صفحات سورية

معارضة سورية فعلية أم مجموعة من الأفراد؟

null
مدوّن سوري
تناقلت وسائل الإعلام اللبنانية التابعة لفريق المعارضة اللبنانية (8 آذار) أخباراً غير واضحة المعالم تتعلق “بالمعارضة السورية في لبنان”.
هذه الأخبار توحي تارة وكأن هناك تنظيمات معارضة سورية في لبنان، وتارة أخرى تحكي عن تنظيمات معارضة ذات طابع عسكري. لتوحي أيضا أن للسلطات اللبنانية نية في ملاحقة المعارضين السوريين على أراضيها.
لكن وزير الداخلية زياد بارود أكد في مقابلة تلفزيونية مع قناة NBN خلال برنامج “مختصر مفيد”، أن السلطات اللبنانية ليست في صدد التضييق على “المعارضة السورية” في لبنان طالما أنها “تتعاطى في حدود التعبير عن الرأي، فالدستور اللبناني يكفل هذا الحق ضمن ضوابط عدم الإساءة”.
وقد جاء كلام بارود على قناة NBN، مانعاً الالتباس الذي بدا مما نشرته صحيفة السفير، وذلك في عددها الصادر في 17-10-2008
خلال الأحداث الدامية التي شهدها لبنان ايار الماضي، ظهر النائب اللبناني السابق ناصر قنديل على شاشة التلفاز في مؤتمر صحافي عقده ليؤكد أن السفير السعودي الخوجا، لم يغادر لبنان عبر سوريا كسائر السعوديين، بل عبر البحر، لأنه أصطحب معه أحد المعارضين السوريين، وهو مأمون الحمصي، المقيم في بيروت، وذلك بناء على أوامر من المملكة العربية السعودية.
وقد فاجأتنا وسائل الإعلام في اليوم ذاته أن الحمصي ظهر في بيروت وهو يصلي في أحد مساجدها.
لكن رغم ذلك استمرت وسائل الإعلام الرسمية في سوريا وحلفائها من اللبنانيين (قناة المنار نقلت وذكرت هذا الخبر) بنشر الخبر ذاته رغم تكذيبه، وبالصور.
في 14-10-2008، نشرت جريدة الوطن السورية، ونقلاً عن الوكالة المركزية للأنباء، خبرا يفيد باعتقال عقيد في المعارضة، وهو نوار العبود، وذلك خلال حملة مداهمات قامت بها الاجهزة الأمنية التابعة للجيش اللبناني، في طرابلس.
لكن موقع “ثروة” الإلكتروني السوري المعارض رد على الخبر معتبرا إياه ليس خطأ وحسب، بل “خطيئة مقصودة من “المركزية” بهدف تشويه المعارضة السورية، وللإيحاء وكأن المعارضة السورية هي تنظيم عسكري”.
ثم أكد الموقع أن نوار العبود ليس معارضاً، لتأتي التحقيقات التي ذكرتها صحيفة المستقبل اللبنانية، وتكشف أن العبود هو رقيب أول في المخابرات السورية، كان يدعي أنه عقيدٌ ويعمل لحساب رفعت الأسد. (نذكر بأن رفعت الأسد هو عم الرئيس السوري الحالي، والذي لا تعتبره كافة أطياف المعارضة السورية معارضاً، نظراً لاتهامها له بارتكاب جرائم في الثمانينات).
تعود طموحات رفعت الأسد وهو نائب الرئيس السوري السابق، لتولي قيادة سورية إلى وقت مبكر.
فقد أطلق عليه منذ نهاية السبعينيات اسم (القائد). لكن تسرعه عام 1983 لاستلام السلطة بعد أنباء عن مرض الرئيس الأسد أدى إلى حدوث شرخ كبير في العلاقة بين الشقيقين، دفعت بالرئيس السوري إلى إبعاد شقيقه خارج البلاد.
ومن ثم تم دمج سرايا الدفاع التي أنشأها رفعت وتولى قيادتها في صفوف الجيش السوري.
وفي العام 1997 أصدر رفعت الأسد مجلة أسبوعية باسم “الشعب العربي” وأنشأ حزب “التجمع القومي الموحّد”، ومحطة فضائية للأخبار هي شبكة الأخبار العربية ANN..
حتى وانه منع من المشاركة في تشييع جثمان الأسد. فقد كانت السلطات السورية قد اصدرت مذكرة توقيف بحقه لمنعه من دخول سورية.
وفي نفس التاريخ، أي في 14-10-2008، نقلت جريدة “السفير” اللبنانية خبرا يقول إن شخصا يدعى “نواف العلي” اعتقلته السلطات اللبنانية.
وأكدت الجريدة أن “العلي” هو قيادي بارز في المعارضة السورية، على الرغم أن أحداً من المعارضين السوريين لم يسمع بالمذكور.
ولتأتي التحقيقات مجددا لتقول إن “العلي” ولج لبنان، بحجة أنه ملاحق من النظام السوري بتهم سياسية. فتبيّن أنه مُرسل من المخابرات السورية للتجسس على مجموعة رفعت الأسد في لبنان.
كما ذكرت صحيفة “السفير” في 17/10/2008 أن الدولة اللبنانية قررت التعامل بطريقة مختلفة مع عناصر المعارضة السورية الذين يتخذون لبنان ساحة لهم من أجل التحريض على النظام السوري، «وأنه سيصار» إلى اتخاذ إجراءات محددة بين جميع الأجهزة المختصة.
هذه الإجراءات هي التي تسري عادة على أية مجموعة تحاول استهداف أي دولة عربية شقيقة للبنان بموجب الاتفاقات والالتزامات العربية المشتركة.
ليرد موقع “ثروة” الإلكتروني بأن المعارضين السوريين الموجودين في لبنان، “ليسوا معارضين بالمعنى التنظيمي للمعارضة، وغالبيتهم من الصحفيين والشعراء والكتاب، يعبرون عن آرائهم بشكل سلمي وبطريقة يكفلها الدستوران اللبناني والسوري”.
معارضة ثقافية؟!
إن “المعارضة السورية في لبنان” ليست معارضة بالمعنى التنظيمي للكلمة.
فكل من “إعلان دمشق للتغير الوطني الديمقراطي” و”جبهة الخلاص” -وهما أكبر تحالفين في المعارضة السورية- ليس لهما أي مكاتب في لبنان.
وحتى حين أعلن مأمون الحمصي -وهو معارض سوري غادر لبنان منذ أيام- افتتاح مكتب لإعلان دمشق في بيروت، كُذِبَ الخبر من قبل الأمانة العامة لإعلان دمشق في سوريا، التي أكدت أنها ليست في نية فتح مكاتب في بيروت.
عُرِف عن لبنان قبل فترة وصاية النظام السوري عليه بأنه ملجأ لكل الكتاب والمثقفين العرب عامة والسوريين منهم خاصة، وذلك بسبب القرب الجغرافي.
فالشاعر السوري نزار قباني، على سبيل المثال، عاش في لبنان فترة طويلة حتى اندلاع الحرب فيها ثم غادرها إلى بريطانيا ليموت هناك منفياً.
وقد أصدر قباني في بيروت أروع دواوينه الشعرية التي لم يتمكن من إصدارها في سوريا بسبب القمع الذي مورس عليه.
بالإضافة إلى الكثيرين غيره من المبدعين السوريين أُبعدوا عن سوريا أمثال الشاعر الكبير أدونيس، محمد الماغوط والمفكر السوري ياسين الحافظ وغيرهم.
وبعد انسحاب الجيش السوري، عاد لبنان ولو جزئياً ليلعب دوره القديم، لكن بشكل ضئيل مقارنة بالسابق، نظراً للتواجد الأمني الكبير للمخابرات السورية فيه.
فلجأ إليه عدد قليل من الكتاب والمثقفين السوريين العلمانيين ممن اعتقلوا في سوريا سابقاً لأسباب تتعلق بالرأي، أو من المدونين الذين تلاحقهم السلطات السورية بسبب نشر أفكارهم عبر الشبكة، مع العلم أن هناك حركة في سوريا باتت كحركة نزوح نحو الخارج هرباً من القمع المتزايد في سوريا، ولم يأت الى لبنان سوى قلة قليلة منهم.
ففي سوريا تم الحكم على سبعة مدونين عَلمانيين تراوحت أحكامهم بين الخمس والسبع سنوات، لا ذنب لهم سوى أنهم عبروا عن أفكارهم وعارضوا سياسات النظام القمعية والداعمة للتطرف والأصولية، عرف منهم الشاعر الشاب حسام ملحم، وهم حالياً في سجن صيدنايا العسكري، ولا يعرف إن كانوا أحياء أم أموات بعد المجزرة الأخيرة التي حصلت في السجن.
إن نشاط غالبية المثقفين السوريين الموجودين في لبنان محصور في كتابة الآراء السياسية والثقافية، فمثلاً الدكتور أديب طالب وهو كاتب سوري يبلغ من العمر 67 عاماً، ترك سوريا إثر المضايقات التي تعرض لها، وصار بعيداً عن زوجته وأبنائه، وهو يعيش تحت حماية مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين. وهو يكتب اليوم مقالات سياسية في الصحف اللبنانية.
وحين اشتاق لعائلته وطلب منها أن تزوره بعد غياب طال سنتين، تفاجأت عائلته بعدم السماح لها بمغادرة سوريا.
“إن ما أقوم به في لبنان كنت أقوم به في سوريا حتى تم التضييق علي من قبل الأجهزة الأمنية، فقررت المغادرة وترك عائلتي مرغماً، لأعيش القليل الذي تبقى من العمر بعيداً عن وطني الغالي وعائلتي الحبيبة. أما عن ما نشر بما سمته بعض من وسائل الإعلام اللبناني “المعارضة السورية في لبنان” فأقول أنا متأكد بأنهم يعرفون أننا عبارة عن مجموعة من الأفراد، لا تملك إلا أقلامها وهذا لا يخالف القوانين اللبنانية، بل إن لبنان لا يعني شيئاً دون الحريات الصحفية الموجودة فيه” قالها اديب لموقع منصات.
جهاد صالح وهو شاعر سوري شاب، ترك سوريا بعد أن تعرض لمضايقات أمنية إثر مشاركته في مسابقة الصحافي اللبناني سمير قصير لحرية الصحافة.
يعيش صالح اليوم في لبنان تحت حماية مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين ويكتب المقالات السياسية في الصحافة اللبنانية كما الأشعار لينشرها في المواقع المهتمة بالأدب.
صالح في صدد إصدار كتاب شعري تحت عنوان “قناديل المنفى”.
“من حق أي إنسان ممارسة حقه في حرية الرأي والتعبير، وهذا حق مكفول في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ولبنان من الدول التي صدقت على الإعلان، وأقول للمنزعجين من وجودنا في لبنان: وكما الطيور ترجع إلى أعشاشها سنعود نحن مها طال الزمان فأملنا في الحياة هو الوطن أولاً وأخيراً فهو القصيدة الخالدة، وما نحن في بلدكم إلا مرغمين “، أفاد صالح موقع منصات.
حال البقية من المثقفين السوريين في لبنان كحال الشاعر جهاد صالح والدكتور أديب طالب.
لكنه ليس من المستغرب رمي التهم عليهم طالما أن معتقلي “إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي”، وهو تجمع لقوى سياسية علمانية في سوريا، اتهموا نفس التهم، في حين تضامنت معهم كل المنظمات المعنية بحقوق الإنسان في العالم، إضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا وأميركا، وأكدت أن مطالبهم لم تتجاوز الحق في التعبير عن الرأي، والذي أكدت عليه كل شرائع العالم ومنها الدستور السوري.
منصات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى