مختارات لسعدي يوسف
وجدتُ في زاوية الدكان ، ظهراً ، حزمة الرايات
_ ألم تكن يوماً مسندةً على الحائط
والحائط رطب ؟
قلتُ : مادمتُ هنا ، في غفلةٍ من صاحب الدكان
فلأحرج بها للشمس
…ولتخفق قليلاً
ربما يسقطُ هذا العفنُ الناشبُ في أعوادها
أو ربما تنشفُ في الشمس
وقد يبصرها العابرُ
والعاثرُ …
قد أختار منها رايةً أحملُها
حين أرى اللون بهياً خافقاً في الريح
وامتدت يدي ..
لكنني ما كدتُ في تلهفي أمسكها
حتى تهاوت بين كفيَّ
تراباً
خانقاً
أخرجني من غفلة الدكان
والزاويةِ الرطبةِ
والرايات
والبابِ الصدىء .
… سعدي يوسف 1980
يطيرُ في الشارعِ ثلجٌ أول
تبدو على الأشجارمنه النقطُ الأولى
وتحمرُّ خدود الفتيات .
من يسأل الوردة كيف انفتحت ؟
…ينهمرُ الثلجُ
وفي الريحِ يدورُ الورقُ الشاحبُ
والثلجُ …
وتمضي ، دافئاً ،
تلتف في معطفكَ الجلدِ
إلى أن ينتهي الشارعُ
والثلجُ …
وتحمرُّ على أوراقكَ الأخرى خدودُ الفتيات .
… 1980
في الصمتِ يأتي المطرُ الآخرْ
في الصمتِ تأتي دورةُ الأعشاب ْ
في الصمتِ يأتي العسلُ الأوّل ْ
…
في الصمتِ أصغي لنبيذٍ لاذعٍ
ينزُّ في الهدأةِ من جلدي … وئيداً
مُفعماً أوردةَ المرأةْ
سعدي يوسف 1982
عندما نتداخلُ في شرفةٍ
أو سريرْ
عندما نتدخلُ في لحظةٍ مرهقة
عندما نجد الأقنعةْ
كالثيابِ التي نتنازعُ
…أو كالثيابِ التي ننزعُ الآن قربَ السريرْ
عندما يدخلُ الوقتُ مثل الحريرْ
في الأصابيع ِ …
أسألُ نفسي قليلاً
وأنسى قليلاً
وأأسى قليلاً
ولكنني قد أقولُ : أحبكِ …
… سعدي يوسف 1982
كل ما حولي سواحلُ
هل دخلنا مرةً ؟
مدنٌ يقال هناك …
بلداتٌ ، قرىً ، وعواصمُ
اختلفت بنا الطرقاتُ واشتبكتْ
…أندخلُ في الخروج هنا ؟
أنخرجُ في الدخول هناكَ ؟
نائيةٌ مدينتنا
وناءٍ ذلك الأبد المجرّحُ في الجفون ِ
إني أريد يديكِ ناحلتين
ِلن أحيا طويلاً
فاشربيني أنتِ ،
لن أحيا طويلاً … فاقتليني
… سعدي يوسف1986
أين يذهب هذا الفتى
في المساء العجيب ؟
زمزمية ُماءٍ
وقنبلةٌ في الحزام العريض
والسلاحُ الذي لا يفارق …
…هل يقصدُ البحرَ ؟
آهٍ لهذا الفتى …
(سعدي يوسف ) / يوميات بيروت
المساء أحمر .. أهو سحابة دانتي ؟
أريد أن أراكِ هذا المساء …
للثلاثين قنبلةً في الدقيقة
…للبيوت التي تنكفىء
للعيون التي تترصد أو تنطفىء
للقبور التي نثرت
للشجيراتِ مخنوقةً بالرماد
للمخيم مستفرداً كالبلاد :
نرسمُ الدائرة
نرسمُ الأمة العاثرة
ثم ندخلها في هواء الخنادق
(سعدي يوسف ) / يوميات بيروت