قصيدتان
نصر جميل شعث
خطورة الأحلام بعدَ وقتٍ قصير كاستناد يدي على فترينة الملابس وخروجها من برودة الزجاج للّحاق ببابِ المترو…
تَضربُ رأسي فكرةٌ مثل كُرةِ الصوف التي ضيّقنا روحَ أمّنا ونحن نتقاذفها في سماء الغرفة.
الأمّ الّتي علّقتْ على جدار الصالة عروساً من الخيش مقابل ساعة الزينة، لتخفي فيها إبر الحياكة؛
لم تكن تعرف أنّ أحلامنا الأولى ستلمعُ في عروس الجدار، وأننا سنبكي غداً على المُعلّقةِ
في رؤوسنا المحشوّة بأحلام كافكا.
الأمّ التي رأتْ أمس صُورتي التِّقنيّة بعين واحدة، ولم أرَ العدسةَ الجديدةَ على عينها الصامتة تحت الشاشة البيضاء؛ تسألني عن مرَح النساء في الثلج، وعن وزن ملابسي في أحلامي، ثم تشكو من نار الخضراوات في سوق المدينة.
الأمّ التي تُحبّ الأمهاتِ، ظَهرُها إلى الخزانة على جارور الطوارئ وملابس أولادها الداخلية:
مقصّات قديمة يعوزها التجليخُ، قدّاحة، صنّارتا صُوف، وظرفُ شمعٍ شفّافٍ في الزاوية القربية من
يدها التي عقدَتْ صرّة أزرار مختلفة.
الأمّ التي أخبرتنا أنّ الشعوبَ تعلق الأجراسَ في الزوايا لتتسعَ، وعلى جباهِ حُصُن الأسواق لتسرعَ؛
لم ترني الآنَ.. وأمس: وضعتُ في رأس سريري ساعة المنبّه على مرآة صغيرة زرقاء الظّهر،
كي تردّد الجرسَ لصورتي في البرواز…
ولكني حلمتُ أنّ تمثالاً يدبّ على ظهري من تحت السرير، وأنني أجري على الفقرات عكسَه،
عابراً رأس السرير، خارقاً البروازَ ومَعْميّاً بصورة حالم غنّى:
لستُ مفاجأةَ النار للأفعى، لكنّي سقطتُ منَ الكلمات في شُربة الطائر!
خطأ في دعاء الكارثة
ألفّ حبلَ المودّة على لسان يزدادُ…
َينسبُ تجعيدةَ الضوء إلى خيطٍ، خطأً، تدلّى من خاصرةِ شمعةً تأرجحَت، قبلَ إضاءة العيد،
في يدِ العابث القدّيس.
ويرى في ميْلة المرفأ شكلَ أوّلِ صنّارةٍ نَصبها صائمٌ لأنه لم يقرأ البحرَ، تركها لملاقاة قوس قزح قد يجيء.
ثمّ لملاقاة امراة لا تجيء:
صوتُها أنفاس دافئة بين صخرة وصخرة،
وصورتها احتراقُ بحيرة في صوت قدّاس عتيق.
ملأْتُها أسماءَ صارتْ جسداً بعيداً يركض على فحواه…
مذيلاً بنوافل روح على حديد الجسور، حيث الطيورُ لا تخافُ، والقططُ قليلاً ما تنظرُ إلى السماء.
بكَ أو بغيرك هناك ظلّ، وأنتَ يدٌ تَسبقُ شكلَها!
كأنّهُ أرتطامٌ بتطلّع نحّاتٍ لجنون تاريخ نكسره بعجلات حقائبَ تتعطلُ، في الإسفلت، على خطوط المشاة.
كلّ مفردة مع نفسِها تجلسُ تحتَ خشبة الحذاء، واللغةُ صفات تُولمُ نارَها من خشَب السلّم العتيق.
كم سنحلمُ بالحمْل، وبطريقه الأطول من جوقةٍ، والأوسع من ذراعين على خشبة الأفق في الحقل البعيد؟
ولولا انتماءُ الساعة إلى يدٍ تعدّ الخطى على أصابعَ مهجورة الخواتم،
لولا وضوحُ الجَسد إلى باب الحديقة ونَصْب المجهول؛ لكان انتظارُ المرأة خطأً في دُعاء الكارثة.
أيُّ اسم أكبر من الذريعة يكون مظلّة معناه،
وبيتاً لحُطام بيت غيمتُهُ فوق رأسه لأناس يعبدون الشمسَ
في ساعاتهم المُعطّلة، ويغتابون منازلَ القمر في أعمار موتاهم الجُناة؟
‘ شاعر من فلسطين
القدس العربي