمة هذه الميليشيات كتنظيمات بدل التعامل مع أفرادها كقضايا فردية و حمت قادتها إلى حد إخراجهم من كولومبيا لمنع محاكمتهم. و مع ذلك فقد كان إخراج هذه الميليشيات من الشوارع و تعزيز وجود الجيش أحد أهم أسباب الشعبية الطاغية لأوريبي في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة. لكن أهم القضايا التي ينادي الناشطون الحقوقيون بالنظر فيها هي قضية (Falsos Positivos) أي “الإيجابيات المزيّفة”, و تتضمن قضايا اغتيال مدنيين و تقييدهم كعناصر ميليشيا القوات الثورية قتلوا خلال معارك مع الجيش, و أمام القضاء الكولومبي ما يقارب ثلاثة آلاف حالة لكن المراقبين يرجّحون أن العدد الحقيقي قد يصل إلى عشرات أضعاف هذا العدد. لم يُحقّق مع المسؤولين عن هذه الانتهاكات الخطيرة بل أن الكثير منهم كُرّموا بالترقية أو بالمكافآت لقاء “جهودهم في مكافحة الإرهاب”. لا تتوقّف الملاحظات على حقبة أوريبي عند انتهاكات حقوق الإنسان في بلده, فاستهتاره بالقانون الدولي الناظم لعلاقته مع جيرانه و مع الهيئات و المنظمات الدولية نقطة أخرى تجلب له الكثير من الانتقادات و المشاكل الديبلوماسية مع جيرانه و خصوصاً مع فنزويلا, التي أنهى أوريبي حكمه قريباً من النزاع العسكري معها بعد اتهامه حكومة هوغو شافيز بدعم الميليشيات المتمردة و تسهيل عملها في المنطقة الحدودية بين دولتيهما, و كثيرةٌ هي القضايا التي يُتهم أويبي باختراق القانون الدولي فيها, ففي كانون الأول من عام 2004 اختطفت الاستخبارات الكولومبية القيادي في القوات الثورية الكولومبية ألبرتو غراندي من داخل الأراضي الفنزويلية دون التنسيق مع حكومة فنزويلا, و في آذار 2008 و خلال “عملية فينكس” قصفت قوات الجيش الكولومبي الجوّية معسكرات للميليشيا المتمرّدة داخل الأراضي الأكوادوريّة ثم توغّلت القوات البرية و قتلت راؤول ريجيس, القيادي التاريخي في القوات الثورية الكولمبية, و قد تسببت تلك العملية بأزمة دبلوماسية حادّة بين كولومبيا و العديد من حكومات أميركا اللاتينية التي سحب بعضها سفراءها من بوغوتا احتجاجاً على خرق أراضي الإكوادور, و بعدها بأربعة أشهر قامت وحدة من الجيش الكولمبي بالتوغّل داخل الأدغال الواقعة تحت سيطرة ميليشيا القوات الثورية الكولمبية على متن طائرة هيلكوبتر مدهونة بالأبيض و عليها إشارات منظمة الصليب الأحمر الدولي, و استخدم الجنود علامات تعريف المنظمة الدولية و بطاقات صحفية مزيّفة لخداع مقاتلي الميليشيات و الوصول إلى مواقعهم حيث تمكنوا من إطلاق سراح العديد من المختطفين من بينهم المرشحة السابقة لرئاسة كولومبيا إنغريد بيتانكور, و تُعرض طائرة الهليكوبتر ذات الإشارات المزيّفة للمنظمة الدولية في المناسبات العسكرية بكل فخر دون أن يدري القادة العسكرية (أو دون أن يهمهم) أنهم بعرض هذه الطائرة يفخرون بخرق مواد القانون الدولي الخاص بعمل هيئات الإغاثة الدولية و ضرورة إبعادها عن النزاع العسكري. تاريخ أوريبي الحافل بدلائل عدم التزامه شكلاً و مضموناً بالقوانين الدولية و الأعراف الإنسانية كان سبباً لاستنكار عشرات المنظمات الدولية لتعيينه في لجنة التحقيق الدولية الخاصة بالاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرّية, و أرسلوا بهذا الشأن رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة في التاسع من آب احتجاجاً على هذا التعيين, و ردّ بان كي مون على هذه الاحتجاجات بتأكيد ثقته بأوريبي. ليس هذا التعيين طعناً في مصداقية لجنة التحقيق (و بالتالي مصداقية الأمم المتحدة) فحسب حين تمنح “صكّ غفران” دولي لشخص مثل أوريبي بتعيينه محققاً يُفترض أنه يسهر على حسن تطبيق القانون الدولي, بل أنه يفرض الشك في مقدرة اللجنة على التحقيق بشكل جدّي في قضية انتهاك القانون الدولي نظراً لأن أحد أعضائها الرئيسيين ينتمي إلى نفس العقلية المحرّكة للقيادة العسكرية الإسرائيلية, و أيضاً لنفس المعسكر السياسي. … http://www.syriangavroche.com/