غربُ المَوت ، للشاعر الكردي دانا صوفي
ترجمة عن السويدية : دلور ميقري
حينما أضحى الإله ُ تعباً ، منحَ الإنسانَ موهبة الخلق :
عطشُ العاشق يُطفأ بالنور ؛ النور الذي يقطر في الجسد .
النور يسطع بأثر خطى الناسك ، النور يسطع في الأشياء
المبحرة . في الجانب الآخر من الحقيقة ، لا يوجد أيّ
نور بقادر على تمسيد الكلمة .
مُلهمي يُبصر قيمة النور في تلك القبور المتجوّلة والسائلة ؛
يبصر عظمة الجسد في التطبيق والإنتعاظ .
ملهمي الآخر ، يقول : الحياة في نظر عين الميّت ،
هي رصاصة في ضيافة الجسد .
دعنا نموت ؛ فالموت هو قراءة رواية السراب .
أنا عبرتُ بجانب تاريخ معلق ، ثمة حكاية الجسد
لم تكتب بعد . إذا كانت الحقيقة هيَ ماءٌ جار في حجرةٍ
لا مرئية ، فماذا سأفعل مع السراب المشتعل وأغنية الرغبة ؟
هذه النار التي تقذفني إلى ذلك العناق المطفأ ، والذي يجعلني
مجنوناً بمتعة الرؤية ، ذاك اللحن الذي يجعل وجودي مستحيلاً
خلال ثورة عابرة ، أو في سفر بلا شرَفٍ .
إلى إشراق بسمةٍ ، قدمتُ أنا من منبتٍ لم يعرف الماءَ أو
الغروب ، والذي لم يدرك معرفة فرع المطر ؛ المنبت الذي
بدأ تواً بقراءة طرق النسيان ، هذه التي بدأت للتوّ ، أيضاً ،
بتفسير رغبةٍ وقدر من الألف إلى الياء ، ولكن التي تنكر
ذاتيّة القبلة .
دربٌ يفضي من البحر ؛ دربٌ بعيد المنال
ثمة ، أين الطفولة بعين مفتوحة تبحث عني .
دربٌ يؤدي إلى السراب ؛ دربٌ إلى ملكوت الله
هناك ، أين الشيخوخة تودّعني .
في هذا المُنتهى من رحلة التطهّر والخطايا
يوجد ضياعٌ أجمل ، حسْب .
أنا أحتملُ موتَ البياض هذا كله ، كي يتبرعم مكانٌ للهدوء
وراء الأحرفِ ؛ ولكي يأتي أريجٌ من رسائلها ؛ ولكي يتمكن
الجوّالُ التائه إستجداءَ الصفح من نور القمر .
طالما وجدَ الضوء ، فالتيْه غير موجود ؛ طالما وجد الروح
فالطفولة موجودة . دعنا نحلم بالإله ، ما دمنا نتذكر النجم .
*
تقريرٌ سريّ لموت :
لأرفعنّ ، لحظة موت الإله ، نخبَ الذكرى .
بين السفر والسراب ، بين الورد وعناصر الطمانينة ،
لنكتشف مقبرة ً من أجل الحياة ، ولنرجع إلى راحتيْ
أمان االإله .
الحياة ، خيانة الماء للجسد . إذا لم نستطع ، يا صاح ،
أن نكتبَ تاريخاً من المحبّة ، فلندع للبحر تلك الأجداث .
في جذور الدمع تلملمُ المقبرة تفاصيلها . غيرَ أن تلك لم تك
النهاية . إذا تركني الوطن ، أردتُ أن أستعيدَ مدينتي .
في ثقل الأسئلة ومفردات الثورة ، أجدُني الرجلَ الأكثرَ
صبراً في العالم . أغاني السراب ليست بأغان للمنفى ،
إنما لعبة بين الذاكرة والنسيان .
الشيطان يضحك تلقاء النسيان ، ما فتأ الضحك وجوده :
غيرَ أنّ هذا ما كان اورغازم السّفر .
ثقافة متجوّلة منحتنا شيئاً من قيمة هالة القمر .
قال : هاكمُ قداسة وحرباً ، كيما تصير آية لآخلافكم ؛ هاكم
هذا السيف وزمن الموت صيرورة طريقكم . عليّ ، يجب ،
الإعتذار لوفاء الفراشة للوردة ، لو ما إستطعتُ أن أسلمَ
الجسدَ اللا زمنيّ للتربة المقدسة .
أيها الوطن ! أيها الأب ! أيها القائدُ الحبيب : أعذروني إذا
كنتُ في أورغازم حروبكم المجنونة أشعلتُ أصابعَ اللذة
والسراب ؛ في معبد ثورتكم عرضتُ جسداً عار وتمثالاً
من رميم ، والإغواء والخطيئة .
من بعد لن أعود إلى معبد الحرب .
*
دعنا نستهلّ بالموت :
لما تكلمَ الموتُ ، ما كان فضاء بيتي مائياً ؛ كانت أذني
منذورة لحكمة الأخوّة . بيتي صغيرٌ وليسَ كما الماء ،
الموتُ كالماء والسفر عبثٌ .
دعنا نمضي إلى ذلك المكان ، أينَ الأيدي النورانية
للملائكة لا تصلنا ؛ المكان ، حيث كلّ شيء بلا وزن ؛
هناك ، حيث الكلمات لا تستطيع أن تحتلّ الجسد ؛ ثمة
سنجمعُ الصمتَ حسْب ، نبعثر الصمتَ نحوَ السماء ؛
صمتٌ ، من أجل الحبّ ؛ هذا الصمتُ ، نحيا لأجله .
*
الموتُ ، بحسب وجهة نظره :
دعنا نموت
أن نموت معناهُ نوم الروح ونبضة القلب ، أو جرعة َ
نشوةٍ في موسيقى الجسد . دعنا نلهو بميداليات الفردوس
بلعبة الإنتظار ، بمآثر حكماء الثورة في وقتٍ نشفقُ
فيه على عَظمَة العنب .
فلنلهوَ بأولئك الوعاظ ، الذين إستلوا حيوية الجسد .
دعنا نلهو بأزقة الطفولة وخطايا المطر . دعنا نحيي
اللحظات الغرائبية للقدَر ؛ فعبْرَ الحكمة الأولى تلك ،
سنؤوب للموت .
*
بضعة من ذاكرة صديقي الشاعر ، إثرَ السراب :
وراء السلطة ضحكة تقول ، هذه التفاحة هي جسدكَ
إنها ذاكرة الأجيال . الماضي غيرَ ذاخر بالحياة ،
والمستقبل مكانٌ بلا عاطفة ، أما الحاضر فقد فتحَ
باباً على العشق في دفتر السراب .
أكان ذلكَ هوَ العشقُ أم ذكريات الجسد ، من إختطفَ
ذاكرة بلدي ؟
آه ! أنتِ ، المتخمة بالنهاية التي ليسَ لها مبالاة .
فحقيقة ، أنّ سفرَ السنونو لا ينتهي بعد التفاحة ،
فلتفتح ذلكَ القلب من أجل غزوة الأرواح الأكثرَ
ألماً ؛ إفتح تلكَ الأجساد من أجل تهدئة شهوانية
الزهّاد ؛ دعنا نرجع لقدَر الجسَد . لن تتمكن من
إستعادة العشق الذي فقدته في حرب إخوتك .
الآن ، لا وقتَ كافياً للعبادة ، أو الإنصات
لتمنيات المطر ؛ ولا وقتَ ، أيضاً ، ليقين القمر
أن يمنحَ هالته لأجسادنا .
حان الوقت لكي ننتقل بأنفسنا إلى منفى رحلة
النعاس ؛ هذه التي لا تأخذنا إلى الأحلام المائية
هذه التي لم تجعلني عالماً بشبهة الماء .
هذا وقتُ الموت ، فلمَ لا نموت ؟
حفنة أقنعة كانت قد تركتْ بُعَيد سفر إخوتنا :
أهُمُ قطراتُ الندى أم أجزاءٌ من أبديّة الحياة ؛
أهم لحظات من زمن التفهّم أم نبضات القلب ؟
ماذا عليّ فعله مع سراب الفوضى ؟
هذه هي صحيفة الفشل وملفّ الفضيحة .
اللحظات تمضي ، وليس ثمة من يشكّ وردة
على صدر منتصف الليل ؛ وما من أحدٍ يحتفي
بالسفن المبعثرة ؛ ولا أيضاً من هوَ بقادر على
إنقاذهم من مصيرهم القاتل . السفر ما كان بقادر
على أن يخلق مني إنساناً ، ولا محارباً ينأى
بنفسه عن الزمن . إنني أرغبُ أن نبدأ القبل ،
وبالموت ننتهي مع ذروة اللذة .
من أجل أولئك الموتى الذين غسلوا خطايا الأرض ؛
فلتفتح تلكَ النوافذ المطلة على جثث الأخوة ؛ فلتفتح
النوافذ ذاتها للعنة الأرض على الأجيال .
لا أحد يُفكر بعلامة الولادة ، جميع الذين يشعرون
بنسيم الجسد ، يحتسون عدمَ الريح الخفيفة .
من هنا نؤوب إلى تفسير الهدهد لجدليّة العلاقة بين
الثدي والحرب ؛ ثمة لا أحد ، سواء من العشاق أو
العرّافين يطيقُ قراءة الرسائل وترجمة الأنبياء ؛
هناكَ ، لا أحد من العشاق يطيق قراءة الرسائل
ولا العرافين بقادرين على ترجمة أحلام الأنبياء
والبحارة ؛ وليس ثمة من غروبٍ ، يُشرف على
كينونة الجسد ؛ هناك ، أينَ عناقيد العنب يُحتفى
بها بلا رغبة .
*
آية جديدة لحاشية الموت :
هذه الآية قرأتْ للمرة الأولى ، من أجل جوّال
كانت هوايته الموسيقى .
إلهي لا تغفر لي ولا تأخذ خطاياي ،
إنني أحيا بذنوبي ؛ إنها بيتي .
الموتُ يقول : شاركتُ بإخفاء آلام الحياة ؛ والحياة
أيضاً ، بصدد يقين الأزل ، تشدّ تشرّدها البوهيميّ .
بلا مأوى الحياة ، بيتها مسافرٌ
هيَ في يأس الطريق .
عاشقُ السراب يقول : ما بينَ الإختيار والقطيعة ،
ثمة زمن يتكوّن من آخر طبعة للحياة ، وجغرافيّة
الطفولة .
أنا أحيا بذنوبي . يا للتاريخ !
في تلك اللحظة التي لم نشعُر فيها بموت الفراشة
خسرنا ، ولم ندرك ثمن تلوّن الصديق .
لا تغفر لي ، إلهي . إلى أمان راحَتيْ اليوتوبيا
تلك ، أعودُ وينقلبُ تاريخي إلى مأواي الخطيئة .
رغباتي أعلقها ، مُلاحقاً هذيان الثورة في فراغ
الآية . دعوني أيتها الفروع الموقرة للنارنجات ،
مُجسّداً في أجسادكنّ ؛ في فِراشكنّ دعوني أدفن
نفسي وآيتي ؛ هناك ، حيث يتصالح الله والشيطان
هناك ، حيث يتزاوج الجلاد والضحية :
تخمِدُ حينئذٍ شعلة ُ الحياة زمنَ الخطايا .
فلنمُتْ في الغربِ ونحلم بشواطيء المكان الزمانيّ
في جرحكَ ، الحلم المائيّ هدانا إلى خمسة أنجم ٍ
مُقنّعة لعِبَتْ بالزمن ؛ إثنان منها تهاويا وإثنان تصاعدا
وواحد على قلب الزمن تهادى .
غادَروا
في الأسفل حيث أمواج البحر ، كان عليهم أن يدفنوه
بلباس الطفولة وبآيةٍ من إقليم الخطى الكافرة .
غادروا
وفي ضفة بحر ما ، جغرافيّة الحبّ القصيّة إستدعوها
ومع المريدين الشائخين ، بحثوا عن القانون المائيّ
في الإقليم الأكثر مثاليّة .
ما من جرح مطلّ على البحر ، كي يُطهِّرَ بعبث
تاريخ ِ الحروبِ ، أزماننا .
إستلق ِ الآن في أمان اليقين ، وتأمّل شفافيّة التفاحة
أنظر البحرَ وإجرع قدَحَ الخطيئة : حينئذٍ يتفتح العراة ُ
كدفتر شعريّ ، والعالم يولدُ من جنون الخطيئة .
لن أعودَ من بعد لربيع الآباء ، الذين أخمدوا الدروب
أناشيدكم تلك ، لم تدعنا نبكي على ميتتنا غير المرغوبة
حان الوقت لنشكّل إطارَ لحظاتٍ موسيقيّة ، جديرة
بالرقص ، والموت نعلقه هناك خلف ظهر الطفولة .
يأتي الأمواتُ ويجعلون الفضاءات لهم ولأحفادهم
مُلكاً . وهذا البحر ، وهذه الدنيا أيضاً ، لا مكانَ
فيهما لجسدي اللا مُجدي .
إجتازوا ذاكَ البحر أيضاً ، غادَروا
وفي الأسفل ، حيث أمواج المياه ، كان عليهم أن
يدفنوه ومستقبله .
لن أعودَ من بعد لوطن التفاحة ، وجثتي ما فتأت
على الطريق .
1997 ـ 1999 ( طهران ، أوبسالا )
* دانا صوفي : من مواليد 1971 في أربيل ـ كردستان
له مجموعة شعرية مطبوعة ، بالكردية
أسهمَ في كردستان بتأسيس وإدارة تحرير مجلات أدبية
وهو يعيش حالياً في السويد ، ويعمل باحثاُ في قسم علم
الإجتماع بجامعة ستوكهولم
* الترجمة عن السويدية
Dilor7@hotmail.com
خاص – صفحات سورية –