أخلاق ما بعدَ الفراق
وهيب أيوب
تُمتَحن الأخلاق لدى الرجل والمرأة، ليس أثناء العلاقة الزوجية فحسب، ولكن بعد وقوع الطلاق.
يعتبِر الكثيرون أن الزواج مؤسّسة فاشلة، ويقول آخرون بالرغم من ذلِك أنّه شرٌّ لا بُدّ منه، وأنّها سنّة الحياة.
لنتجاوز هذه الآراء وندخل إلى صلبِ الموضوع الذي أتينا من أجلِه، وهو مسألة ازدياد حالات الطلاق في مجتمعنا والعالم العربي، وتشير جميع الإحصاءات بتنامي حالة وقوع الطلاق بين الأزواج، على الرغم من أن بعض تلك الحالات قد عاش أصحابها قصّة حب عاصِفة، لكن ذلك لم يمنع من وقوع الخلاف الذي أوصل للافتراق.
ما يهمّني من طرح هذا الموضوع الشائك، هو كيفية تعامل المُطلّقان بعد أن توصّلا إلى قناعة بعدم إمكانية استمرار الحياة الزوجيّة فيما بينهما، وهذا أمر غير مرغوب ولكن لا بُدّ منه أحياناً، وهو ليس كارثة ولا نهاية العالم.
لكن ما يُعدٌّ كارِثة هو البدء بنشر الأسرار الزوجية التي كانت قائمة بين الطرفين، وتشويه كلٌّ منهما سمعة الآخر، ناهيك عن الإضافة عليها بما كان ولا كان، من قِبلِ الأهل والأصدقاء والمُقرّبين، وتلك آفة اجتماعيّة، تُعبِّر حقيقة عن مستوى الأخلاق والوعي لدى أي مجتمعٍ من المجتمعات.
عبر نشرِ كل تلك الأسرار والوثائق التي تشبه وثائق “ويكليكس” الشهيرة، يحاول كلّ طرف إثبات سوء الطرف الآخر ليحظى بالرضا الاجتماعي، وأن الحق إلى جانبه، وأنّه قام بفعل الطلاق بسبب تصرفات الآخر، مُبرِّئاً نفسه تماماً من أي أخطاءٍ.
يبقى الأمر الأكثر سوءاً وضرراً على المستوى النفسي والاجتماعي، هو الواقع على الأولاد، الذين لا ذنبَ لهم لا في الزواج ولا في الطلاق. وينسى الطرفان مدى ما يلحقانه بأولادهم من مآسي وأحزان وعقد نفسية، سوف تلاحقهم مدى الحياة، لهذا قُلتُ في المقدِّمة:
تُمتَحن الأخلاق لدى الرجل والمرأة، ليس أثناء العلاقة الزوجية فحسب، ولكن بعد وقوع الطلاق.
يجب أن نعلم جميعاً، أنّ مسألة الخلاف بين الناس والأزواج مسألة طبيعية، ولكن السؤال المهم، هو كيفية التعامل مع تلك الخلافات، وأخصُّ هنا خلافات الأزواج وحدوث الطلاق.
في رأيي، يستطيع الزوجان المُفترقان، دفن جميع أسرارهما وخلافاتهما الشخصية في آخر سطر يكتبونه سويّة. بهذا يحفظ كلّ منهما سمعة الآخر، ويصونان مستقبل الأولاد، ولا يقوم أحدهما بالتحريض على الآخر أمام الأولاد فيفسدون حياتهم ومستقبلهم.
ناهيك عن أن الزوجين لهما الفرصة ببناء تجارب جديدة وحياة جديدة، فليحفظ كلّ منهما كرامة الآخر وسمعته، وليبدءا حياة جديدة.
أسباب الطلاق كثيرة ومتعدِّدة، ولستُ بصدد عرضها الآن، ربما أعرض لها في مقالٍ آخر، لكن التركيز فيما أطرحه اليوم، هو كيفية التعامل مع الحالة بعد وقوعها، وعدم فضح الأسرار وترويج الإشاعات وافتراءات من كلا الطرفين. ولكن يبقى دائماً الطرف الضعيف في المعادلة هو المرأة، في مجتمعاتٍ ذكوريّة بائسة.
إنّه ليس من الأخلاق في شيء أن يقوم أحد الطرفين أو كلاهما، بنبش ما وجَبَ دفنه وطيّه إلى غير رجعة، وفي هذا مصلحة للطرفين وللأولاد كما أسلفت، ومن أجل الأولاد يستحقّ الأمر التضحية بأمور قد يكون أحد الطرفين مُحقّاً بها.
ولكن تبقى أمور الحقّ والباطل، والخطأ والصواب، مسائل نسبيّة، ولن تَجِدَ طرفاً يقول عن نفسه بأنّه المُخطئ، تلك أمور تحتاج إلى جرأة نادِرة. لهذا فمن الأسلم إقفال ملفّ العلاقة نهائياً بعد الطلاق والافتراق مباشرة. بل أنّني أستطيع أن أقول ودون مُبالغة، أنهما يستطيعان البقاء أصدقاء بعد ما فشلت تجربة الزواج، أو على الأقل في حالة من العلاقات الإنسانيّة الودّية، وهذا ليس بصعبٍ أو مُستحيل، فقط قليلاً من العقلانية والأخلاق والضمير.
هذا السلوك، سوف ينعكس خيراً على الجميع، الزوجين والأولاد والأقارب والجيران، وقد تنعكس أيضاً على التخفيف من الظلم الفادِح الذي يلحق بالمرأة المُطلّقة في مجتمعاتنا الشرقيّة التقليدية، والنظرِ إليها وكأنّها هي الطرف المُخطئ، وهذا غير واقعي وظالم في معظم الأحيان، فلا أحد يدري بأسرار البيوت ودواخلها إلاّ الذين تحت سقفها. فتفاصيل الحياة الدقيقة والسلوكيات الفردية للإنسان لا تظهر في المجتمع كما هي داخل الجدران الأربعة، لأن من عاداتنا كمجتمع متخلّف، إخفاء مساوئنا خلف الستائر والظهور بما يُرضي المُجتمع، وهذي حالة نِفاق مُستشرية في كلّ مجتمعاتنا العربية، التي يحلو لها دفن رأسِها بالرمال.
الجولان المحتل / مجدل شمس
خاص – صفحات سورية –