نظــف المكــان كمــا لــو أن البابــا فــي الطريــق إليــك
قصائــد بيلــي كولينــز
سبب إضافي لعدم اقتنائي
مسدساً في البيت
لن يكفَّ كلب الجيران عن النّباح.
ينبح ذات النّباحِ الإيقاعيّ المرتفع
إذ أنه ينبح كلّما يغادرون البيت.
لا بدّ أنهم يقومون بتشغيله قبيل خروجهم.
لن يكفَّ كلبُ الجيران عن النّباح.
أُغلِقُ كلّ نوافذ البيت
وأشغِّلُ سيمفونيةً لبتهوفن إلى الحدّ الأقصى
ولا يزال بإمكاني أن أسمعه مكبوتاً في خلفية الموسيقى،
ينبح، وينبح، وينبح،
والآن أراه جالساً وسط الأوركسترا،
رأسه مرفوعةٌ بثقةٍ كما لو أن بتهوفن
قد أدرجَ مقطعاً لكلبٍ نابح.
أخيراً، عندما يصلُ التسجيلُ إلى نهايته فإنه لا يزال ينبح،
جالساً هناك في قسم الآلات النّفخيّة وهو ينبح،
مثبِّتاً عينيه إلى المايسترو الذي
يكافئه بعصاه بدلَ العَظْمَةِ
في حين يصغي بقيّةُ العازفين بصمتٍ
مهيبٍ إلى الأداء المنفرد للكلبِ النّابح الشهير،
ذلك المقطعِ الختاميّ الذي كرَّسَ
بتهوفن كعبقريٍّ مُبتكِر.
الدّرْس
في الصّباح حين ألفَيْتُ التاريخَ
يشخرُ بعنفٍ على الأريكة،
تناولتُ معطفَه من على المشجب
وألقيتُ بثقله على عظميّ كتفيَّ.
لعلّه يقيني البردَ في سيري
باتجاه القرية لأجلب الحليبَ والصحيفة
وخمّنتُ بأنه لن يمانع،
على الأقلّ بعد نقاشنا الطويل ليلةَ البارحة.
كم مُفاجِئاً كان غيظُهُ المجلجِل
عندما عدتُ مُغطّىً برقاقاتِ الجليد،
الطريقةُ التي نَبَشَ بها الجيوبَ الكبيرة
ليتأكّدَ من أن معركة ملكةٍ بريطانية فاصلة
لم تسقطْ وتصبحْ في عداد المفقودات عميقاً في الثّلج.
نصيحة إلى الكُتّاب
حتى لو استغرقك الأمرُ الليلَ بطولِه،
أغسلِ الحيطان وافرك أرضيّةَ
مكتبِك قبل أن تصوغَ مقطوعتك.
نظِّف المكانَ كما لو أنّ البابا في الطّريق إليك.
إزالةُ البقَعِ هي ابنةُ أختِ الإلهام.
كلّما نظّفت أكثر، كلّما زادتْ
كتابتُك إشراقاً، فلا تتوانَ عن الاستعانة
بالحقول الفسيحة لتطهّر أسفلَ
الأرففِ أو تمسح عند أعالي أغصان
الغاباتِ المظلمة، أعشاشاً طافحةً بالبيضِ.
عندما تجد طريقَ عودتك
وترصّ إسفنجَ وفراشي التنظيف تحت المجلى،
فستلمح في ضوء الفجرِ
المذبحَ الطّاهرَ لطاولة مكتبك،
السّطحَ النّظيفَ وسطَ عالَمٍ نظيف.
من مزهريّةٍ صغيرة، بأزرقَ لألاءٍ، تناولْ
قلماً أصفرَ، أكثر أقلامِ المجموعةِ حِدَّةً،
وغطِّ الصّفحاتِ بعباراتٍ دقيقةٍ
تشبه خطوطاً طويلة من نملٍ تكرّسَ لك
فتَبِعَكَ من الغابات.
أرق
بعد أن أحصيَ كلَّ أغنام العالم
أعدُّ الثيران البريّة، الحلازين،
الجِمال، القبّرات، إلخ.،
ثمّ أضيفُ حدائق الحيوان والأكواريوم،
بلداً بعد بلد.
بحلول أوّل الضّوء ها أنا نائم
في كابوسِ غرقٍ في فيضان،
أصرخُ عبر المياه الآخذة بالارتفاع
في نوح المنشغل بينما سفينتُه
العجائبية تُبْحرُ فتغدو أصغرَ.
محضَ ظلٍّ في الأفق،
تغيبُ الآن السّفينةُ الأخيرة على الأرض.
وأنا أرتفعُ وأنزلُ مع الموجِ المتلاطم،
أكثّفُ انتباهي على زوجٍ من الزّراف،
رقبتيهما المشرعتين خارج السّقف،
لكي أقي حياتي من أن تزوغَ قبلي.
بعد أن تغيبَ الحيوانات عن الرّؤيا
أعومُ على ظهري، مطبق العينين.
أتصوّرُ كافّة الأسماك في الخليقة
تثبُ عبر سياجٍ في حقلٍ مائيّ،
نوعاً ملوّناً إثر آخر.
مقدِّمة في الشِّعر
أطلبُ إليهم أن يتناولوا قصيدةً
ويُعَرِّضوها للضوءِ
شريحة (نيغاتيف) فيلمٍ ملوّنة
أو يُلصِقوا أُذُناً إلى قفيرِها.
أقولُ أنْ أَفْلِتوا فأراً فوق قصيدةٍ
وراقبوه كيف يتلمّسُ طريق خروجِه،
أو جولوا غرفَ القصيدةِ
وتحسّسوا الجدرانَ بحثاً عن مفتاح الضّوء.
أريدهم أن يتزلّجوا
فوق سطحِ القصيدة
ملوِّحين لاسمِ الشّاعرِ على الشّاطئ.
غير أنّ كلّ ما يريدون أن يفعلوه
هو أن يوثِقوا القصيدةَ بحبلٍ إلى كُرْسيّ
وينتزعوا الإعترافاتِ بالقوّةِ منها.
يَشْرعون بجَلْدِها بخرطومِ المياه
ليعرفوا ماذا تعني بالضبط.
الموتى
يُسلطُ الموتى أنظارهم علينا دائماً، يقولون،
بينما نحتذي نعالَنا أو نحضِّرُ شطيرةً،
يتطلّعون من خلال القاعِ الزجاجيّ لأَجرامِ
الفردوس
وهمْ ينسربون صفوفاً وئيدةً عبر الأبديّة.
يرقبونَ قمم رؤوسنا تتحرّكُ تحتهم على الأرض،
وحين نستلقي في حقلٍ أو فوق أريكةٍ،
خَدِرِيْنَ ربّما بهمهمة الظهيرة الدّافئة،
يحسَبُونَ أننا إنّما نبادلهم النظرات،
الذي يجعلهم يرفعون مجاديفهم ويغرقون في الصّمت
وينتظروننا، كوالِدَين، حتى نُطْبِقَ أعيننا.
أستاذُ التّاريخ
مُحَاوِلاً أن يصونَ براءة تلاميذه
أخبرهم أن العصرَ الجليديَّ كان يشبه تماماً
عصرَ البرودةِ، حقبة مليون عام
حين كان الجميع يرتدون الكنـزات.
كما أصبح العصرُ الحجريُّ عصرَ الحصى،
هكذا سُمّيتْ بسبب المجازاتِ الطويلة في ذلك الزّمان.
محاكمُ التّفتيشِ الإسبانيّة لم تتعدَّ
كونها نشوب حربِ أسئلةٍ مثل
«كم المسافةُ بين هنا ومدريد؟»
«ماذا تُسمّي قبَّعةَ مُصارِعِ الثّيران؟»
حربُ الورودِ وقعتْ في الحديقة،
و «إينولا غاي1» رَمَتْ ذرّةً نوويّةً صغيرة
فوق اليابان.
سيغادرُ التلامذةُ غرفةَ الصَّفّ
إلى الملعبِ لكي يناوشوا الضّعفاءَ
والأذكياء،
نافشينَ شعرَهم ومحطِّمين نظّاراتِهم،
بينما لمَّ دفتر ملاحظاته واتّجه صوب البيت
عابراً مساكبَ الزّهرِ والأسيجةِ الوتديّةِ البيضاء
متسائلاً إن كانوا سيقتنعون بأنّ الجنودَ
في حربِ «البوير» قد قَصّوا قصصاً مُسهبةً مُفكَّكَةً
صُمِّمَتْ لكي تجعلَ العدوَّ ينكِّس رأسَه.
راقصاً أتّجه إلى بيت لحم
لو يتبقّى بعــضُ وقتٍ في الدقائق
الأخيرة من القرن العشرين مايكفي رقصةً واحدةً أخيرة
فسأودُّ أن أرقصَها معك بهدوء،
لنَقُلْ، في مرقصِ فندقٍ على الشّاطئ.
ستضغطُ راحتي على ظهرك النّحيل
بما أنّ الأعوامَ المائة المنصرمة قد تداعتْ إلى كومةِ
مرايا أو أزرار أو أحذية عابثة،
بما أنّ أرضيّةَ القرن التّاسع عشر انفضحتْ
وتلاشتْ في سحابةٍ من غبارِ الطّوبِ.
لن يكون أمامنا مُتّسع من الوقت لنطلبَ مشروباً آخر
أو نهتمَّ بما لم يُقَلْ،
ليس بوجود هذه الأوركسترا التي تنـزلق في البحر
وكلّ انتباهنا تكثّفَ على دندنةِ
ما كانوا يعزفونه.
طيرانُ القارئ
ستظنّ أننا قد نلنا كفايتَنا
من بعضنا
بعد كلّ المطر المُنثالِ على هذه النّوافذ،
المشاوير إلى الحديقة عند الصّحو،
نفسِ الأزهار الصّفراء والبيضاء،
كلّ ليالي السّهاد-
السّيّارةِ الدُّمْيةِ تَروْحُ في دوائرَ على طاولة السّرير.
مع ذلك، لا تزال تحطّ على كتفيْ،
كصرصارِ ليلٍ، عصفورٍ أزرقَ،
ببّغاءٍ برّيٍّ قابضاً بمخالبِكِ على قميصي المبهرج.
ألأنني لا أضايقك
ببعّوضِ المعنى اللامرئيّ،
لا أُطلِقُ كلابَ وِبْتِ2 القلَقِ من أقفاصِها،
أو أعْرِضُ مرآتيَ المهولةَ،
الشّيءَ الذي بحجمِ ملعَبٍ؟
مهما يكن الذي يجعلك تبقى،
فإنني أكره أن أتخيّلَ ذلك الصباح
الذي أستيقظ فيه وأجدُ أنّكَ رحلتَ،
في طريقك إلى البحر المفتوح،
تجرّ الحبالَ التي أوثقَتْنا سويّةً،
تاركاً إيّايَ دونما جديد أُضِيْفُه.
لكن لا تفهمني خطأً.
فليس الأمرُ أنني لا أستطيع العيشَ من دونك،
لا أستطيع الجلوسَ تحت شجرةٍ خضراء مألوفة
بلا رغبةِ أن أتناولَ قلمي من جيبيَ،
أو أضطجع على أريكةٍ طوال اليوم،
بإحدى اليدين على فمي.
ليس الأمر أني مُغرَم بك
وبدلَ أن أكتبَ عُجالتي بمقاطعها الخمسة
أُطَيِّرُ طائراتٍ ورقيّةً عبر الغرفةِ نحوَك-
ليس الأمر أنني لا أستطيع انتظارَ جرسِ الغداء
لكي أرى وجهَكَ من جديد.
ليس الأمر هكذا. ليس تماماً.
1ـ Enola Gay: اسمُ الطائرة المقاتِلة الأميركيّة التي ألقت القنبلة الذّريّة فوق هيروشيما.
2ـ Whippet: كلب صغير نحيل، سريع العدو. (المورد)
ترجمة/ أحمد م. أحمد
السفير