سلتنا الغذائية.. هل ندق ناقوس الخطر؟
ريم الغبن – حسن العقلة
Imageصفارة الإنذار أُطلقت منذ ثلاث سنوات، ضمن أول ضربة تلقَّاها الفلاحون منذ أربعة عقود خلت، ذلك أنَّ الجفاف خيَّم على المنطقتين الشرقية والشمالية اللتين تشكِّلان رئة الزراعة السورية، لتطاول الكارثة ما نسبته 22 % من الناتج المحلي الإجمالي. والآن في نهاية الموسم الزراعي عام 2010، اجتاحت المصيبة المحافظات كافة، لتقضي على القمح، والقطن، والشوندر السكري، والبندورة، وليؤكِّد ذلك أنَّ دوي الصفارة لم يطاول إلا جزءاً بسيطاً من الجهات المعنية، والذي تزامن مع التحذير الذي أطلقته منظمة الفاو بأنَّ موجة جفاف غير مسبوقة خلال الموسم 2007/2008 كانت في الواقع الأسوأ خلال الأربعين عاماً الأخيرة،
حيث أثّر الجفاف بشكل كبير في المحاصيل والإنتاج الحيواني، وأصاب بشدة 200 ألف عائلة ريفية؛ أي نحو 1.3 مليون نسمة، في المنطقتين الشرقية والشمالية من القطر……..
كرة الثلج الزراعية، أخذت بالتدحرج السريع لتزيد معها الشكوك حول دقة وصحة ما أفرده الإنتاج الزراعي الحقيقي للعام الثالث على التوالي. مرور الكرة في ملعب الزراعة تعرَّض إلى كثير من الركلات؛ فكلّ مديرية في وزارة الزراعة قذفت الكرة إلى مرمى الأخرى، لتستقرَّ أخيراً في الدائرة الوسط، والدوران حول مئات التساؤلات، التي انتهت بتحميل الجفاف المشكلة، والخروج بنتيجة أنَّ هذا الوضع الناشئ أثَّر بشكل فعلي في مقدرة السكان المتضرِّرين على الإيفاء بحاجات أسرهم من الغذاء، وفي مقدرتهم على الاستمرار أو استعادة معيشتهم، حيث اعتمد أكثر من 80 % من الأسر- التي زارتها البعثة المشتركة للأمم المتحدة- على الخبز والشاي المحلَّى بشكل خاص لسدِّ حاجاتهم الغذائية التي تعادل فقط 42 % من إجمالي 2100 سعرة حرارية في اليوم.
¶ نزوح الألوف من العاملين في الزراعة
تقرير صادر عن وزارة الزراعة، حصلت «بلدنا» على بعض مقتطفاته، كشف عن خطأ جسيم للفريق الاقتصادي، من حيث عدم توجيه بوصلة الزراعة بالاتجاه الصحيح، الأمر الذي بيَّن أنه نتيجة للسياسات الزراعية التي اعتمدت في فترة سابقة جداً، حقَّقت سورية قفزة نوعية في إنتاج السلع الزراعية، مُحقِّقة الاكتفاء الذاتي في بعض المحاصيل (الحبوب- الخضار- الفواكه..)، إضافة إلى زيادة ملموسة في الإنتاجية لواحدة المساحة، حيث وصلت مساهمة الزراعة في بعض السنوات إلى 30 % من الناتج القومي الإجمالي، ووفَّرت فرص عمل لما يقارب 40 % من القادرين على العمل، ولكن هذه المساهمة تدنَّت في السنوات اللاحقة بسبب موجة الجفاف من ناحية، وزيادة في مساهمة القطاعات الأخرى في الناتج المحلي من جهة أخرى، وإيجاد فرص عمل في القطاعات (الخدمي والمصرفي والصناعي)، وبحسب التقرير «كان من واجب الفريق الاقتصادي الاستمرار بدعم هذا التوجُّه إلى زيادة الإنتاج والإنتاجية، لتوفير المواد الغذائية، وتلبية الطلب عليها»، آخذاً في الاعتبار «زيادة الطلب المستقبلي على المنتجات الزراعية كنتيجة طبيعية لزيادة عدد السكان، وكذلك التحدِّيات الناجمة عن اتفاقيات الشراكة الثنائية (العربية والإقليمية)، لكن الذي حصل كان العكس تماماً، فقد تمَّ تحرير استيراد وتداول كافة المدخلات الزراعية، وآخرها الأسمدة، إضافة إلى الإجراءات السابقة التي اتَّخذتها الحكومة برفع أسعار حوامل الطاقة، وعاملت القطاع الزراعي في أحسن الأحوال كما القطاعات الترفيهية والخدمية»، وهذا تابع جديد لأخطاء متتالية، فماذا سيكون حصاد الحكومة والمواطنين من كلِّ ما يحصل؟!..
مئات الأسر في المنطقة الشرقية نزحت من موطنها الأصلي لتستقرَّ في أطراف دمشق بحثاً عن لقمة عيش وفرصة عمل، وهذا يترتَّب عليه بروز طبقة اجتماعية جديدة لها مواصفاتها ذات الحياة المتدنية جداً، وكذلك ارتفاع في نسبة البطالة، سيفوق تصوُّر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وكذلك لوحظ في الفترة السابقة جداً نزوح عائلات من ريف حلب إلى العاصمة، أضف إلى ذلك أنَّ تراجع محصول البندورة سيضطرُّ الفلاحين في محافظة درعا إلى البحث عن بديل آخر لسدِّ حاجاتهم المعيشية، وهذا كلّه يعني انخفاضاً في العرض وازدياداً في الطلب، فأين ستنتهي الحال؟، يجيب عن هذا التساؤل التقرير السابق ذكره: «ستقود سياسة الحكومة الحالية المتَّبعة، إلى بروز عجز في تأمين الطلب المستقبلي على الغذاء، ونزوح الألوف من العاملين في الزراعة إلى المدن بحثاً عن فرص عمل ولقمة العيش، مع الإشارة إلى أنَّ متوسط إجمالي الإنتاج من القمح للسنوات العشر السابقة والمتسلَّم من الدولة، سوف يُستهلك بكامله خلال خمس سنوات قادمة»..
نقطة.. سنبدأ كشف ملابسات تراجع الزراعة السورية في غضون ثلاث سنوات، من خلال جمع الأطراف كافة، ليتمَّ الحديث وللمرة الأولى عن تفاصيل وأرقام حقيقية لم تُكشف من قبل، حيث تعرضها «بلدنا» من رأس الهرم الزراعي، وانتهاءً بقاعدته الفلاحية، فآخر ما اضطرَّت الوزارة إلى فعله يتمثَّل في تخفيض مساحات زراعة الشوندر السكري بنسبة 14.7 %، بعد ذلك..
¶ تريثوا.. ولا تعمموا
وزير الزراعة، الدكتور عادل سفر، طلب ألا يتمَّ الحديث بالتعميم، واكتفى بالاعتراف بوجود ضرر في محصولين، فهل يعكس ردُّ فعله هذا واقع الجولات المكوكية التي قام بها الوزير نفسه إلى المنطقة الشرقية لأكثر من مرة؟. يقول الوزير سفر: «حتى نكون واقعيين، عندما يتعرَّض محصول من المحاصيل إلى الضرر نتيجة الظروف، يجب ألا نعمِّم هذه الظاهرة على بقية المحاصيل، فهناك محصولان تعرَّضا إلى الضرر نتيجة الظروف القاسية في سورية، هما القمح والقطن، لكن بقية المحاصيل وضعها ممتاز جداً». وضرب الوزير مثلاً في الشوندر، قائلاً: «الشوندر السكري فاق إنتاجه الإنتاج المتوقَّع أو المخطَّط له، ولدينا الخضار والفواكه وبعض المحاصيل الأخرى التي لم تتأثَّر، ولكن باعتبار أنَّ القمح والقطن هما محصولان استراتيجيان في سورية، ركَّزنا على موضوع إيجاد السبل لتلافي تأثير الجفاف عليهما، لكن هذا موضوع مناخي لا يمكن السيطرة عليه، إلا من خلال الجهود المشتركة على مستوى دولي وإقليمي ودول الجوار، ونحن في سورية نركِّز على أبحاث الجفاف بشكل عام، حتى نستطيع أن نتجاوز- إن أمكن- هذه التأثيرات المناخية».
وأردف الوزير: «الإنتاجية موضوع مهم طالما أننا وصلنا إلى الحد الأقصى بالمساحات المزروعة»، معتبراً أنه «لا يمكن التوسُّع أفقياً على اعتبار أننا وصلنا إلى 7 ملايين هكتار مزروعة، فلا يوجد أراضٍ جديدة للتوسُّع فيها، فجانب الإنتاجية هو الشغل الشاغل للبحوث الزراعية في سورية وللمنظمات الدولية والدول المجاورة، وعلى المستوى العالمي».
«توتا أبسولتا».. خطورتها توازي خطورة الجراد
الصفعة التي تلقَّاها الفلاح لم تكن على البال ولا على الخاطر، كما يقال، إنما وباء حلَّ عليه، وما مِن مفرّ.. محمد خطاب، مزارع من محافظة ريف دمشق، قال: «القمح- من أسف- تضرَّر، والوزارة تحدَّثت عن صندوق الدعم الذي سيقدّم لنا الدعم، لكن حتى الآن لانعلم متى سنحصل عليه؟، فلم يبقَ لنا سوى أمنية واحدة من وزارة الزراعة؛ أن تساعدنا أكثر، لأننا نعيش نحن وأولادنا من وراء الزراعة، فإذا خسرنا محصولنا ليس هناك شيء نعيش عليه».
وفي درعا وجع آخر، فقد عرفت البندورة الحورانية في العديد من دول العالم، لكن ليس بعد اليوم، ويمكن القول إنه كان هناك محصول اسمه «البندورة الحورانية».. أحمد سليمان، مزارع من محافظة درعا، قال: «بالنسبة إلى الحشرة التي أصابت موسم البندورة هذا العام، وصلت إلينا من دول أخرى، وكانت بدايتها في أوروبا، وانتقلت إلى حوض البحر المتوسط ووصلت إلينا، واسمها «توتا أبسولتا»، وخطورتها توازي خطورة الجراد، وهذه أكثر ما تهاجم البندورة، ونتيجة لذلك كانت خسارة المزارعين ما بين 50-60 %، وذلك بسبب تأخُّر المكافحة، حيث كانت الحشرة متغلغلة».
المهندس حسن سليمان العلي، مدير زراعة الرقة، قال: «محافظة الرقة زراعية في الدرجة الأولى، تشتهر بزراعة المحاصيل الاستراتيجية؛ كالقمح والشوندر والقطن، وهذا العام كان مميَّزاً عن الأعوام الماضية من حيث تغيرات المناخ، التي أثَّرت في محصول القمح نتيجة الشتاء الدافئ، حيث أصيب المحصول بمرض الصدأ، فكان له انعكاس على الإنتاج والمردود، أما بالنسبة إلى الشوندر فكان الموسم جيداً، وعمليات جني القطن حالياً مستمرَّة رغم تأثُّره بشكل خفيف، فموجة الحرارة أثَّرت في الإنتاج بشكل سلبي».
¶ الزراعة ليست 1 + 1= 2
المهندسة يسرى شباط، مديرة صندوق دعم الإنتاج الزراعي في وزارة الزراعة، قالت: «الزراعة بشكل عام ليست تابعة لمعادلة 1+1=2، وإنما تابعة لظروف جوية خارجة عن إرادة الإنسان، وهي السبب في تأخُّر الزراعة، والأمراض التي حصلت، ولكن لا يمكن ألا يكون للإنسان دور فيها، فهناك فنيُّون قيّموا موضوع القمح وانخفاض إنتاجه، والقطن كذلك تعرَّض إلى الإصابة بدودة اللوز الشرقية، فقد كان هناك مدرستان لهذا الموضوع؛ المكافحة الحيوية أو المكافحة العادية، وكذلك كان هناك تقييم وآراء مختلفة حول هذا الموضوع، ولكن- من أسف- كان الوقت متأخِّراً لعمل هذه الدراسات، لأنَّ الدودة دافعت عن نفسها، وجاءت على جزء من المحصول، فقد تعلَّمنا من هذه الأخطاء ألا نتأخَّر في المراحل اللاحقة بالنسبة إلى الظروف المتعلِّقة بالإنسان».. وتتابع المهندسة «شباط»: «أعتقد أنَّ عدم الاستفادة من تجارب الآخرين، هو أحد أسباب التأخُّر في الزراعة»….
وتعلِّق شباط: «لم تكن الظروف الجوية من قبل بهذه الحدَّة، والظروف المناخية نتيجة التطور والمعامل وطبقات الكربون ومخلفات الصناعات الحديثة أثَّرت في المناخ، وهذا التأثير انعكس سلباً على الوضع، فلم يكن هناك استراتيجية بعيدة المدى، وإنما كنا نعيش كلَّ خطة بخطتها فقط، وهو ما يسمَّى الخطة الخمسية، فأيُّ مشروع يجب أن يضع خطة لـ100 سنة إلى الأمام، ويجب ألا نعيش يوماً بيوم، وأن نضع كافة الاحتمالات للخطط القادمة، وعلى أساسها نواجه كلَّ الاحتمالات».
خطّطنا ولم ننتج..
مربط القضية لدى التخطيط في وزارة الزراعة، فما حقيقة الواقع الحالي؟.. حسان قطنا (مدير التخطيط والإحصاء) قال: «التراجع في الإنتاج الزراعي تمَّ نتيجة الظروف الجوية القاهرة التي طرأت على البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية. والمساحات المزروعة في سورية لم تنخفض إلا بشكل بسيط جداً. فمازالت المساحات المستثمرة تزرع كاملة، والخطة الإنتاجية الزراعية لا يوجد تراجع فيها. والفلاحون يزرعون كامل المساحات المتاحة للاستثمار الزراعي، سواء المروية أم البعلية. إلا أنه، نتيجة ظروف الجفاف في السنوات الأخيرة، تراجعت المساحة المروية بحدود 300 ألف هكتار، وتراجعت المساحة المزروعة بعلاً بحدود 400 ألف هكتار. وهذه المساحات تمَّ تحويلها؛ أي أنَّ الدورة الزراعية تمَّ تعديلها بحيث نحافظ على الموارد الطبيعية بشكل أفضل، وتكون إدارة أكثر سلامة للموارد المائية والأرضية. ومن حيث المبدأ، كافة المساحات المزروعة بالخضار والمحاصيل الصيفية والشتوية مازالت مستقرة، والإنتاج مستقر، في حال كانت الظروف الطبيعية مثالية.. إلا أنَّ الظروف الجوية، التي تمثّلت في انخفاض معدلات هطول الأمطار وتقلبات الطقس وسوء توزع حدود الأمطار على مستوى الموسم وحدوث عواصف غبارية، أدَّت إلى تأثر الإنتاج الزراعي، وإلى تقلبات مناخية. فالجميع على معرفة بها، وهي أدت إلى ظهور بعض الأمراض والحشرات التي لا تظهر إلا بظروف استثنائية، منها موضوع الصدأ، وانتشار ديدان اللوز الشوكية على القطن، إضافة إلى حافرة أنفاق البندورة، التي أثرت بشكل أو بآخر على الإنتاج الزراعي».
ولكن، كيف يتمّ وضع الخطة الإنتاجية الزراعية؟.. يقول قطنا: «نضع خطة بناء على موازنة مائية وعلى ميزان استعمالات أراضي؛ حيث خططنا لكافة المساحات المتاحة للاستثمار الزراعي، وتمَّ التركيز على المحصول الرئيس وهو القمح، كأصناف قاسية بدلاً من أصناف طرية؛ كونها أكثر مقاومة لمرض الصدأ وأقل احتياجاً للمياه.. كذلك تمَّ التركيز على زراعة الخضار الشتوية أكثر من الصيفية، وتمَّ تخفيض المساحات المزروعة بالقطن واستبدالها ببعض الخضار الصيفية الأخرى. ونسعى، حالياً، إلى تنظيم العملية التعاقدية ما بين الفلاحين والمؤسسات التطبيقية المختلفة لتنظيم الإنتاج. ففي هذا العام، نرى فائضاً في إنتاج البندورة في شهري تموز وآب نتيجة فيض الإنتاج.. إلا أنَّ تراجعاً كبيراً في الإنتاج كان في شهري أيلول وتشرين الأول، سببه أنه لايوجد علاقة تعاقدية مابين الفلاح والجهات التسويقية. ففائض الإنتاج، جعل الفلاح يتراجع في زراعة العروة الصيفية، التي كان من المقرر زراعتها للبندورة، وبالتالي انخفض الإنتاج.. هذا إضافة إلى الظروف الجوية. فعلى سبيل المثال، في محافظة درعا، كان من المخطط زراعة 1000 هكتار من البندورة التكثيفية، ولكن تمَّت زراعة 90% من هذه المساحة المخططة. وكان إنتاجها مقدراً بنحو 100 ألف طن، إلا أنها لم تنتج إلا نحو 30 ألف طن.. فأدى انخفاض المساحة، إضافة إلى الظروف الجوية، إلى تراجع الإنتاج».
رغم كل هذه الدراسات، إلا أنَّ الخطط الزراعية لا تأخذ بالحسبان أيَّ كارثة طارئة؛ يقول قطنا: «أثناء وضع الخطة السنوية للموسم الزراعي، لايتمّ وضع التعرض للحشرات أو للظروف الجوية في الحسبان، إنما نخطط لسنة طبيعية، سواء بالموارد المائية أم الأرضية ضمن السنة الطبيعية».
¶ الزراعة إذا لم يكن عملها ميدانياً تبقى تحركاتها غير مجدية
تحولات سريعة طرأت على المحصول الزراعي، وقلبت الموازين، وأعطت نتائج مخيبة للآمال.. ولكن، ماذا يعني ذلك؟..
ناهي شيباني (خبير زراعي)، قال: «نحن في منطقة شبه جافة، للعوامل المناخية فيها أثر كبير على الإنتاج الزراعي. ولكن، هذا لا يمنع من أن يتمّ اتخاذ إجراءات وقائية للتخفيف من حدة هذه العوامل. على سبيل المثال، اتخاذ إجراءات احترازية ضد الأوبئة والأمراض (أي نكون ميدانيين، وبمجرد حصول الإصابة نعمل على مكافحتها). لدينا مناطق استقرار في معدلات الأمطار لماذا لا نعمل على استصلاحها وجعلها صالحة للزراعة. ففي هذه الحالة نخفف من أثر الجفاف على الإنتاج الزراعي».
يتابع شيباني: «لابدَّ من أن ندخل في اقتصاد السوق الاجتماعي. وهذا يعني أنه يجب أن نزرع بناء على طلب السوق المحلي والخارجي على المنتجات الزراعية. وهذا يتطلب أن ندرس الميزة النسبية للمحاصيل الممكن زراعتها في سورية والأكثر اقتصادية. في هذه الحالة، من الممكن استبدال بعض المحاصيل عوضاً عن محاصيل أكثر اقتصادية، ويجب ألا نغفل الموضوع».
وتعليقاً على تخفيف مساحات القطن، قال: «تخفيف مساحات القطن أمر خاطئ، لأنّ المحصول يحتاج إلى يد عاملة، سواء في الزراعة أم في الحلج أم في الخياطة أم في التسويق. فإذا خفَّفنا إنتاج القطن، أصبح لدينا بطالة لعدد كبير من السكان. وهناك ناحية أخرى في هذا الموضوع، عوضاً عن تخفيف مساحات القطن، يجب أن نلجأ إلى عملية تصنيع القطن محلياً مثل الغزل والنسيج».
الخبير يقترح على الوزارة حلاً؛ يقول: «وزارة الزراعة، إذا ما كانت ميدانية، يبقى عملها غير مجدٍ، وإذا لم تكن لديها إجراءات احترازية وسريعة من أجل وقاية المنتجات الزراعية من أثر العوامل البيئية والبيولوجية، لم نحصل على أيّ فائدة. ولو استطعنا التحول من الري التقليدي إلى الري الحديث، لما حصلت هجرة كثير من سكان المنطقة الشرقية إلى مدينة دمشق، وبالتالي شكّلو ضغطاً عليها في كافة النواحي. وتسعى الحكومة حالياً إلى مواجهتها وإيجاد الحلول لها».
أرقام
¶ القمح: يتمّ التخطيط لإنتاج نحو 4.4 مليون طن، أنتج هذا العام بحدود 3.2 مليون طن. بلغ الإنتاج العام الماضي 4 ملايين طن، وفي 2008 تمَّ إنتاج مليونين و200 ألف طن. وإذا عدنا إلى 2006، فقد تمَّ إنتاج 4.9 مليون طن. وهذا الإنتاج بنفس المساحة المزروعة (1.7 مليون هكتار). وبالتالي المساحة ثابتة، والموارد المائية والأرضية المتاحة للقمح تمَّ استثمارها، إلا أنَّ الإنتاج تراجع نتيجة الظرف الجوي.
¶ القطن: كان الإنتاج نحو مليون طن، لكن ما كان يُزرع يزيد على 230 ألف هكتار حالياً.. إلا أنه لايتمّ التخطيط إلا لزراعة نحو 180 ألف هكتار لإنتاج 650 ألف طن في هذا العام، حيث تراجع الإنتاج إلى حدود 450 ألف طن.
¶ البندورة: وصل الإنتاج إلى نحو مليون و100 ألف طن، والتراجع في الإنتاج وصل إلى نحو 100 ألف طن. وتركَّز تراجع الإنتاج في هذه العروة التكثفية المتأخرة التي تنتج في هذا الوقت.
¶ الشوندر السكري: كان الإنتاج نحو مليون و200 ألف طن، والطاقة الإنتاجية للمعامل بحدود مليون ونصف طن. ووصل الإنتاج هذا العام إلى مليون و490 ألف طن، أي بما يتوافق مع طاقة إنتاج المعامل، أي هناك استقرار في زراعة محصول الشوندر السكري. فالسياسة السعرية هي التي تتحكّم بمدى تقبل الفلاح زراعة المحاصيل الاستراتجية. أما المحاصيل الأخرى، فمتروك للفلاح حرية اختيار المحصول وزراعته، واختيار الدورة الزراعية المناسبة.
لا نقبل أيَّ مبررات لتفسير التراجع
تراجع الإنتاج الزراعي يعني ضغطاً أكبر على الاقتصاد؛ يقول الدكتور حيان سليمان (خبير في الاقتصاد الزراعي): «يشكل قطاع الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي من 25 – 30 %. ومن أسف، تتراجع في العامين 2007 و2008، بسبب الظروف الجوية والعوامل المناخية ونقص الأسمدة والأعلاف. وإلى هنا، نشير إلى أنَّ التراجع قد حصل في القطاع الزراعي بجانبيه (النباتي والحيواني). وهذا من المؤشرات التي يجب أن نعالجها بسرعة، لاسيما أننا نلمح في الأفق الاقتصادي أزمة غذائية عالمية ستكون بالتأكيد أشد تأثيراً من الأزمات السابقة، وهي امتداد للأزمة الاقتصادية العالمية التي انطلقت من قبل الليبرالية الاقتصادية من أمريكا ومن عصبها الحساس شارع وول ستريت».
وأردف الدكتور سليمان: «أؤكد أنَّ تراجع الزراعة على مستوى العالم سيؤدي إلى زيادة الضغط الاقتصادي بشكل كبير، وأثّر على الدول النامية، ومنها سورية، لاسيما أنَّ الدول المتطورة بدأت تتوجه بشكل كبير نحو تصنيع الوقود الحيوي من المنتجات الزراعية، مثل القمح وفول الصويا. وهذا سيؤثر بشكل كبير على العرض الكلي لهذه المنتجات، ويؤدي إلى خلل في المعادلة ما بين العرض والطلب، وينتج عنه زيادة في الأسعار، إضافة إلى تحكم الشركات التسويقية في توزيع المنتجات العشوائية، خاصة بعد اعتماد العقود الآجلة. من هنا يجب أن نهتم بزراعتنا وأرضنا، وأن نضع تأمين الأمن الغذائي في سلم أولوياتنا». وأضاف سليمان: «بتعبير أكثر تحديداً، القمح خط أحمر. وأقصد بالقمح هنا ليس القمح بعينه إنما السلة الغذائية الكاملة. ولا نقبل أيّ مبررات لتفسير التراجع مهما كانت، بل يجب الاعتماد على سياسات زراعية تعتمد على قهر هذه التحديات. فموضوع الجفاف يُحلّ بالسدود وترشيد استخدام المياه والأعلاف، عبر دراسة تسويقية تأخذ في الاعتبار حاجاتنا ومصادر تأمينها الداخلية والخارجية. وتسويق المنتجات يجب أن يدفعنا إلى نقل مؤسسة الخزن والتسويق إلى المناطق الزراعية، أو بناء فروع لها مهمتها شراء المواسم الزراعية، لأنَّ تراكم المواسم عند الفلاح هو أكبر عائد للاستثمار الإنتاجي، كذلك يجب الاهتمام بالمنطقة الشرقية، التي تعتبر الخزان المائي والغذائي لسورية، إضافة إلى تعزيز مردودية الأرض الزراعية أو زيادة مردودية الهكتار الواحد».
http://www.baladnaonline.net/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=49344&Itemid=55