صفحات الناس

ما البديل في التدوين؟

null
رزان غزاوي
لن أُطيل عليكم بمداخلتي, في هذه المداخلة سوف أتحدث عن المغالطات التي أُحيطت بفكرة التدوين والمدونات الالكترونية والتي هي برأيي ذاتُ المغالطات التي أحيطت بالصحافة ومفاهيم الحرية والديمقراطية. كما أودّ أن أعتذر مسبقاً عن أي خطأ لغوي سأرتكبه, والذي سأرتكبه بجدارة, في عرضي لهذه المداخلة باللغة العربية الفصحى, لكن إصراري على الخطأ هو إنمّا لندرة إتاحة فرصٍ كهذه للحديث باللغة الرسمية.
يُعتبر التدوين إعلاماً بديلا, لكن بديلا عن ماذا؟ عن الإعلام الرسمي والعام؟ ما هو هذا الإعلام الرسمي وذاك المستقل ليأتي التدوين ويكون بديلا عنهما؟
ولنفهم التدوين, لنسأل بضعة أسئلة حول الصحافة: ما هدف الصحافة؟ وما دورها في المجتمعات؟ وهل من الصحيح أن يكون لها دور أصلاً؟ ومن هم أناسها وجمهورها؟
إن كان هدف الصحافة, نقل الحقيقة, وتعميمٍِها, كما قال الأستاذ الياس خوري, من أوكل هذا الدور لها؟ ومن أوصاها على الحقيقة؟
اعتقد أنّ الحقيقة الى جانب الحرية, وحرية التعبير والديمقراطية, أصبحوا لا صناعات فحسب, بل صناعات محتكرة.
كالإعلام الرسمي, ذاك الذي تعارضه الصحافة الحرة, يحتكر أصوات الشعوب, يختزلها لصوته وحده, حتى تماهت جميع الأصوات بصوته, وأصبح الشعار واحدا, من اجل صنع هوية واحدة.
إذن نحن أمام صورة واحدة عن الذات والوطن.
كذلك الصحافة المستقلة, تأتي لتحتكر الحرية باختزالها (أي اختزال الحرية) إلى معنى واحدا لها فقط : أن يُعارض الإعلام الرسمي الدكتاتوري.
هل الصيغة أصبحت, أنا معارض إذن أنا حر؟ هل الحرية تعني المعارضة؟
ماذا فعلت الصحافة سوى أنها أصبحت امتدادا لذات المنطق الاختزالي, إنما بخطاب معاكس وليس خطاباً آخرا, ومن هنا هي برأيي امتداد لذات منطق الإعلام الرسمي.
ومن هنا نسأل, هل اعتبار التدوين الالكتروني إعلاما بديلا هو بالأمر الجيد؟ بمعنى, إن كانت الصحافة الحرة بديلا عن الإعلام الرسمي, وقد أوضحت انه ليس بديلا بقدر ما هو امتداد لذات المنطق إنما بصورة معاكسة وبمفردات معاكسة, كيف يكون التدوين الالكتروني بديلا؟ وبديلا عن ماذا بالتحديد؟
شخصيا اعترض على استخدام كلمة “بديل”, فالكلمة هي أصلا تقترح إلغاء شيء ليحل محله شيء آخر, دونما مناقشة بنية هذا الشيء الذي تحتل مكانه ولمَ تحتله أصلا.
المشكلة بالإعلام الرسمي هو مركزيته, كذلك الأمر بنسبة للصحافة الحرة, وهاهو التدوين يأتي لينصب نفسه كمتحدث باسم شعوب المنطقة المصادرة أصواتها (أستثني مصر من هذه النقطة), ليسعى هو الآخر لأن يكون مركزيا بتمثيله للشعوب بحجة أن المدونين هم الشعوب نفسها, والحقيقة ليست كما تبدو أحيانا.
إذن لدينا مشكلة التمثيل: الإعلام الرسمي يمثّل مصالح الدولة, الإعلام “الحر” و”المستقل” يمثّل مصالح المعارضة, والتدوين يمثّل ما يمسى بـ”الشارع العربي”.
ممّا يستدعي أن نسال السؤال الآتي: هل كل ما ليس إعلاماً رسميا, إعلاما بديلا؟
بنظري البديل هو عملية وآلية إعادة قراءة الواقع بشكل جدلي وليس بطريقة معاكسة أو مشابهة لطريقة قراءة الإعلام الرسمي له.
إذن البديل ليس التدوين بحد ذاته كشكل آخر لإيصال المعلومة أو الرأي, وإنّما وكما أسلفت, البديل هو القراءة الصحيحة للذات وللواقع, وهنا الإشكالية في أي إعلام كان, أكان رسميا, حرا أو تدوينيا: ما نلاحظه هو اختلاف الأشكال التعبيرية دونما اختلاف بنيتها وجوهرها لأنه تفتقد للقراءة الصحيحة لمعطيات الواقع واحتياجاته, فالخطاب الذي تجده في الإعلام الرسمي ترين عكسه في الصحافة الحرة وتجدين خطابا عكس كلا الأخيرين في التدوين.
لذا نرى التدوين الآن في لبنان وفي المجتمعات العربية إنّما امتدادا آخرا لآليّة تعاطي الإعلام الرسمي مع معطيات الأحداث. ونلمس ذلك في الأحداث الأخيرة التي حصلت في لبنان حيث شاهدنا كيف بات المدونين اللبنانيين مرآة للإصطفافية السياسية الموجودة في الجرائد والفضائيات. هناك قلة قليلة من المدونين اللبنانيين والسوريين الذين استطاعوا أن يخرجوا من هذه السلسلة وهم نوعيين في قراءتهم لواقعهم, هؤلاء برأيي, سواء كانوا مدونين أم صحفيين, من يمثلون العقلية والذهنية البديلة التي تحتاجها هذه المنطقة.
دعوني هنا أن أقتبس جملة قالها الأستاذ روجيه عساف البارحة, وهنا أود أن اطلب نسخة إذا في بالإمكان من مداخلته القيمة, حيث قال الآتي:
“أن تفلت من كل منع وحظر لا يعني انتصارا للحرية أو للديموقراطيّة”. وأضيف, لا يعني الحريّة.
نحن نرى كيف يتم زج العديد من المدونين العرب في سجون الأنظمة العربية لتدوينهم عن المستور في الإعلام الرسمي. هل هذا يجعل من التدوين أداة للحرية؟ التدوين ليس انعكاسا للحرية, أو هو وسيلة حرة, أو انتصارا للديمقراطية, بل هي بالنسبة لي كمدوّنة, عملية بحث عن مساحة (لا عن حرية), لمعرفة الذات قبل “التعبير” عنها أو “تغيير” واقعها.
أي عندما نتحدث عن إعادة قراءة الواقع, التاريخ, الذات, الوطن والقيم والخ…نحن نتحدث عن معرفة الذات, تلك المرحلة التي اختُزلت كذلك في التدوين, أصبح التدوين بشكل بارز وسيلة للـ”تعبير” عن القضايا و”علاجها” قبل معرفتها. تلك المتعلقة بالقضايا السياسية أو باللاحريات. كيف نغير واقعا لا نعلمه؟ كيف نعبر عن واقع لا نعرفه؟ لذا أنا لا أدون كي “أغير” واقعي, أو كي “أعبر” عن نفسي, لا نفس لي من حيثما أتيت, أنا حين وجدت وجدت افتراضيا, ولأنني وجدت افتراضيا ها أنا ذا اوجد على الأرض. لكنني لست واهمة, أنا اكتب ذاتي وهواجسي وقلقي, الذي قد يبدو إصلاحيا لبعض القراء, غير انه مجرد محاولة لأستحق جواز سفري السوريّ في غياب فرصة أن أستحقه على الأرض.
مواطنيتي لم تتشكل بعد, هذا إن كنت أؤمن بها أصلاً, هي وعبر الكتابة الافتراضية, تصير, كل يوم, إذن المواطَنة في سوريا هي كما أعتقد إما حالة افتراضية أو اغترابيّة, وهي في كلا الحالتين, صيرورة منقوصة.
في الختام, لا يُفهم من كلامي على أنني لا أرى في التدوين داعٍ, على العكس, التدوين مهم لانتشار ثقافة تكوين الرأي فيما يخص الشأن العام خصوصاً في تلك الدول التي تحرّم عليك أن تكوّن رأياً فيها.
كما أنّ التدوين يمهّد لثقافة التنظيم المحرّمة كذلك على الأرض في الدول العربية. هذا لا يعني أنه بإمكان التدوين أن ينظم التغيير على الأرض, ورأينا فشل الإضرابين في كل من مصر والأردن لاعتمادهما التنظيم الافتراضي فحسب.
لا زلنا ننظم أنفسنا, لا لزلنا نتعرف على معنى المواطنة, لا زلنا في مرحلة تأسيس الذات التي تطمح إلى التغيير, واعتقد أن التدوين هو إنما مرحلة تمهيدية في مساحة افتراضية تحتاج للافتراضية لتكون ذات معنى.

وشكرا
محررة موقع رزانيات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى