من طرائف الفساد في سورية!
هيام جميل
منذ فترة قصيرة قررت القيام بأرشفة أشكال الفساد في سورية، وبالوقائع المتاحة بين يدي، عبر مشاهداتي، كما عبر ما يرشح من وسائل الإعلام المختلفة، من قليل عن أخبار الفساد الذي ينخر جسد الدولة ويكاد يتركها هيكلا خرباً.
انبثقت رغبتي تلك بالتوثيق من رغبة لا تقل إلحاحا بفضح الفساد، بعيدا عن الحديث العام عن الفساد الذي يملأ برامج التلفزيون السوري والصحف الحكومية والخاصة، بل وأحاديث الناس الذين يتحدثون عن “غول” الفساد الذي يجتاح البلاد من أقصاها إلى أقصاها.
وبالطبع فإنني لم أتجرأ على وضع هذه الأرشفة على كمبيوتري الشخصي، ليس لأسباب أمنية، قد تكون خطيرة، بل لأنه يستحيل على أي كمبيوتر، ومهما بلغت مواصفاته الإلكترونية، أن يستطيع جمع هذا الكم الهائل من أخبار الفساد وما تنطوي عليه من تناقضات وسخرية.
وأثناء بحثي ذاك صادفتني الكثير من وقائع الفساد التي تدخل في باب الكوميديا السودءا، التي تستجر دموعه وضحكه في الوقت نفسه.
ففي إحدى الوزارات في بلادنا، محاسب قانوني مشهود له بطول اليد، كما بطول اللسان، وضع اسمه عضوا في الوفد الطبيّ المنتدب إلى الحج لهذا العام، ليتمّ حجه ويغفر الله ذنوبه جميعا وبشكل مجاني.
وبالطبع فإن هذا النوع من الفساد يعتبر “شطارة”، كون الفاسد يستفيد منه دون أن يضر أحدا، كما في “الرشوة” على سبيل المثال.
أما في الفساد “العائلي” فإن أحد أفراد الأسرة يؤمن الفائدة لأحد أفراد أسرته، إما بأذية مواطن ما، أو بأذية الدولة، وهو ما يعتبر أيضا “شطارة” ولا يحسب ضررا لأحد، رغم أنه ضرر لجميع المواطنين الذي يدفعون ضريبة هذا الفساد جميعا من جيوبهم ومن الضرائب المحصلة منهم.
وذلك كما في حالة عضو في مجلس الشعب دفعت باقتراح إنشاء ثانوية في منطقتها فقط كي تتبوأ كرسي المديرة أختها، وليس أحدا آخر، ولكن المشكلة كانت بعد أن تزوجت أختها، بعد نصف عام من توليها الإدارة، وأصبحت حاملا، فماذا تفعل عضو مجلس الشعب بكرسي الإدارة في مدرسة لا يزيد عدد طلابها عن عدد معلميها وإدارييها؟ ولمن تعطيه لحين عودة أختها من استراحة الأمومة؟
قصة أخرى استوقفتني، كانت قصة شاب “مدعوم” يعمل في مؤسسة الإسكان العسكرية وفقا لشهادته الثانوية، حيث قام هذا الشاب بترك وظيفته دون تقديم أية أوراق رسمية أو استقالة بهدف الدراسة، وعندما أنهى دراسته عاد على أمل إعادته لوظيفته بشكل ما، مع تعديل لوضعه أكاديميا، ليفاجأ بأنه لم يسجل غائبا ولو ليوم واحد عن وظيفته، وأن راتبه كان يبقى لدى إدارة المؤسسة التي كان أحد آل الأسد يديرها، وقد تمت إعادته إلى وظيفته تلك، ولكن بالطبع، مع عدم التطرق لفترة غيابه مطلقا، كما بما يتعلق بمستحقاته المالية عنها.
لاشك بأن هنالك مئات القصص التي لا تقل مدعاة للسخرية، والتي تزخر بها مؤسساتنا العامة والخاصة، وأرجو اعتبار ما جاء هنا بادرة مني للمساهمة في توسيع هامش التوثيق لها، لفضح الفساد بكل أشكاله ووجوهه، حيث لا خاسر سوى الدولة والمواطن، ولا رابح أبدا، إذا ما نظرنا للموضوع برؤية شاملة وبعيدة، قليلا.
الفساد في النهاية ليس شخصا، وليس عائلة، كما أنه ليس طائفة، الفساد هو ثقافة وصلت بنا لإيذاء الجميع بما فيهم أنفسنا دون أن ندري، وتبقى معرفة ذلك سلاحنا الأهم في مواجهة الفساد، وقناعتنا بأن دولة العدالة والقانون لا يمكن أن تبنى على هذا الفساد المستشري.