سوريا ليست تونس يايسوع
خلف علي الخلف
إلى سليم بركات
لا أخفي أني كنت مشاركا في انتفاضة تونس [على الفيس بوك] مثل بقية أصدقائي السوريين. وقد لاحظت أن من بين الشعوب العربية المتحمسة لانتفاضة تونس، كان السوريون في الطليعة [على الفيس بوك]، ولم تخرج مظاهرات مؤيدة للتونسيين [على الفيس بوك] من الشعوب العربية الشقيقية لتونس بقدر السوريين، واقتصر الأمر على بضع عشرات من المصريين تظاهروا أمام السفارة التونسية في القاهرة [خارج الفيس بوك] مطالبين برحيل بن علي ومبارك [الرئيس المصري]!. ولم يأت أحد من السوريين [خارج الفيس بوك] بأي حركة تنم عن تعاطف أو تضامن مع انتفاضة تونس المجيدة على الأرض!
كان اصدقائي السوريين [على الفيس بوك] متحمسين جداً.. وانخرط في هذا الحماس معارضون وكتاب وصحفيين وشباب ويساريون وإسلاميون وناس عاديون.. وشخصيا كنت أتلقى أخبار تونس العاجلة لا من الجزيرة التي تفوقت على نفسها في تغطية انتفاضة تونس [لابد من الاعتراف ولو على مضض] بل من الجمل التي يكتبها اصدقائي السوريين [على الفيس بوك] في ملاحقة سريعة استمرت لأيام حتى «أسقطوا» نظام بن علي وأوقدت تونس شعلة الحرية عالية.
يبهجني حماس أصدقائي السوريين [على الفيس بوك، والمقاهي] في أحاديثم وفي مقالاتهم؛ لقضايا الآخرين وانتفاضاتهم وثوراتهم واحتجاجاتهم؛ من تونس إلى الجزائر إلى فنزويلا إلى نيكاراغوا؛ وأصدق حزنهم لانفصال جنوب السودان واحتمال انفصال جنوب اليمن وعدم إعترافهم بجمهوية “بورت لاند” المنفصلة عن الصومال العربي ولم يعترف بها أحد، لأن ليس فيها أي نوع من المصالح.
وأقدر لأصدقائي السوريين [على الفيس بوك وفي المقاهي] هذا الحس القومي الذي زرعه فينا جميعا حزب البعث القائد للدولة والمجتمع منذ نعومة أضفارنا. كما وأقدر نزوعهم الاستمنائي [وهذه العبارة لصديق سوري على الفيس بوك] وهم يتلصصوون على انتفاضات الحرية عند الآخرين.
ولكن وددت أن أذكر أصدقائي السوريين [ليس فقط على الفيس بوك؛ بل] في ربوع الوطن والشتات ببعض الملاحظات التي قد تدخل في وهن نفسية الأمة [العربية] و تسفيه إنجازات الشعوب، والصيد في الماء العكر، والتسطيح؛ وحرف الحوار عن مساره؛ والشتائمية، و.. الخ. وفحوى ملاحظاتي التي ستثير امتعاضهم تتعلق بـ التالي:
في تونس حرق البوعزيزي نفسه فأشعل شرارة الحرية في تونس التي انتهت بإسقاط نظام بن علي الديكتاتوري في تونس، ولكن لماذا لم تثر انتفاضة القامشلي التي اندلعت على إثر قتل شباب سوريين أكراد في القامشلي من الأجهزة الأمنية كل هذا الحماس فيهم؟!
ولماذا لم يثر فيهم القتلى؛ ولا الانتفاضة التي اندلعت في القامشلي وامتدت إلى حلب وعفرين وإلى الجامعات السورية؛ وفاق فعلها في القامشلي ما حدث في سيدي بوزيد التونسية. إذ هربت أجهزة النظام الأمنية وفرقه الحزبية وشرطته وجيشه من القامشلي في اليوم الثاني لاندلاع الانتفاضة المجيدة، وامتدت في الأيام التالية إلى حلب وعفرين والجامعات السورية.. لكن أحدا من السوريين لم يتحرك وكأن هذا الأمر يجري في قرقيزيا.
لم يقف الأمر عند هذا الحد بل أنك ستجد في الـ “سي في” الخاص بالمعارضين السوريين أنه ذهب إلى القامشلي لتهدئة الناس والحفاظ على النظام. ذلك ما قاله هيثم المالح [الذي نجّله ونقدره في سجنه] في دفاعه عن نفسه أمام قاضي الفرد العسكري..
وفي سجن صيدنايا قتل العشرات الذين لم يعرف على وجه الدقة عددهم، وقد اتصل القتلى قبل المذبحة بالعالم الخارجي وضمنا ببعض السوريين «المعارضين» وأبلغوا بما يجري وبما يتعرضون له من مذبحة، لكن أحدا من السوريين لم يتحرك ولم يخرج ولم يحتج ومضى هؤلاء القتلى من كتاب ويساريين وإسلاميين في صمت كأن ذلك يجري في الربع الخالي.
إصدقائي السوريين المنشغلين بانتفاضة تونس المجيدة التي أشعلها محمد البوعزيزي بجسده، أود أن أقول لكم: لم يكن ينقص السوريين يوما بوعزيزي فكل يوم يسقط في سوريا بوعزيزي وأنتم تنظّرون حول السبل السلمية والـ لاعنفية والحضارية والثقافية والمحلية [فأصدقائي السوريين يرفضون أي تدخل خارجي حتى لو كان من مدونين تونسيين] لأجل أن يغير النظام نفسه!. وليس تغييره.
تونس ليست سوريا وليست قابلة للاستنساخ كما قال صديقي الياسري.. وهذا الرغاء سمعته إبّان انتفاضة الحجارة الأولى التي تبارى العرب من يساريين وعروبيين وإسلاميين في شعرنتها [تحويلها إلى شعارات] وقالوا إنها لم تحرر الإنسان الفلسطيني فقط بل حررت الإنسان العربي.. وهي الجملة نفسها التي يرددها نظام بلادنا عن حرب «تشرين التحريرية» التي لم تحرر شبراُ واحداً…
تونس هي تونس وشعب تونس الذي يردد: إذا الشعب يوما أراد الحياة…
بينما سوريا هي السوريون الذين يرددون: ياظلام السجن خيم إننا نهوى الظلاما…
موقع جدار