صفحات العالمما يحدث في لبنان

ما بعد الطائف والدوحة معاً

سليمان تقي الدين
إذا كان اتفاق “الطائف” هو نظام لإرساء توازنات جديدة بين المجموعات اللبنانية، فان “الطائف” قد انتهى. خلال عشرين سنة (1989  2009) لم تستقر معادلات السلطة، ولم تنشأ أعراف وتقاليد لإدارة البلاد متفق عليها. هناك ضمنيات متعدّدة لدى جميع الأطراف منذ اللحظة الاولى نزعت إلى تفسير ذلك الاتفاق على نحو ما يلائم مصالحها. البعض رأى المناصفة بين المسيحيين والمسلمين هي جوهر الموضوع، والبعض الآخر رأى التغيير والتبديل في مواقع السلطة التنفيذية. وآخرون رأوا فيه أشياء وأشياء في مسألة هوية البلاد العربية ونهائية الكيان. لكن أحداً من فرقاء الطبقة السياسية لم يلتفت إلى البعد الإصلاحي ومشروع الدولة اللاطائفية التي وعد بها هذا الاتفاق.

لم تكن ظاهرة “الترويكا” دخيلة على مفهوم “الطائف” لمجرد أن وقفنا في تطبيقه عند التوازنات الطائفية. فقد استبدلنا المجلس الرئاسي بمجلس الرؤساء الثلاثة، واستبدلنا المناصفة بالمثالثة العملية من خلال إلحاق جزء من التمثيل المسيحي بالقرار الإسلامي عبر قوانين الانتخاب. وعندما انفجرت أزمة الحكم بعد 2005 فلأن السلطة التنفيذية صارت إلى يد فريق مذهبي جديد، وعندما تم اتفاق “الدوحة” أعدنا توزيع السلطة بين الطوائف بتكريس اربع كتل سياسية طائفية ستأتي إلى السلطة وتحاول اقتسامها مجدداً في ما يتعدى “الطائف”.
في تسوية “الطائف” تدخل الخارج ليساعد اللبنانيين على الاعتراف بتوازنات القوى التي نشأت عن الحرب الاهلية، وفي تسوية “الدوحة” تدخل الخارج أيضاً الذي يملك التأثير الإقليمي وساعد اللبنانيين على قبول ما استجد من معطيات وتوازنات كابر البعض على التنكر لها في الداخل أو تجاهلها أو حاول ان يلتف عليها باسم تفسيره الخاص لدستور “الطائف” وللنظام السياسي الذي نشأ عنه.
قبل اقرار اتفاق “الدوحة” حصلت مشاورات دولية واقليمية وانعقدت لقاءات حوار بين ممثلين عن الجماعات المتنازعة، واستخلص هذا “الخارج” ما هي عناصر التسوية وضغط باتجاه تطبيقها. وما كان ضمنياً قبل 7 أيار/ مايو صار بعده واضحاً غير قابل للجدل. لقد كان 7 أيار/ مايو ولادة قيصرية لمولود أكمل نموه في أحشاء الأزمة.
بهذا المعنى لا عودة من “الدوحة” إلى “الطائف” كما يرتجي البعض، ولا أفق لدى هذه الطبقة السياسية ان تتجاوز مضامين التسويات السياسية إلى استكمال مشروع الدولة الذي لم يلتفت اليه أحد من دعاة “الطائف”. فاذا كانت الامور على هذا النحو فمن البديهي ان يدفع الفريق المسيحي بشعار صلاحيات الرئاسة المارونية. ومن البديهي ان يدفع الفريق الشيعي بشعار الثلث المعطل.
ثمة اذاً معركة صلاحيات وتوازنات على الأبواب، وثمة أزمة مفتوحة لنظام سياسي متعدد القوى والرؤوس.
أما وان معركة الصلاحيات ستفتح لحظة اعلان نتائج الانتخابات النيابية، فهي مناسبة لكي يسعى اللبنانيون من اجل وضع خارطة طريق لتطبيق الدستور بجميع مندرجاته ومفاصله ولا سيما بناء المؤسسات التي تفضي إلى بناء الدولة. لا للمناصفة والمثالثة والمرابعة وسواها من تجديد المحاصصة الطائفية التناحرية التي لن تؤمن الاستقرار في النظام السياسي. المطلوب تطبيق الدستور من خارج موازين القوى السياسية، وهو ما يفتح الآفاق على دولة المواطن وعلى ضمان العيش المشترك الحقيقي في ظل الدولة القوية، لا في حماية القوة الطائفية ولا في استدراج الوصايات بجميع وجوهها وأشكالها.
ما صار مؤكداً ان ليس هناك من أكثرية سياسية في لبنان قادرة على تمثيل جميع الفئات اللبنانية لكي تحكم البلاد باسم الأكثرية. ان الحاجة إلى ائتلاف وطني اكثر من ضرورة بل هي مسألة حتمية. لكن الائتلاف الوطني سواء كان تحت اسم حكومة وحدة وطنية أو سوى ذلك فإن النظام السياسي لا يستطيع ان يعمل في ظل هذه التناقضات. من هنا تكبر الحاجة إلى الحوار الوطني حول مشروع الدولة ولا سيما بناء المؤسسات الدستورية القادرة على العمل دون تعطيل. ما هو مطروح من شعارات سياسية انتخابية ولا سيما موضوع صلاحيات رئاسة الجمهورية ليس هو الحل الفعلي. هناك حاجة ملحة إلى تقنين المؤسسات الدستورية كلها ولا بد من إعادة إدراج البنود الاصلاحية التي أقرها الطائف على طاولة الحوار من أجل تنفيذها. خارج هذا الخيار يشكل فتح ملف التغيير في النظام إلى المزيد من الانقسامات والتشنجات.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى