صفحات الناس

عن الجلادين والكرابيج والجنرال الذي اكتفى بسب الصحافيين

null
خطيب بدلة
نصائح أخوية.. إلى الجلادين المناوبين عند العصي والكرابيج والدواليب سأوجه الآن – عبر صحيفة ‘القدس العربي’ الغراء- نصيحة أخوية، والنصيحة عند العرب غالية إلى درجة أنها تعادل في قيمتها بعيراً ذا سنامين كبيرين، وشدقين واسعين، إلى كافة وزراء الداخلية العرب، ولا أقصد زوجات المسؤولين العرب أصحاب الظل الخفيف الذين يقول الواحد منهم عن زوجته (وزارة الداخلية!)، بل أقصد وزراء الداخلية الفعليين، ومعاونيهم، ومعاوني معاونيهم، ومديري السجون، والمعتقلات، ومديري النواحي، ورؤساء المخافر، والجلادين المناوبين في الأقبية عند العصي والكرابيج والدواليب، وما في حكمها، المتأثرين بفلسفة وزير الداخلية المهيوب في عصر سليمان بن عبد الملك، أعني الحجاج بن يوسف الثقفي، الرائد العربي الكبير في ميدان البطش بالشعب، والفتك بالمعارضين، وأصحاب الرأي الذين ربما كانوا لا يخالفون رأيه، وإنما لا يتطابق رأيُهم مع رأيه!
ملخصُ النصيحة هو أن يرأف هؤلاء الناسُ الأشداء، العتاةُ، المدججون بالأسلحة الفتاكة، بالأشخاص العزل، الخائفين، المرعوبين الـ(عاملينها في سراويلهم من شدة الذعر!)، وإذا دعتهم نشوةُ القوة والتسلط والاستبداد إلى ارتكاب المزيد من الضغط الجسدي والنفسي عليهم، وأن يعدوا للعشرة قبل المباشرة بذلك.
قبل أن أحدثكم عن سبب هذه النصيحة الأخوية، الغالية، النفيسة، أفيدكم بأنني شاهدت على قناة (العراقية)، مساء السبت 24 / 10 / 2010 برنامجاً يبث وقائع محكمة أمن الدولة العراقية المشكلة بالقانون رقم 10 لسنة 2005، ورئيسها وهو يعلن ما توصلت إليه المحكمة في قضية المسؤولين الذين قاموا بتصفية الأحزاب الدينية في العراق، أيام حكم الرئيس صدام حسين.
كان كل واحد من هؤلاء الرجال الأشداء، العتاة، الذين كانوا يقومون بأعمال الضغط على المعتقلين العُزَّل، يقف في قفص الاتهام- مثل نمور زكريا تامر المُرَوَّضة في اليوم العاشر- يستمع إلى مجموعة الأحكام التي يتلوها رئيس المحكمة، وليس لديه جواب عليها، باعتباره مداناً من فُرق شعره حتى أخمص قدميه، من هذه الأحكام: الإعدام شنقاً حتى الموت مقابل الجريمة الفلانية، وسجن خمس سنوات بسبب الجريمة العلانية، وسنتين سجن لقاء الجنحة المنصوص عليها بالمادة كذا، وست سنوات مقابل الجرم المنصوص عليه في الفقرة كيت، وسبع سنوات مقابل الجرم العلاني.. ثم يتم جمع الأحكام مع بعضها، فتزيد عن العشرين سنة، إضافة إلى حكم الإعدام، ومن ثم يُطبق عليه الحكم الأشد، استناداً إلى القانون العراقي.
لقد شاهدت هذه الوقائع، وتابعتُ، من جهة أخرى، ما بثته معظم الفضائيات العربية، وفي مقدمتها ‘الجزيرة’، عن الوثائق التي نشرها موقع ‘ويكيليكس’ الإلكتروني، وقد بلغت – بحسب هذه الأخبار- أربعمئة الف وثيقة، تتحدث عن تعرض عدد كبير من المعتقلين العراقيين للتعذيب (في زمن الحرية الأمريكي، المطعم بنكهة إيرانية حريفة، ونزوع طائفي أصيل)، ومقتل مئات العراقيين على أيدي القوات الأمريكية (الشقيقة) وقوات الأمن العراقية (الصديقة)، والميليشيات (الحرة)، والتلميح إلى وجود علاقة مباشرة للسيد نوري المالكي الذي (طلع اسمُه) في هذه الوثائق، وتصدي المالكي شخصياً لهذه الوثائق، وصدور بيان صحافي دفاعي عن الحكومة العراقية ينص، حرفياً، على أن (الضجة التي تقودها بعض الجهات الإعلامية تحت غطاء وثائق ‘ويكيليكس’ المذكورة، ضد جهات وقيادات وطنية وخصوصاً رئيس الوزراء تثير في أسلوبها وتوقيتها أكثر من علامة استفهام). وتابع البيان قائلاً (إن رئيس الحكومة يؤكد ثقته بوعي المواطن العراقي ونظرته الثاقبة لمثل هذه الألاعيب والفقاعات الإعلامية التي تقف وراءها أهداف سياسية معروفة لا تنطلي على شعبنا).
إنني أوجه إليكم هذه النصيحة، يا إخوتي الجلادين، لأنني أخشى من أن تقود المكتشفات الجيولوجية في البلد العربي الذي تعملون فيه، إلى وجود نفط يستخرج بإنتاجية عالية، أو احتياطي نفطي كبير، أو مناجم الماس، أو فلزات من ذهب، أو أية معادن ثمينة.. فينام الرئيس الأمريكي ذات يوم، مثما نام جورج بوش الابن (وهو على وضوء طبعاً!)، فيرى، كما يرى النائم، أن الله جل وعلا يأمره بأن يقود أساطيله البرية، والجوية، والبحرية العملاقة، إلى بلدكم، فيطوقها، ثم يقصفها من البر والجو والبحر، مستخدماً أراضي دولة عربية جارة لكم، ويخلع نظام الحكم، ويوعز لكم، بعد أن يقتل مئتين، أو ثلاثمئة ألف مواطن من شعبكم، بتطبيق الديمقراطية، وإقامة المحاكم (الحرة)، فتضعكم هذه المحاكم (الحرة) أنتم الجلاوزة، السجانين، ومديري النواحي، ورؤساء المخافر، أمامها، وسط أقفاص ذات قضبان، فتلوون أعناقكم – مثل نمور زكريا تامر المُرَوَّضة في اليوم العاشر- وتنتظرون حكم العدالة المنتظر..
فلو رأفتم بأبناء بلدكم العزل، الذين لا يملكون سوى رأيهم السلمي، لما وصلتم – أنا واثق من هذا الكلام- لمثل هذا الموقف المخزي!

سنبلة ومئة طبل
تحدث الفنان المسرحي السوري الكبير فايز قزق في لقاء أجرته معه قناة (الدنيا) ضمن برنامج (دراما زوم) عن تجربته في المسرح، ومشكلته، بل ومعاناته الكبيرة مع وزارة الثقافة التي بدأت في سنة 2000 وسنة 2001، ولم تنته حتى الآن.
وكان قزق قد وجه، قبل سنتين، رسالة إلى وزارة الثقافة عبر موقع صدى سورية دعاها إلى دعم الإنتاج المسرحي الذي يجب أن يصل إلى كل منزل وبيت في سورية.
وحينما سئل عن وزير الثقافة الجديد الدكتور رياض عصمت، لم يندفع لكيل المديح له جزافاً، مثلما يفعل بعض الفنانين حينما يُسألون عن أي مسؤول جديد.. حتى إن واحداً من إخوتنا العربان، وهو رجل داهية، اعتاد كلما (طار) مسؤول و(حط) مسؤول غيره مكانه، أن يهرع إلى صديق له يعمل أستاذاً في الجامعة، وهو شاعر، وعضو اتحاد الكتاب العرب، ويسأله عن رأيه بالمسؤول (الطائر) والمسؤول (الحاطّ)، في آن واحد، فيقول له جملة تصلح للتدريس في أكبر الأكاديميات العالمية التي تدرس فن النفاق (إن وجدت مثل هذه الأكاديمية) بوصفها الجملة الأكثر نفاقاً وتمسيحاً للجوخ، إذ يقول:
الأستاذ فلان الفلاني (ويذكر اسم المسؤول المنصرف)، ذكره الله بالخير، كان جيداً، ولا يوجد عليه (غَبَّرْتي وكَلَّسْتي)، وأما الأستاذ علان العلاني (ويذكر اسم المسؤول المعين حديثاً).. فهو أكثر من ممتاز.
لم يمدح فايز قزق الوزير الجديد، بل طالبه بالعمل الثقافي المفيد للبلد والناس.
ولكن.. من أجمل الأفكار التي طرحها فايز قزق في المقابلة، هو حديثه عن السنبلة والطبل، إذ قال:
إذا قطفنا سنبلة، لا يحق لنا أن نقرع الطبل ونجعل المزمار يترغل، فرحاً بهذا الإنجاز.. فالفلاحون يقرعون الطبل ويترغلون بالمزمار حينما يعودون من حصاد ثقيل أدى إلى موسم وفير.. أما أن تحصد سنبلة واحدة وتدبك فهذا غريب.
وهنا أرجو من الفنان قزق أن يتسع صدره لي إذا خالفته الرأي حول هذه المسألة، فأنا، محسوبكم، أرى أن الحصادين الذين يمتلئ بيدرهم بالسنابل تكون أجسادهم متعبة من كثرة الشغل، فلا يستطيعون أن يدبكوا، فإن فعلوا، فمن باب فض العتب، وعلى عينك يا تاجر، أما الناس الذين لا يحصدون سوى (الهوا الغربي) فتبقى أجسادهم نشيطة، وهم قادرون ليس فقط على الدبكة، بل يستطيع واحدهم أن يقفز، ويقمز، و(ينخّ) إلى الأسفل، أثناء الدبكة، مثلما قال الفنان ياسر العظمة في إحدى لوحاته.
وهكذا، وبناء على هذا الرأي الذي لا بد لفايز قزق أن يتقبله، ترى الناس في بلاد العرب ينقسمون إلى قسمين، قسم يحصد الهوا، ويدبك ويقفز ويقمز وينخ، ويأكل البيضة مع قشرتها، وقسم يزرع ويحصد ويطعم الآخر، ولا يتسنى له، في المحصلة، إلا أن (يأكل هوا)!
شكر للجنرال عون
أذاعت قناة المستقبل (الحريرية) مساء السبت 23 / 10 / 2010 تقريراً مصوراً طريفاً عن العماد ميشيل عون، رئيس التيار الوطني الحر، عنوانه الجنرال هو الأكثر سباباً على الصحافيين في لبنان من دون استثناء.. أرفقته بفوتومونتاج من لقاءات صحافية عديدة للجنرال عون وهو يسب على الصحافة والصحافيين.
وبالمقارنة بين الجنرال عون، وبقية الجنرالات في العالم، وبالأخص الهير جوبلز، وزير إعلام هتلر الذي كان يضع يده على مسدسه كلما ذكر أمامه مثقف أو صحافي.. فلا شك أن المقارنة ستكون لمصلحة الجنرال عون.. وعلينا نحن الصحافيين العرب، وبضمننا الصحافيون اللبنانيون أن نشكر (عون).. الذي يكتفي.. بالسباب.. علينا.
كاتب من سورية
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى