تشارلز سيميك شعر.. بصوت مزدوج ينطق بالأمريكية والمنفى معاً
نالت أعمال سيميك (بلوز لا ينتهي، أن تُخْرج القطة السوداء، وفندق الأرق) جوائز عديدة، من بينها جائزة بوليتزر لعام 1990 عن (العالم لا ينتهي) بالإضافة إلى جائزة مؤسسة ماك آرثر المرموقة، واختياره أمير شعراء أمريكا لعام 2007. ورغم أنه يكتب بالإنكليزية، إلا إنه يعتمد على تجربته الذاتية في بلغراد التي مزقتها الحرب في صياغة قصائد تدور حول الخراب المادي والروحي للحياة في هذا العصر. كما يعبِّر لايام رِكتور عن أعمال سيميك بأنها «تصل الصّفاء، والأصالة التي لم يدركها أحد من معاصريه.» يحدد فيكتور كونتوسكي ملامح إنجاز سيميك بأنه «أحد أهم التجارب الشعرية المتأصّلة في عصرنا والتي تترك انطباعاً لا يمّحي، شِعرية خارقة تهزّكَ بما تحويه من أفكار، وتخييل، ولغة.»
أولى سيميك اهتماماً خاصاً بالشعر. ونُشِرتْ أولى قصائده عام 1959، عندما كان في الواحدة والعشرين. بين ذلك العام، وبين 1961، حينما التحق بالخدمة العسكرية، تمخّضتْ قريحته عن عدد من القصائد، أتلف معظمها. نال سيميك أخيراً درجة البكالوريوس في عام 1960 وكانت أولى مجموعاته الشعرية المكتملة، ماذا يقول العشب، قد نُشرتْ في العام التالي. وخلال فترة وجيزة للغاية، بدأت أعمال سيميك، من شعر مكتوب أصلاً بالإنجليزية ومن ترجمات لشعراء يوغسلافيين مهمين، تحظى بالاهتمام النقدي. إنّ أعماله عصيةٌ عن التصنيف، فبعض القصائد تعكس نزعة سوريالية، وميتافيزيقية فيما يعرض بعضها الآخر لوحات واقعية كالحة من العنف واليأس. يصر فيرنون يونغ أن «الذاكرةَ- الجذرَ الرئيسَ الذاهبَ عميقاً في الفلكلور الأوروبي- هي المنبع الأساسي لكل شعر سيميك. سيميك، خريج جامعة نيويورك، متزوج وأبٌ في أمريكا البراغماتية، يرتدُّ، حين ينظم قصائده، إلى لاوعيه وإلى أحواض الذاكرة الأولى…. في تضاعيف العوالم الشعرية المصغّرة التي قد تكون ضارية، تهكمية، شبه واقعية أو مخزية إلى أقصى الحدود، فإنه يعرض بإحكام مونتاجاً تاريخياً.» يستطرد يونغ: «إن يوغوسلافه هي شبه جزيرة الذاكرة…. إنه ينطق بالحكاية الرمزية؛ ونهجُه أن يترجم الواقعة التاريخية إلى رمزٍ مفتاحيّ سورياليّ…. إن سيميك يشعر بماضي أوروبا ينبض في عروقه.»
تجارب الحرب في مرحلة الطفولة، الفقر، والجوع تكمن خلف عدد من قصائد سيميك الشهيرة التي تتحدى الخطّ الفاصل بين المألوف واللامألوف.. يؤكد بيتر ستيت أن الهم الشاغل للشاعر «هو أثر الأنظمة السياسية القمعية على حياة الإنسان العادية…. عالم سيميك مخيف، غامض، عدواني، خطِر….. حتى أكثر القصائد سوداوية…. تُبدي عن حيوية في الأسلوب والخيال الذي يبدو وكأنه سيعيد، أمام أعيننا، خلق احتمال الضوء فوق الأرض. ولعلّ أفضل طريقة للتعبير عن ذلك ستكون بالقول إنّ سيميك يصدّ ظلامية الأنظمة السياسية عن طريق تكريس وشرعنة نور الفن».
علّقتْ دايانا إنغلمان بشكل مطوّل حول شعر سيميك بأنه صوت مزدوج ينطق بالأمريكية وبالمنفى على حدٍّ سواء: «صحيح أن تجربة تشارلز سيميك، الشاعر الأمريكي، تمدُّ شعريته بهذا المفعول المتماسك على نحو فذّ، إلا أنه أيضاً يصحّ القول إن الصوتين: صوت الأجنبي وصوت ذاكرة اللسان الأمّ لايزال يتردد صداهما في قصائد عديدة.» تضيف إنغلمان: «إن قصائد سيميك تقوم بتوصيل ثنائية المنفى في خصوصيتها: إنها في ذات الوقت بيان أصيل عن الحساسية الأمريكية المعاصرة وأوعيةٌ من الترجمة الداخلية، تقترح مجازاً نحو ما هو صامت وأجنبيّ».
موظف ليليّ في فندق الصراصير
أنا المفتّش السّرّيّ للأروقة الشحيحة الضوء،
المصابيحِ التّالفة وشارات الخروجِ،
الأبواب التي تحمل آثار
مراتٍ عديدة من الدخول العنيف،
أهو صوت خادمة الغرف تسوّي السرير عند منتصف الليل؟
أو حفيف الأوراق النقدية المزيفة
أثناء عدِّها في ثوب الزفاف؟
أم مشطٌ ناعم يمرّ فوق رأس أشيب؟
الأبديةُ مرآةٌ وشبكة عنكبوت،
كتبها أحدهم بأحمر الشفاه في المصعد.
من الأفضل لي أن آخذ المفتاح العمومي وأتفقد المكان بنفسي.
من الأفضل لي أن أحضر معي أيضاً علبة ثقاب.
تذكارات الجحيم
علبُ بيرةٍ فارغةٌ معلّقة بسيارة من طراز قديم.
خيمة سيرك صغيرة في مرآب.
دوريٌّ يزقزق على صفِّ أشجارٍ
لم تعرف الأوراق أبداً.
كانت واجهات المتاجر على الشارع الرئيسي قد غُطّيَتْ بألواح الخشب،
عدا ردهة محلِّ الوشم الباهرة الإضاءة.
بنات بيرسيفون في الاستعراض
بالشعر البرتقالي والياقات المسمّرة.
هل تودّ أن تعلم شيئاً عن النيران؟
رأينا طواحيناً بلون الدم المتخثِّر
نصف معتمة، نصف مضاءة بالشمس الغاربة،
معظم نوافذها العديدة قد تحطّمتْ.
أراد السِّكِّير الذي طلب بعض «الفَكّة»،
أن يحكي لنا عن الوقت الذي قضاه في السجن،
لكن بوجود قصر الشيطان في مرمى النظر،
تركناه هناك بفمه المفتوح.
أمسيات دراماتيكية
تمثِّلُ أدوارَ أن تكون ذاتَك،
أن تكون أحداً آخرَ،
مخاطباً المرايا، باثّاً شكواك
إلى سمكة ذهبية في الحوض.
مليكتك غِرترود وأوفيليا
يشخرن بعيداً على أطراف البلدة.
شبح أبيك في الحمّام
يطالع الحياة السّريّة للراهبات،
بينما أنت تذرع المكان جيئة وذهاباً
تشدّ قبضتيك وترخيهما،
كأنك تخطط لجريمة،
أو على الأصحّ لصَلْبِكَ.
أو تقف ساكناً جامداً
كأن فكرة مشرقةً، عظيمة
خطرتْ لك
وتركتْكَ، لوهلةٍ، في حالة من الخرس.
في الخارج، كما تلاحظُ، بدأت تثلج.
تضغط جبينك المحموم
على زجاج النافذة
وترقب نُتَفَ الثلج تتساقط
واهنةً، دفعة واحدة
فوق صحن قوت العصفور المكسور وقبر الكلب العجوز.
قسم الشكاوي
وأنت في طريقك لتشهدَ
شطراً من نهار شتائيّ قاتم
تصعد وتنـزل السلالم المتحرّكة
باحثاً عن أحدٍ تسأله
في هذا المتجر العتيق المغبرّ
الذي سيغلق أبوابه للأبد.
بعد طول انتظار، حين وصلتَ المكان، وقد تكدّستْ
إيصالات البيع فوق طاولة المكتب،
حاجبةً وجه
مَنْ جئتَ ترفع شكواك إليه
بشأن المعطف الذي على ظهرك،
ياقتِه المنسولة، والثقوب في جيوبه.
تستعيد في ذهنك غرفةَ قياس الملابس الفخمةَ،
البائعَ الذي يجامل بابتذال، الخيّاط المتجهّم
الذي غرز الدبابيس في كتفيك
وخطَّ علامات على كُمَّيْكَ
بينما تزهو بنفسك في جهة المرآة،
استجمعتَ قبضتيك بضراوة من جانبك من المرآة.
إلى السأم
أنا طفلُ آحادك الماطرة.
رأيتُ الوقتَ يدبُّ
على السقف
كذبابة جريحة.
يوم قد يدوم للأبد،
وأنا أصنع كُراتٍ من الخبز،
منتظراً أن يهتزَّ
غصنٌ على شجرة عارية.
قد يتعمّق الصمتُ
قد تُظْلم السماء،
و الجدة تحيكُ
من كرةِ غزْلٍ سوداء.
هكذا هي السماء.
في صفوف الأبدية،
تجلسُ الملائكة كأولاد سئمين
ورؤوسهم مطأطأة.
ذكريات عكِرة
الأم تحيكُ
كنـزةً لي في الظلام.
الأبُ على أربعٍ
يبحث عن قطة سوداء.
بيـتٌ من أوراق اللعب
أحنُّ إليكِ يا أمسيات الشتاء
بأضوائك الشحيحة.
شفتا أمي مطبقتان
أنفاسنا محبوسة
ونحن نجلس إلى مائدة الطعام.
أناملها الطويلة، الرقيقة
تصفّ أوراق اللعب،
ثم تنتظرها أن تقع.
وقعُ النِّعال في الشارع
يجعلنا ساكنَين لبرهة.
لامزيد مما أقوله.
الباب موصد،
وفي نافذة مموّهة بالأحمر،
ثمة شجرة وحيدة في الحديقة،
عارية وممسوخة.
العمّة دينا أبحرتْ إلى الصين
ماذا حلَّ بكم أيّها الأسلاف المُلْتحون؟
هل ذهبتم وخبّأتم أنفسكم
في ما يشبه مقصورة في الغابات
لكي تصغوا إلى شعيرات سوالفكم تنمو باطمئنان؟
رجال الدين يمسِّدون الستائر بذقونهم،
الجنود مع قارعيّ الأبواب،
الشباب السقيم بلحية التيس،
سكارى البلدة مزهوون بأذيال بطِّهم.
ابنة العمّ كيت، أكان ذلك شارباً حقيقياً
الذي وضعتِه عندما وقفتِ في الكنيسة
تنتظرين عريسك
يوماً ما لكي يسبقك على الأدراج؟
وأنتَ، يا جدي، حين صرختَ في الله
أن يحرِّكَ ساكناً حيال العالَم.
بقي ساكناً وترك الليل ينسدل،
وهو ينظر إلى لحيتَك الأكثر بياضاً من لحيته.
فعل الغياب العظيم
ذات ظهيرة، تغيّبتُ عن المدرسة
لكي أسبح في النهر.
كان هناك بعض فتية يكبرونني سنّاً
يتراشقون بالماء وهم عراة،
كانت ملابسهم في أكوام أنيقة على الضّفّة.
في ذلك الحين خبّأ أحدهم ثيابك على سبيل الدّعابة.
قرفصتَ في المياه الضّحلة
متضرّعاً، بينما أخذوا وقتهم الكافي
ليمشِّطوا شعورهم، ويرتدوا ملابسهم،
ثم يفرّون لا يلوون على شيء.
رويداً رويداً حلّ الظلام والبرد.
وأضيئتْ أنوار المدينة.
رغم ذلك، كان عليك أن تنتظر أكثر
قبل أن تخطو خارج النّهر
لتبحثَ بين الصّخور،
أو، إذا لم يحالِفْكَ الحظ، ارتقِ السَّاتِرَ،
انطلقْ عارياً على خطّي سِكّة القطار،
تقافَزْ مثل عثٍّ عبر الشّاخصة الضّوئية الأولى،
ثم دعْ الظلال القابعة في الانتظار تأخذك إلى البيت
في شوارعَ تحفُّ بها الأشجار.
فجرُ صيفٍ
تماماً حين ينبلجُ النّهار، يحين الوقتُ
لكي تنسلَّ على الأقدام
دون أن تصطحبَ أيّ متاع،
تاركاً حتى حذاءك
في مأوىً ما،
أو حيث كنتَ تواريتَ بعيداً،
لتبحثَ عن ملاذٍ آخر،
مفضِّلاً هذه اللحظة
الرّيفَ المكشوفَ، الطّرقَ السّريعة العابرة للولايات
الخالية في هذه السّاعة،
أو مقابر البلدات الصغيرة، حيث الطّيور
على الأشجار قد أنسَتْ للصمتْ،
لم يوصد القسُّ باب الكنيسة.
يمكنك أن تدخل وتستريح على مقاعدها،
أو يمكنك أن تخوض في حقل ذُرَة،
تتبادلُ الملابس مع الفزّاعة،
تتمدّدُ على العشب وتبدأ حديثاً طويلاً
مع أوّل غيمة في اليوم الجديد.
يوم أحد
حوضٌ على مرجٍ آخذٍ بالظلمة.
الموت يلعب لعبة المطاردة
مع طفلِ أحدِهِم الصّغير.
ويمرّغ مساكب الزهر.
رقصة فئران الرَّوْع
«في أرض الديكة الرومية في طقس الديك الرومي»
و. ستيفنـز
يبتسم الرّئيس في سرّه؛ فهو يحبّ الحربَ
وثمة حربٌ في الطّريق.
يمكنه أن يحسّ بالبهجة تتصاعد كل يوم
في مكاتب الحكومة واستديوهات التلفزيون
بينما قاذفاتنا تحلّق باتجاه بلدان بعيدة.
مستودعات جثثنا تُفْرَكُ لتغدو نظيفة.
التي ستمتلئ قريباً بالشباب الشّاحبين وقد رُصّوا في صفوف.
ها هو الحشدُ يلغطُ مسروراً
من مخادعة الطائر الحلو، أكاذيبِ صوت الحنجرة العميق
عن معاركنا القادمة وانتصاراتنا.
القنّاصون في الأردية السوداء فوق الأسطحة
يمسحون المجمّع التجاريّ بأبصارهم بحثاً عن حَمَاماتٍ مشبوهة،
عميانٍ يلوِّحون بعصيِّهم في الهواء،
فتياتٍ بتنانيرَ قصيرةٍ وصدورٍ عامرة
ينقِّبْنَ في أعماق حقائبهن عن ولاعة.
في متجر الخردة
سلة قَشٍّ، صغيرة
ملأى بالأوسمة
من الحروب العادلة القديمة
التي لا يتذكّرها أحد.
قلبتُ إحداها
لكي أتحسّسَ الدبّوس الذي
نفذَ ذات يوم
إلى صدر البطل المنتفِج.
دردشة آخر الليل
عن الذّاكرة، البيتُ التَّعِس للإنسان.
كيف نعرفُ كم السّاعة من الليل عبر إصغائنا إلى دقّات قلوبنا.
لماذا لا نستطيع رؤية نهاية أنفنا.
عن إبهام الكلمات ووضوح الأشياء.
لماذا تزرُقُ الطيور المغرِّدة أثناء تغريدها.
حقيقة العطس في الكنيسة.
بعض النصائح حول كيفية تحويل النبيذ السيء المذاق إلى جيّد.
ماهي الألحان التي سنصفر بها ونحن نمرّ بجوار مقبرة في الليل.
ماذا تقول للمرآة في السّاعة الرابعة فجراً.
بالإضافة إلى بعض الأفكار حول الدُّمى التي صَنَعَتْها والتي تبدو جميعها مثلي.
كيف جمَعَتْها بالدبابيس وعلّقتها على الشّجرة.
في الظّهيرة
يحبّ الشّيطان قنَّ الدجاج.
يستلقي على فراشٍ من القَشّ
يرقب تساقط الثّلج.
تأتي له الدّجاجاتُ بالبَيضِ لكي يثقبه ثم يرشفَه،
لكن مزاجه ليس كما يجب.
كوتن ماثَرْ(1) قادمٌ الليلة،
بصحبته ساحرة شابّة.
رداؤها قد لحسته ألسنة اللهب،
قدماها العاريتان انقلب لونهما إلى القرنفليّ
بينما تخطو إلى كومة الحطب،
تردد صلاةً؛ يداها
مثل فراشتين تتزاوجان،
أو هما نُدَفُ ثلج؟
بينما يتصاعد الدّخان،
ويعودُ ضوء الظهيرة الرّمادية
بشجرة تفّاحه البريّ
وشاحنته الزرقاء،
تلك التي بعجلتِها المثقوبة،
وموقد المطبخ الصّدِئ
على وشك أن يُرميا في مكبّ النفايات.
نبــوءة
سيترنّح الزّبون الأخير خارج الباب.
سيعلّق الطّهاة قبّعاتهم البيضاء.
ستتتسلّق الكراسي الطّاولاتِ.
ستقوم المكنسة بجولةٍ هيّنةٍ إلى الخزانة.
سيخلعُ النُّدُلُ أحذيتهم.
ستحظى القطّة بشريحة كاملة من سمك السلمون من أجل العشاء.
ستتوقّف المُحاسِبة عن عدِّ الإيصالات،
وتحكّ مؤخرتها بقلم الرّصاص وتتنهّد.
سيصبُّ المالكُ لنفسه كأساً آخر من البراندي.
ستغدو المرايا أكثر تعباً من النخلات في الأصص
وتُظْلِمُ شيئاً فشيئاً كحالِها دائماً
عندما يفرّ أحدهم وقد سرق دجاجة.
إلى القارئ
ألا تسمعني
أخبطُ حائطَك
برأسي؟
طبعاً، تسمعني،
فكيف إذاً
لا تردُّ عليَّ؟
اخبطْ الحائطَ من جِهَتِكَ
ولنبقَ خلاّناً.
العمل ورأس المال
نعومةُ الفراش في هذا النّـزل
الذي مارسْنا الحُبَّ عليه
تُثْبِتُ لي بما لا يقبل الجدال
تفوَّقَ الرأسمالية.
أعتقد، أنّ الموظّفين في مصنع المَرْتَبات
سعداء اليومَ.
إنّه الأحد وهم يعملون
ساعاتٍ إضافيّةً، مثلنا، دون مقابل.
رغم ذلك، فإنّ الطريقة التي تفتحين بها ساقيكِ
وتمدّين بها يدك إليّ
تجعلني أتخيّل الثورة،
لافتات حمراء، وحشد يتهافت.
أحدهم يعتلي المنبر
والنّار تطوِّقُ القصرَ،
والأمير العجوز يظهرُ على مرأى من الجميع
يخطو إلى حتفه من على شُرْفة.
أيتام الأبديّة
ذات ليلةٍ كنّا، أنتِ وأنا، نتمشّى معاً.
كان القمر وضّاءً
كان بوسعنا أن نرى الدّرْبَ تحت الأشجار.
ثم أقبلتْ الغيومُ وحجبتْه
فكان علينا أن نتلمّسَ طريقَنا
حتى شعرنا بالرّملِ تحت أقدامنا،
وسمعنا تلاطمَ الأمواج.
هل تتذكّرين حين قلتِ لي،
« هذه اللحظة كلّ شيء في الخارج كذبةٌ»؟
كنّا نتعرّى في الظّلام
قربَ حافّة الماء
حين خلعتُ ساعتي عن معصمي
ودون أن يراني أحد أو أنبسَ
ببنت شفةٍ على سبيل الجواب، قذفتُ بها إلى البحر.
هامش
1- كوتن ماثر: 1663-1728، درس في هارفارد، دكتوراه فخرية من جامعة غلاسكو: مربي سياسي واجتماعي، كاهن، اقترن اسمه بمحاكمات ساحرات سالم.
ترجمة: أحمد م. أحمد
مجلة نزوى