صفحات ثقافية

تجارب مسرح الرؤى من خلال كتّاب المسرح

null
(سويسرا) توبياس بيانكون
تعتبر هذه انعكاسات لشاعر وكاتب مسرحي الذي يبدع الاعمال للقارئ والجمهور. عندما يستوحي الكاتب المسرحي فكرة ما يجب أن يضع في اعتباره ان ما يبدعه ليس في طوره الاخير، فعندما يكتب قصيدة أو رواية فإن النص الذي يكتبه هو النص الذي تلقاه من خلال القارئ والجمهور، وهذا نادراً ما يحدث عندما يكتب أحد الكتاب مسرحية يكون النص في اشكاله الاولية ويكون قابلا للتغيير والتعديل ليناسب افكار المخرج الذي يحول النص الى مشاهد. ومع ذلك فإن رؤية الكاتب المسرحي وافكاره وكلماته وقدرته على صياغته الكلام هي التي تخلق المسرحية؛ وكم من عمل تجريبي يوجد في كتابة مسرحية؟.
فإن اول عائق يواجهه الكاتب هو وجود بعض القواعد، وهذا طبيعي ان يمر به كل الناس أو اي كاتب مسرحي وهي ايضا حقيقة تتربص للجانب التجريبي في هذا النوع من الأعمال.
ففي بداية ولادتنا نتعلم ما نتعلمه عن طريق التقليد، فنتابع الآخرين في طريقة كلامهم فنقلدها ونتعلم الكلام. فإننا نرى كيف يعبر شخص عن مشاعره فنقلده وبعد فترة نمتلك القدرة على خلق مشاعرنا الخاصة. ونرى كيف يتحرك الاخرون فنقلدهم في هذا ايضا وبذلك تدريجيا وخطوة خطوة يصبح الطفل عضوا في المجتمع.
هذا التطور دائماً ما يراقب عن طريق الشخصية التي يرثها الطفل. وان لم يكن هذا هو الواقع. فقد كان لينمو ويكبر الاطفال بنفس الطريقة. وقد كان لينمو طفلان من نفس الاب والام ليصبحا متطابقين في السلوك. ولكن مع المراقبة فهما ليسا متطابقين. فبتقبل افعال الآخرين نتعلم، ومن احد جوانب هذا الامر انه مفيد ويساعد ولكن من ناحية اخرى يعيق تطورنا لنصبح مواطنين عندهم القدرة على التفكير. لماذا؟
أولاً: اود ان اشرح السبب الذي يقودنا الى الاجابة التي سوف اعطيها لكم بعد قليل.
في بعض الأحيان ككاتب أظل اشاهد البشر والمواقف وأتكلم مع الناس فقط لأفهمهم.
فأجلس في قهوة في باريس لأنظر في وجوه الناس وأتأملها ويحدث هذا مرة كل دهر. ففي بعض الاحيان اكتب فقط ما اراه وليس ما افكر فيه بدون تفسير وبدون انعكاسات، اني اصف الجسد البشري والمحيط الذي استطيع أن اراه فأصف حركاتهم وملابسهم واحذيتهم وحقائبهم واغطية رؤوسهم (إن كانوا يعتمرون واحدة) والخ..
فهناك تلك التدريبات للأصابع والتي يقوم بها رسامون أعرفهم بانتظام وقد سمعت ان الممثلين يقومون بمثل تلك التدريبات في تدريباتهم لملاحظة ما هو وليس ما افكر انه موجود وليس ما اتخيل انه يمكن ان يكون. فهذا التدريب جيد، فلقد أوحى لي هذا ان أبدأ في التفسير قبل النظر وفي بعض الاحيان ان افسر وأعكس ما فسرت وقد لاحظت انني لم أكن أنظر.
ولكن الواضح انني ككاتب اعكس رؤيتي أولاً. فقد سألت نفسي لماذا يجب علينا أن نتوقف عن التقليد في نقطة معينة عما يفعله الآخرون أو ما يفكرون فيه أو كيف يتصرفون؟ وهل يجب ان نتوقف عن التقليد فعلاً؟ فيرجع هذا إلى حياتنا اليومية ويرجع أيضاً لتقبلنا للقوانين الموجودة. هل حدث هذا بسبب بعض الكسل وهل لها علاقة بعملية التقليد برغبة دائمة أو متقطعة لنصبح مثل شخص آخر؟، فكثير من أشخاص الطبقة المتوسطة يخافون ان لا يتصرفوا كما يقال لهم فيصبحون منبوذين فكل هذا بسبب القوانين التي نتعرض لها في حياتنا وهذا يحدث لنا يومياً.
فهذا له علاقة بوجهة نظرنا، ان كنا نخلق حياتنا أو تخلق لنا عن طريق الآخرين أو المؤثرات الخارجية لدرجة اكبر أو أقل، وعند مشاهدتي للطيور وزملائي من الرجال والنساء فإني في كثير من الاحيان أسأل نفسي: ما الذي يحفز الشخص الذي أراقبه، وخاصة أسأل نفسي كيف نعقل اننا نميل وبشدة لقبول القوانين الموجودة؟
فسوف اعطيكم مثالاً لموقف واقعي حدث لي شخصياً: في يوم من الايام ذهبت إلى شركة طيران وأردت أن أغير تذكرة قيل انها غير قابلة للتغير وانه لا يمكنني تغيرها على الاطلاق، فأبديت عدم رضائي ولم استسلم وذهبت إلى الفندق واتصلت بالمكتب لهذه الشركة، فردت علي واحدة أكثر تهذيباً وسألت عن قابلية تغيير التذكرة فردت علي بأنه لا يمكن تغييرها، وبعد برهة من الزمن قمت بالاتصال بالمكتب الدولي لنفس شركة الطيران فكيف حدث انه رد عليّ شخص أكثر تهذيباً من قبل ورد علي بالايجاب وسألني عن الموعد الجديد الذي اختاره لرحلتي.
ربما لم يحدث هذا اساسا على نيتي ولكن على دافعي انني لا أملك المال الكافي لأقوم بشراء تذكرة اخرى ومع ذلك وبطريقة ما استطعت أن أرفض الرفض واستطعت أن احصل على ما اريد، فرفضت هذه القوانين.
ما نسيناه انه عندما يصنع شخص بعض القوانين وشخص آخر يستطيع أن يغير القوانين واولئك الذين وضعوا هذه القوانين هم ليسوا بوحوش ولا آلهة ولكن مجرد بشر. وما لاحظته مرات ومرات عديدة انه وربما بسبب اعتيادنا للتقليد وايضاً بسبب طريقة تعلمنا فإننا نميل إلى أن نتقبل القوانين كما هي واننا لا نضعهم قيد السؤال وربما من الجميل أن توجد هذه القوانين إذا أردت أن تحكم أمة من البشر وتؤثر او تتلاعب بهم. وبعض القوانين المهمة إذا لم ترد حالة من الفوضى والفوضوية ولكن في الحياة اليومية الكثير من القوانين جعلت الكثير من الناس تنصاع وتميل إلى ما يقال لهم أو ما تملي عليهم القوانين.
ان هذه القوانين بدون شك مهمة بدرجة كبيرة. ولكن بالنسبة الى الفنان فإن القوانين دائماً ما توضع قيد السؤال وخاصة عندما يدور الموضوع حول ابداع عمل فني وخاصة عندما تدور حول التصور والابداع المسرحي.
[ مسرح الرؤى
عندما ننظر إلى الخلف في تاريخ تجارب مسرح الرؤى من خلال الكتابة المسرحية فإننا نرى بوضوح انه اذا ظللنا نكتب بنفس الاسلوب حيث تلعب العاطفة كما كانت تستخدم في العصور الوسطى بنيّة امتاع المسيحيين بمؤرخات عن معاناة وموت المسيح عيسى عليه السلام وبهدف جعل الامة غير المسيحية تصبح مسيحية حيث لم يعد يشاهد احد هذا النوع من الفن المسرحي واولئك الذين يكتبون مسرحيات غير معاصرة سيصبحون بدون عمل قريباً.
فلطالما تواجد العديد من الكتاب الذين كانوا دائماً ما يكسرون القوانين ومنهم وليم شكسبير، صامويل بيكيت، يوجين يونيسكو، داريو فو، وانطونان ارطو، وكانوا يمتلكون افكارهم الخاصة والتي لم تكن في اصطفاف مع فن المسرح في وقتهم الراهن، العديد من مخرجي المسرحي مثل بيتر بروك، روبيرت ويليس، ايريان منوشكن امتلكوا افكارهم الخاصة التي لم تكن تجاري ما كان يعرض في المسارح الأخرى في زمنهم، والعديد من مربي المسرح مثل جيرزي جروتوفيسكي وبيرتولد بريشت وكونستنتين ستانسلافسكي واناتولي فاسليف قاموا بالابحاث والتجارب التي أدت إلى ظهور أساليب جديدة في التعليم والى تشكيلات مسرحية جديدة.
[الموضة
حقيقة أخرى تثبت ان القيام بالتجارب تستحق سمعتها. في الماضي كانت تكتب بعض المسرحيات بالاتجاه السائد للموضة، ولكن من الطبيعي أن هذه المسرحيات الشهيرة لم تصبح من العلامات التراثية المسرحية نظراً لعدم توافر عناصر جديدة بها لا العنصر التجريبي ولا خطر وربما صنعت فقط للتصفيق من الجمهور وربما فقط من أجل المال.
فعلى سبيل المثال إذا ذهبت إلى متجر كتب مستعملة ونظرت في صيحة الروايات التي صدرت قبل مائة عام فستلاحظ بأنك لم تسمع باسم الكتاب قط، وأيضاً اذا قرأت في هذه الكتب فستلاحظ بأنها كتبت بأسلوب جيد ولكنّ هناك شيئ ناقصا حيث انك تشعر بلا ابتكار ولا شجاعة ولا ادانة وربما أيضاً بدون رسالة.
[ يخالف
ان المسرح التجريبي له الأفضلية، حيث ان كلمة التجريبي تتضمن فكرة وأبحاث أشخاص، بالنسبة إلي فإنّ المسرح التجريبي يخالف القوانين التي يصنعها العمل المسرحي التجريبي، فهي ترمي دائماً إلى الاسترسال في أسئلة تشعرنا بالقوانين الموجودة، وعندما يأتي الحديث عن الرؤية الفنية أود أن أقسمه إلى نوعين: الرؤية الداخلية للمسرحية والرؤية الخارجية للمسرحية ورؤية المخرج عند وضع المشاهد على خشبة المسرح.
إن كلمة الرؤية لها جذورها اللاتينية (فيسيو) وهي القدرة على الإبصار وهي أصلاً محرفة من كلمة “فيس” والتي تعني النظر، وأيضاً لها نفس الجذور مثل كلمة “فيزاج” الفرنسية والتي تعني كلمة الوجه، وبالرجوع إلى معنى كلمة الرؤية في القاموس فهي تعمي:
أ) هي قوة الابصار بالعين في مجال الرؤية.
ب) هي القوة على توقع ما سوف يحدث او ما سوف يكون.
ج) هي خبرة أو شخص أو شيء أو حدث يظهر بشكل حيوي ومصدق في العقل برغم عدم حدوثه في الواقع مع وجود مؤثرات وعوامل أخرى.
د) هو تخيل للمفهوم أو توقع بشكل حيوي.
هـ) شيء تستطيع أن تراه في مجال رؤيتك.
الرؤية الداخلية هي القدرة على إبداع رؤى جديدة وهذا جزء أساسي في كتابة العمل المسرحي وبدونها لا يمكن إبداع أي عمل مسرحي، وربما بدونها لم يكن ليبدع أي عمل فني آخر.
فإنّ القدرة على تصور الاشياء التي ترى في الصورة الداخلية أو القدرة على ملاحظة تركيبة المفاهيم الفنية هي الأسس لأي عمل يوضع على خشبة المسرح. وبحسب قدرة المؤلف على تصوراته تظهر قوة المشهد والشخصية والبيئة المحيطة على خشبة المسرح.
كملاحظة هامشية مشوقة: من المهم البحث في الموضوع الذي يكتب عنه العمل المسرحي لتطوير الرؤية، فكلما قام الشخص بالأبحاث سهل له ذلك اختيار العناصر التي يود استخدامها في عمله المسرحي ووضع رسالة لهذا العمل.
فعلى سبيل المثال (ستانلي كوبريك) استخدم باحثين لأفلامه والذين قاموا ببعض الأعمال لأكثر من عام في مشاهد فريدة من نوعها، وما يسري عليه يسري على الكاتب المسرحي وعلى الكاتب العادي أيضاً.
عن طريق الأبحاث تدعم الابداعات بالرؤى الجديدة ويتمكن الشخص ان يكتشف ويلاحظ بأن الرؤى الداخلية تتناسب مع الكون المحيط بنا. فإنّ بالخبرة التي نكتسبها والابحاث التي نقوم بها هي في حد ذاتها خبرة أخرى.
أدعوكم إلى نظرة للرؤية الخارجية سواء للثابت أو المتحرك الذي نشاهده على خشبة المسرح مثل تصميم الديكور والازياء والأقنعة والإضاءة والظلال واستخدام أي نوع من الوسائط مثل الأفلام، مقتطفات من التلفاز، ومجسمات ثلاثية الأبعاد أو أي نوع من المؤثرات الخاصة.
ما أهمية تجارب مسرح الرؤى من خلال كتّاب المسرح؟
ما أهمية العمل المسرحي في هذا الصدد؟
في خبرتي ان لها ثلاثة أجزاء: جزء تدعم فيه المكونات المرئية العمل المسرحي، وجزء تستخدم فيه الاساليب المرئية فيكون مضراً للفكرة ورسالة العمل، والجزء الاخير حيث يتم العمل المسرحي بشكل مثير.
وربما يجد الكاتب نفسه عند كتابة عمل مسرحي في حالة من الحيرة بين التأكد والشك، فيكون في حالة من الشك حيال جودة مسرحيته وكيف سيستقبلها المخرج المسرحي أو حتى زميل له. فهل وصلت رؤيته الداخلية للجمهور كما تصورها؟
وعندما يشرع المخرج المسرحي في عمله فحتماً هناك رؤية شخص آخر يتم إضافتها للعمل وربما تكون مطابقة لفكرة المبدع أو مخالفة أو ربما تضيف إليها أو تنقص منها، وتكون عامة النتيجة وصول رؤية المبدع ونواياه إلى الجمهور في شكلها الأصلي.
ولكن هل تكون نوايا المخرج أن يدعم أو يدمر هذه المسرحية؟
إذا كان العمل المسرحي هو حالة فنية بها رسالة قوية فيمكن عرضه بطريقة قريبة من شكله الأصلي أو لا.
ففي اعتقادي ان كتاب المسرحيات في الماضي والذين لما يمارسوا الاخراج المسرحي كانوا يرحبون برؤية المخرج المسرحي، فالكاتبان المسرحيان السويسريان ماكس فريش وفريدريك دورنمات ربحا الكثير عن طريق هذا الاسلوب وكسرا القواعد ليخترعا طريقتهما الخاصة في كتابة المسرحيات، ولكنهما عاشا في زمن حيث الاضافات المرئية كان من الصعب ضمها إلى العمل المسرحي فكانت الحوارات التي تدور بين السيناريست والكاتب محدودة بإمكانيات هذا العصر مثل النص وكيفية التمثيل والاضاءة واختيار الممثلين وما إلى ذلك.
فلم تكن هناك حوارات عما إذا كان يجب ان تتضمن المسرحية فحص مشاهد، أفلاما أو أي مؤثرات مرئية اخرى متوفرة الآن ولم تكن متوفرة في حينها.
[ المؤثرات
احب ان أوضح لكم مدى التطور الذي وصلت إليه المؤثرات المرئية هذه الأيام، فأسترجع ما شاهدته بنفسي في افتتاح المؤتمر الدولي لتعليم الفن بمنطقة اليونسكو في سيوول بمايو 2010. فما شاهدته كان عروضاً ثلاثية الأبعاد على أشكال ممثلين وموسيقيين وراقصين، وأيضاً عروضاً ثلاثية الأبعاد لأطفال يقفون على المسرح جنباً إلى جنب مع ممثلين وراقصين وموسيقيين وأطفال حقيقيين.
ان أتذكر المدراء والمسؤولين الحكوميين والذين حضروا الحدث في سيوول والذي أضفى عليه اجواء من الدهشة الممزوجة بالاعجاب الشديد بهذا التطور التكنولوجي في أساليب العرض؛ وكان المندوبون الكوريون في حالة من الفخر حيث اشادوا بمعاملهم وانها الأكثر تطوراً في العالم في مجال العروضة ثلاثية الابعاد.
ان هذه التقنية التي استخدمت في فيلم “افاتار” سوف تخرج للعالم الحقيقي لتصبح أمراً واقعاً، ولقد قدرت هذا الفخر.
للنظرة الأولى لم تكن لتستطيع أن تفرق ما إذا كان لاعب الطبلة الواقف على المسرح حقيقياً، أو إذا كانت الراقصة التي تقف على اليسار شخصاً حقيقياً، أو إذا كان الطفل الذي يتحرك على خشبة المسرح ذهاباً واياباً شخصاً حقيقياً من لحم ودم. فقط ما يمكنك أن تقوله هو انها عروض ثلاثية الأبعاد، حيث كان هناك طائر ملون يطير حول المسرح أو عندما اختفى أحد الممثلين تاركاً وراءه ومضات من النجوم حيث كان يقف ولكن ادراك هذا كله كان قائماً على الانعكاسات على ما كنت تراه امامك على خشبة المسرح.
عندما كان هناك اندهاش من عامة الجمهور بهذا العرض المبهر ثلاثي الأبعاد كان للفنانين وجهة نظر اخرى، واوضحوا ان هذه الاشكال الوهمية كان ينقصها شيء هام هو عنصر الحياة ولكن من الممكن تخطي هذا باستخدام اساليب عرض ثلاثية الأبعاد أفضل حيث انك لن تدرك انها وهم الا اذا فقط حاولت لمسها.
ولكن حتى إذا أصبحت هذه العروضة ثلاثية الأبعاد واضحة بدرجة كبيرة فالأهم من كل هذا هو السؤال هل هذه التقنية تزيد من قيمة رسالة المسرحية؟ هل تضفي قيمة على هذه الرسالة؟ هل تجعل هذه المسرحية أكثر حيوية أم أنها تضر بنية العمل المسرحي والمخرج؟
ما شاهدته في سيوول كان بشكل أو بآخر فوق الوصف ولكنه أيضاً إلى حد ما محبط لأنها لم تحتو على رسالة ذات معنى حتى عندما حاول صانعو الحدث اعطاء العرض الضوئي معنى عن طريق عرض شرائح بين فصول العرض الضوئي التي كانت تتضمن رسالة ما ولكن الرسالة الاساسية والتي يجب أن تعرض في العرض الأصلي لم تكن موجودة.
معظم الناس الذين تحدثت معهم اعجبوا بفيلم افاتار لاحتوائه على الصور الجميلة والسلوك الآدمي للشخصيات، وأهم شيء هو رسالته. وإني متأكد وبوجود الأفلام ثلاثية الأبعاد سوف يعرض الكثير من الأفلام الرديئة والتي تقدم مبنية على الاثارة فقط.
عندما أبدأ في كتابة مسرحية فإني اجد نفسي افكر في مؤثرات مرئية مختلفة إذا كنت املك رؤية واضحة عن كيفية تمثيل الممثلين والمحيط وشكل البيئة المحيطة وتصاميم المسرح وكيف تبدو، حينها سأود أن أظهر ما تراءى لي على المسرح وفي بعض الأحيان أفكر انه من الجميل اذا حصلت على مقطع من فيلم في مسرحيتي، وسيكون من الجميل الحصول على بعض المؤثرات المرئية وربما أستطيع أن اعرض كوابيس الممثل بمقطع من فيلم أو ان اقوّي او ادعم حلم حياة ممثلة وهدفها في الحياة بعرض بعض الشرائح أو ربما أعرض ماضي بعض الممثلين في فيلم شعري من الأبيض والأسود.
فإنني أميل إلى وضع هذه العناصر عند كتابة النص الأصلي ولكن في النهاية لا أحتمل ذلك إلا إذا أخرجت هذه المسرحية بنفسي ولكن لا أنوي فعل ذلك، فألتزم بالنص وأحاول أن أكتب بطريقة تجريبية لكي أتركها مفتوحة للمخرج لكي ينظمها في مشاهد بالطريقة التي يريدها.
[ رؤية
إذاً فما اهمية مسرح الرؤى من خلال كتاب المسرح؟ أعتقد انه من المهم في بداية كتابة العمل المسرحي أن تستخدم رؤية جيدة للعمل الفني بطريقة تساعد على توصيل الرسالة، وبطريقة تجعل الشخصيات تؤدي دورها على خشبة المسرح بشكل مناسب، فعندما يحدث هذا فسيكون للعمل الفني قاعدة ثابتة.
من المؤكد انه يجب كسر القوانين عند الكتابة، ومن المؤكد أيضاً انه يجب وضع ما يكتب وما يبدع قيد السؤال، ويدور السؤال الجوهري حول لماذا يبدع الشيء ذاته بطريقة واحدة دائماً وليس بطرق مختلفة.
إني أنصح أي شخص يود الكتابة بأنه يجب أن يتغاضى عن كل ما عرفه عن “كيف تصبح كاتباً مسرحياً” مثل ماذا يتوجب عليك أن تفعله، حتى وإن بدت لك هذه الأسئلة منطقية فعلى الكاتب أن يسأل نفسه لماذا بدت هذه الأسئلة منطقية؟ هل يجب أن أتبع نفس الأسلوب؟ هل يمكن أن تتم بأسلوب آخر؟ والسؤال الجوهري هو هل يجب ان أفكر بالمؤثرات المرئية وكيف تتضمنها مسرحيتي؟ هل يقودنا هذا إلى قوانين لا يجب أن ننقاد إليها؟ لا.. لا أعتقد ذلك! فإني شخصياً قد أغير رأيي لاستخدم أسلوباً مختلفاً في المستقبل.
إني معجب بمسرحيات الكاتب ايريان مانوشكين لأنها تحتوي على مسرح الرؤى والابداعات بطريقة مبهرة.
إني متأكد ان هذه الأعمال المسرحية مرت على الكثير من التجارب المستقلة عن طريق اقتباس الناس منها أو ابداع مسرحيات جديدة، وأقدر بشدة انتاجات المسرح المتعدد الوسائط الذي يملكه روبرت ليباج. عرفت من مقابلة معه أنه كثيراً ما يجرب فكرته حتى تصل إلى النتيجة التي يشاهدها الجمهور، وايضاً أقدر وبشدة الكاتب بيتر بروك عندما عرض بعض مقتطفات من كتابات صمويل بيكيت ببعض من المؤثرات المرئية ولكنها مؤثرات قوية مبنية على مدى عبقرية الممثلين، حتى أن لم تكن مفعمة بالألوان المبهرة بشكل كاف، ولكنها ما زالت مبهرة وملهمة بمجرد جلوسي وسط الجمهور ومشاهدة المسرحيات القصيرة التي تصيبني بالدهشة.
هناك أهمية كبرى لتجارب مسرح الرؤى من خلال كتاب المسرح حيث انه استخدم بطريقة مختصرة وغنية بالمعاني فإنّ النتيجة ستظهر أهمية الرؤى الداخلية والخارجي أيضاً وتحضر إلى أذهاننا بعض الأسئلة المهمة خلال مشاهدتنا للمسرحية التجريبية على المسرح.
هل تجعلني هذه المسرحية أشهق من روعتها؟
هل يلهمني الأداء بشكل كاف؟
هل استطاع الأداء والممثلون أن يوصلوا الرسالة بشكل جيد؟
هل أغنتني هذه التجربة؟
هل أرضت هذه المسرحية حماسي؟
هل أريد أن أشاهد هذا العرض مرة أخرى أو أن أنصح صديقاً بمشاهدته؟
فإذا كانت كذلك فربما سيكون أحد العروض المتفردة التي تخطت الزمان وستعتبر علامة تاريخية في عالم المسرح.
تلك الخبرات من المؤكد انها تغني حياتنا وعالمنا، آملين ان الساعين وراء المسرح والأعمال التجريبية أن يوفروا لنا بعض من اللحظات المبهرة في عالم الرؤى المسرحية في المستقبل.

[ قدمت هذه الورقة في الندوة الفكرية التي عُقدت في مهرجان القاهرة الدولي المسرحي الثاني والعشرين.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى