قصائد : رائد وحش
لن تمكنني منك غزليات هزيلة
لن تمكنني منك غزليات هزيلة، تعرفين الحيلة جيداً، لا رابط مع شخص يربط مفردات الأرض والطير والماء بامرأة لم يلمسها.. منذ الآن، وبحماسته ناشط منخرط في جمعية أهلية، سأرفع جسدك شعاراً بيئة نظيفة.
لن أتقمص شخصية العشب لتقويله: ملمسها ملمس الندى!!
لا.. واقعية هذا الجمال لا تحتاج مجازاً، تكفي رقصة لأعرف لم أحبك كل هؤلاء: الشاعر الفقير الذي يريد الانعطاف ببياناته الخرقاء إلى النص. المترجم المصاب بالضجر من الفرنسيات. مدرس الرياضة.. مجنون الحارة رغبة في التعقل..
كما تكفيك قبلة سريعة لتري كل من اشتهيت من النساء: طالبات الثانوية مع فتيانهن بين السيارات على الأرصفة. نساء الحواري الشعبية بالعباءات السود. مراسلة الفضائية الجديدة وهي تضحك في تقريرها. المهرولات ببيجامات أديداس صباحاً. لاعبة النرد في المقهى العروس التي مرّ موكب زفافها مساء البارحة. حبيبتي الساهية عن تهتكي.
ما يمكن قوله أنني فيما ألوذ بالخرس متشمماً بشرتك كنت أرى العالم خصيباً ونظيفاً بلا ثقب أوزون ولا دخان ولا احتباس حراري. ولا حروب إمبراطوريات تتبادل العرش بالدم. كنت أرى العالم طازجا وجديدا ولم يفسد بعد من سوء الاستعمال.
أحدهم، في غرفة هي الطّابق الثّالث
أحدهم، في غرفة هي الطابق الثالث، في منطقة مخالفات، يعزف على عوده. في الأسفل، مراهقو الحارة يتبادلون، بصمتٍ، سيجارة طلبوها من عابر ليس في علبته سواها. على سطح مجاور ظلّ فتاةٍ تلتمع دموعها عاكسةً أضواء السيَّارات من الأتوتستراد القريب. وفي البيت المقابل شيخٌ يتوضأ على مغسلة البرندة، تلفحه التّقاسيم فيفتي لنفسه بقيام الّليل على كرسيّ مع كوب شاي.
أحدهم.. هناك، في تلك الغرفة، في ذلك الليل، يرمّم بالموسيقى غرفةً ونفوساً آيلةً للسقوط.
أصعد السُّلَّم الموسيقيّ فأرى عوداً، مجرَّد عودٍ، يسكن غرفةً هي الطَّابق الثَّالث، وبهذه الطريقة يدفع إيجار الليل عن سكّانه المفلسين.
كنتُ آكلُ الكستناءِ وأفكّر
كنتُ آكلُ الكستناءِ وأفكّر به حينَ طُرِقَ الباب، فتحتُهُ فإذا به يبادرني: ماذا تريد؟
في هبة صوفية
في هبة صوفية فجائية وجدتني واقفاً على الشبر الفاصل بين الجنة والنار، وصراحة لم أجد ما يغري في تأليف ‘ رسالة الغفران’ أو ‘ الكوميديا الإلهية’.. ما شعرت به هو الحاجة إلى اسمي، فلربّما أوقفتني ‘ شرطة الفكر’ عند منعطف إحدى الشطحات! كيف أفهمهم أنني قادم من لحظة ضيّعتها أو ضيّعتني، وتحديداً.. لستُ أدري!!
في هبة صوفية جلست على الكرة الأرضية مقلّداً الدجاجة، وتساءلتُ في نفسي: ما الذي سوف تفقسه بيضتي؟ فأجبتُ في نفسي: لا شك حرب جديدة.. صرختُ: فلأهرب قبل أن أخسر إليتيّ!
في هبّةٍ صوفية جاءت امرأة بأسمال بيضاء، محلولة الشعر وتغنّي موّالاً أحفظه.. ذهبتُ في غيبوبة السلطنة، ومع القفلة لم تكن موجودةً.. إلى اللقاء في موّال آخر يا أمّي!
في هبّة صوفيّةٍ ‘ أولاد حارتنا’ يقرعون تنكات الزبالة وفق مارش عسكري.. الوجوه حزينةٌ وعلى الأكتاف جثة عصفور..
في هبّة صوفيةٍ رأيتني فسألتني: عجباً.. لم تفرد راحتيكَ؟! فأجبتني: عجباً.. ألا ترى السماء على وشك السقوط؟!
بعيدة جدّاً هي نيويورك
(إلى عتاب لباد)
بعيدة جدّاً هي نيويورك، مع ذلك سوف أذهبُهَا، لا لأمدحَهَا ولا لأهجوها، كما تفرّق من حولها الشعراء.. أريد ضياعاً كبيراً لأنسى وأُنسى، محطاتِ مترو عميقةً جداً، جداً عميقةً، وفي رطوبتها أتحوّل إلى جرذٍ سعيد في رغدِ ممالك العفن..
سأذهب إلى نيويورك يا بلادي، إلى أنفاقها تحديداً، وهناك سوف أتسلى عن الدنيا، وعنكم وعني بالغرغرينا..
أهذي بشموعٍ سوداءَ..
“قل دائماً ما تشعر به،
وافعل ما تفكّر فيه”
غابرييل غارسيا ماركيز
ثمّةَ من الأهوال ما هو أبعدُ ــــ
ثمّةَ من الأهوال ما هو أبعدُ مما تتخيّلين أيّتها الخارجة من تدمرَ لقطاف البلح. وثمّة من الحروب، بانتظاركِ، ما هو أكثرُ ممّا فعله أورليانوس بأمّك زنوبيا!
حسنٌ أن ندخل أوغاريت ونترك لكِ الوقت الكافي لتخترعي الأبجدية الأولى في العالم، وحين تنامين من شدّة التّعب، ستستيقظين، بعد قرون، وقد حوّلتكِ فأسُ عابثٍ إلى مجرّد منحوتة نصفية، تراقبُ الأبديّة من جيوبِ الناس، بعد طبعها على النّقود.
مع دخول المسيحيّة إلى الشام صرتِ فتى. تخلّيتِ عن اسمكِ القديم: آرام.. ليصير حنا. وقتها لم تكن هناك فيروز لتغنّي لكَ، لكِ، أغنيتها “كان الزمان وكان”. لكنّ حنا، الذي كنتِه، انشغل مع شباب البلاد بتأسيس الكنيسة الشرقية نكاية بروما.
فيما بعد نسيتْ كتبُ التاريخ أخباركِ.. ولكن هيرودت سمع عمّا تفعلينه في ليبيا فقال قولته الشهيرة: “من ليبيا يأتي الجديد”.
في المدفن التّدمريّ، وشفتاي تجوسان وهادكِ، تحت عيونِ التّدامرة المفتوحة كأفواه المشدوهين، كنتُ أؤلّف تاريخَ جسدكِ في عشرين مجلداً، لا أتذكّر منها غير هذه الشّذرات.
إن فكرْتَ بنهرٍ من أجل إلقاء رسالة ـــ
إن فكرْتَ بنهرٍ من أجل إلقاء رسالة في زجاجة لشخصٍ ما، علّها توحي له بحكاية لم تستطعها. أو إن استولتْ عليك فكرةُ البريّةِ، وجئتَ لتسكن كوخاً في غابةٍ، أو تخيّمَ في جزيرةٍ، فقط لتجريب معيشة الحيوانات أو النبات.. أو إن حلمتُ بقطارات.. ببواخر.. أو حتى بعربات تجرها الخيول لمجرّد أن تذهب بلا سببٍ. أو إن رغبت بالرقص أو الغناء أو العزف على البيانو، البيانو تحديداً، في شقة هادئة، بصبحة امرأة تعرفتها توّاً.. ستجد أن الأجانب فعلوا ذلك من زمان قديمٍ.. حتّى الركض وراء الفراشات.. مجرد ركض ومجرّد فراشات.. فعلوه. كذلك إطلاق الطائرات الورقية، أو الألعاب النارية ملء السماء..
مهما فكرتَ ورغبتَ وحلمتَ.. لن تجد شيئاً، فالأجانب، استحوذوا على الدنيا كلها.. كلها..
ولو غضبتَ وأردت الخروج برشاش على الناس.. أو خطر لك أن تبول من البرندة على المارة.. أو إن فكرت بالانتحار سقوطاً من ناطحة سحاب.. أو جاءتْكَ نزواتُ شيطان وسعيتَ إلى تفريغها باغتصاب فتى متشرّد.. أو بتكسير ركب عجوز أعمى يبيع العلكة على الرصيف.. أو بقتل عاهرةٍ بعد تفجير مؤخرتها.. لن تستطيع.. فالشر، حتى الشّرّ احتكره الأجانب..
لك القولُ فقط
هم يفعلون..
ولسانك لا يلوك سوى عجمةٍ،
فاللغة مرهونة للأجانب..
الأجانب، سياح الأحياء القديمة ووجوه المحطات الإخبارية وأبطال الأفلام…، لهم ما نراه وما لا نرى.. الليل لهم والنهار.. الأرضُ والسماءُ.. الدنيا والآخرة.. لهم كل شيء أرادوه أم لم، حتى نحن لهم، مع ذلك لا نعرف اسمنا إلا حين نسميهم أجانب.. لكننا لا نعرف أيضاً لماذا نسميهم أجانب!!
وقفت فسارت الشوارع ــــ
وقفت فسارت الشوارع فيّ، رمت زبالتها وبالت..
قعدت على الرصيف فسرتُ في ظنوني
وأفرغتُ الحمولة..
لن تمكنني منك غزليات هزيلة ــــ
لن تمكنني منك غزليات هزيلة، تعرفين الحيلة جيداً، لا رابط مع شخص يربط مفردات الأرض والطير والماء بامرأة لم يلمسها.. منذ الآن، وبحماسته ناشط منخرط في جمعية أهلية، سأرفع جسدك شعاراً بيئة نظيفة !!
لن أتقمص شخصية العشب لتقويله: ملمسها ملمس الندى!!
لا.. واقعية هذا الجمال لا تحتاج مجازاً، تكفي رقصة لأعرف لم أحبك كل هؤلاء : الشاعر الفقير الذي يريد الانعطاف ببياناته الخرقاء إلى النص. المترجم المصاب بالضجر من الفرنسيات. مدرس الرياضة.. مجنون الحارة رغبة بالتعقل.. كما كانت تكفيك قبلة سريعة لتري كل من اشتهيت من النساء: طالبات الثانوية مع فتيانهن بين السيارات على الأرصفة. نساء الحواري الشعبية بالعباءات السود. مراسلة الفضائية الجديدة وهي تضحك في تقريرها.
المهرولات ببيجامات أديداس صباحاً. لاعبة النرد في المقهى العروس التي مرّ موكب زفافها مساء البارحة . حبيبتي الساهية عن تهتكي .
ما يمكن قوله أنني فيما ألوذ بالخرس متشمماً بشرتك كنت أرى العالم خصيباً ونظيفاً بلا ثقب أوزون ولا دخان ولا احتباس حراري. ولا حروب إمبراطوريات تتبادل العرش بالدم. كنت أرى العالم طازجا وجديدا ولم يفسد بعد من سوء الاستعمال.
ونحن أيضاً أغانٍ ــــ
ونحن أيضاً أغانٍ لم تجد شفاهاً تضرّجها بالدّموع التي تنبغي، ولا نايات رعاة يعْتِقون رقابها في البراري.. أحياناً نكون العتابا، وفي أحيانٍ أخرى نحن الموليا.. وهيهات هيهات من سيغنينا؟
في مدينة لا أعرفها، ولتكن بعلبك أو قرطاج ــــ
أ
في مدينة لا أعرفها، ولتكن بعلبك أو قرطاج أو الإسكندرية. وفي ساعة لا أستطيع تحديدها، ولتكن الساعة صفراً. كنتُ ملكاً على عرشٍ من العاج، آمر حاجبي بجلب دزينة حبشيات لسهرة اليوم، لأعود وأملي على قائد الجند أمراً بإعدام أسرى الحرب الأخيرة، وإرسال رؤوسهم مقطوعةً إلى ذويهم كتحية.
في مدينة أعرفها، وفي ساعة العمل الأخيرة، كنت دائخاً من التعب، وأنتظر المحاسب لاستلام راتبي الشهري.
ب
أهذي بشموع سوداء، لهبها أسود، وهالاتها من سواد، وإذا أُشعلت يصير النهار ليلا ًً..
ج
أخالني، في كنزات الصوف، خروفاً، فأقضي الشتوية بالثغاء، ولعل هذا ما يمنحني الدفء. وفي السترة الجلدية أقتنع بأنني عجل أو تيس، وفي قمصان القطن أو الحرير، تتلبسني شهوة نباتية من ولوج المآبر لمياسمي، ودائماً يتقطر مني الندى.
د
حديقة حيواناتي المنوية مفتوحة للزوار، وكل نطفة في قفص.
هـ
وهاأنذا سيجارة حشيش يتناقلها لصوص يعزمون على السطو على بنك.. وتصفية بعضهم.
و
تخورقني نظرة الاحتقار من المرأة المتعرقة.. كيف أفهمها أن العضو يناله السأم؟
ز
سهوت في قيافتي فجرحتُ خصيتيَّ، وسال بل الدم منيٌّ..
ح
ثلث الكأس عرق.. ثلثاه الباقيان ماء، ومع صحن زيتون تكتمل زوادتي إلى أطلانتس..
في هبة صوفية ــــ
في هبة صوفية فجائية وجدتني واقفاً على الشبر الفاصل بين الجنة والنار، وصراحة لم أجد ما يغري في تأليف “رسالة الغفران” أو الكوميديا الإلهية”.. ما شعرت به هو الحاجة إلى اسمي، فلربّما أوقفتني “شرطة الفكر” عند منعطف إحدى الشطحات! كيف أفهمهم أنني قادم من لحظة ضيّعتها أو ضيّعتني، وتحديداً.. لستُ أدري!!
في هبة صوفية جلست على الكرة الأرضية مقلّداً الدجاجة، وتساءلتُ في نفسي: ما الذي سوف تفقسه بيضتي؟ فأجبتُ في نفسي: لا شك حرب جديدة.. صرختُ: فلأهرب قبل أن أخسر إليتيّ!
في هبّةٍ صوفية جاءت امرأة بأسمال بيضاء، محلولة الشعر وتغنّي موّالاً أحفظه.. ذهبتُ في غيبوبة السلطنة، ومع القفلة لم تكن موجودةً.. إلى اللقاء في موّال آخر يا أمّي!
في هبّة صوفيّةٍ “أولاد حارتنا” يقرعون تنكات الزبالة وفق مارش عسكري.. الوجوه حزينةٌ وعلى الأكتاف جثة عصفور..
في هبّة صوفيةٍ رأيتني فسألتني: عجباً.. لم تفرد راحتيكَ؟! فأجبتني: عجباً.. ألا ترى السماء على وشك السقوط؟!