المريض السوري : مرة ثانية … و العود أحمد ؟!
( إلى مهند الحسني علي العبدالله ماهر اسبر و كل معتقلي الرأي)
فراس سعد
حسناً سأشرب أيضاً و أيضاً لأجلكم , مرة ثانية , أنتم أيها المعتقلون في بلادي حيث صيدنايا و عدرا ما زالا علامة الجودة السورية , علامة ” الأنتصار “الوطني , علامة الهزيمة الحقيقية أمام البشرية جمعاء و الأهم علامة الهزيمة الكبرى أمام أنفسنا.
أعرف أنك الآن في الزنزانة ياعزيزي مهند و أنك مضرب عن الطعام , أتذكر ابتسامتك المشجعة و أنا أتلقى حكمي ببرود و استغراب كان وجهك يضيء بينما الناطق بالبهتان جلالة شاهد قاضي الزور الأكبر السيد ( ن ) ينطق بالحكم الملفق في ليل ما – ليعذرني الشيطان لأقحام اسمه هنا – , لأنه لا يعقل أن يصدر حكم بهذه القسوة من سوري بحق سوري فقط مقابل مقال , أربع سنوات و خمسين يوم مقابل مقال أو مقالين , أحد الطرفين يجب ألا يكون سوري , من ناحيتي أنا سوري حتى العضم (بالضاض و ليس بالظاء ) , أنا سوري حتى أعماق أعماقي كل dna -آتي سورية , أنا سوري حتى في شيفراتي الوراثية , فإن لم يكن ففي شيفراتي الذهنية , منذ عشرين عاما أنا سوري بأكثر ما يحلم به سوري مهما كان ., أياً كان , حتى أني مستعد أن أهب روحي و جسدي لأي سوري , فقط لأنه أنسان و لأنه سوري حتى لو كان يختلف معي حتى لو كان جلادي ؟!!. أما الذين يحملون الجنسية في الهوية الشخصية فقط و يفتقدون طعم الهوية السورية و لا يشعرون بانتمائهم السوري مع أنهم يعيشون في سورية منذ مئات السنين , و ينتمون إلى هوية أخرى ( دينية أو طائفية ) فهؤلاء أقول لهم فليهدكم المولى إلى طريق الحق , فكل آلهتكم ولدت في سورية أو أن لها جذوراً سورية .
أعذرني يا عزيزي مهند , يا عزيزي علي أبو محمد أنا أعرف أنك مضرب عن الطعام الآن , أنت و عشرة من رفاقك في سجن عدرا احتجاجاً على وضعكم غير الأنساني , و ربما تهندس في رأسك المتعب لمقال ما , اعذرني يا عزيزي ماهر يا أبو أسبر أنا أعرف أنك الآن معاقب بالحلاقة على الصفر ربما لأنك ما زلت تطالب بنقلك من سجن صيدنايا إلى سجن أكثر رحمة و قابلية للحد الأدنى من الراحة النفسية , إلى سجن أقل قلقاً على الحياة تستطيع النوم فيه دون كوابيس جربناها سوياً, اعذروني أني أشرب بصحتكم و اعذروني أني أتمتع بأعضائي بحرية و أني أمشي كل يوم ثلاث ساعات و أني أغني أحياناً و أني آكل ما أشتهي أحياناً قليلة , اعذروني و ليعذرني كل معتقل في بلادي و هم أكثر من عشرين مليون بالتأكيد , اعذروني أني أنظر إلى النساء نظرة الوله , أنظر إلى مؤخراتهن التي تملأ كل فضاء ممكن تملأ مرأى النظر – و لتعذرني الصديقات , و الأصدقاء المحافظون فهذا أمر حقيقي- , و اعذروني أني أستمع إلى الموسيقى و هذه أشياء لا تستطيعون فعلها أو الحصول عليها , اعذروني أني أقرأ صحيفة الحياة و استمع إلى خوليو و ريتشارد كلايدرمان و ياني الشيطان اليوناني الساحر و إلى فيروز في عملها الجديد ” ايه في أمل ” كل صباح , و لتعذرني السيدة فيروز إذا قلت ” بالحب ما في أمل , الحب كلو زعل ” ربما ثلاثة أرباعه زعل . و اعذروني يا أحبتي أني ألبس ما يحلو لي دون أن أضع اعتباراً للأعتبارات الأجتماعية , اعذروني أني أغني في الطريق و في السرفيس و اعذروني أني عشقت بعد خروجي من السجن و أني مت ثلاث مرات من عشقي , و اعذروا من مت بسببها لأنها فعلت ما فعلت , اعذروها لأنها انسحبت , و انتهت العلاقة , لسبب ما , أجهله تماماً, ربما بسبب ضغط معيّن من جهة أو أكثر, و اعذروني أني عدت لأرسم بعد عشرين عاما من الكتابة , بعد عشرين عاما من أول لوحة , اعذروني لأني عدت إلى الشرب بعد خمسة عشر عاماً ,علّي أستطيع محو طعم هذه الحياة التي اسمها ” حرية ” , و التي السجن أشرف منها بكثير و أكثر حرية منها بكثير في المستوى الوجداني على الأقل , أمحو طعم المرارة و البؤس و جبن الأصدقاء و الأقارب و تجاهلهم لخروجي من مجاهل صيدنايا و جحيمها , لأمحو شعوري بهذا الجحيم الذي أعيشه منذ أن خرجت و لو أني عرفت أنه سيحرقني بناره لدعوت الآلهة جميعاً ابتداءً من آلهة أوغاريت و انتهاءً بآلهة الأولمب أن يبقوني في سجن صيدنايا , لأمحو شعوري بهذ ا الطعم المر في فمي بهزيمة بلادي و أهل بلادي , لأمحو شعوري بهذا الهبل و الخوف المرضي الذي يسري في دم بلادي الأسيرة . لأمحو شعوري بمرضي السوري .
اعذروني جميعاً …. لكل ما فعلت , و لكل ما لم أفعل ….. أنا المريض السوري .
*كاتب و معتقل رأي
سورية العزيزة 19 تشرين ثاني 2010