من أطلال الرقة’ نازحو الجزيرة’ يبدأون مسيرة ضحايا سنوات الجفاف
الرقة- سوريا- سيد محمود حسن
لو ذهبت مثلي إلي سوريا أكثر من10 مرات لاعتقدت أنها بلد لم يعد مثيرا للدهشة, لكن زيارتي الأخيرة جاءت لتمنحني سرا جديدا يضاف إلي أسرار وذكريات كثيرة أحملها لهذا البلد, الذي أحبه علي نحو يجعلني أكرر في كل زيارة جملة الشاعر الراحل محمود درويش التي يقول فيها’ في الشام مرآة روحي’.
زيارتي هذه المرة لم تكن إلي دمشق أو’ الشام’ كما يلقبها السوريون وإنما إلي’ الرقة’ وهي محافظة طرفية لم أكن اعرف عنها أي شيء باستثناء معلومة فقيرة تشير إلي أنها موطن الأديب السوري الكبير عبد السلام العجيلي والذي كان لي حظ حضور مؤتمر روائي يحمل اسمه ويقام سنويا لتخليد ذكراه.
قبل السفر عرفت من الإنترنت أن’ الرقة’ مدينة في شمال شرق سوريا, تقع بالقرب من نهر الفرات, علي بعد حوالي160 كم شرق مدينة حلب, التي لم نر منها إلا المطار أنا وبقية الوفد المصري الذي ضم الروائية هالة البدري والكاتبة مي خالد والروائي محمد صلاح العزب والكاتب خليل الجيزاوي.
من المطار استقبلنا الروائي ماجد رشيد العويد أحد أعضاء الهيئة المنظمة لمؤتمر العجيلي بابتسامة دافئة وحملنا بسيارة رحلات صغيرة إلي مدينته, هي ذاتها التي ظلت ترافقنا طوال أيام المؤتمر, وقبل أن نصل كنت أتابع علي الطريق لافتات تشير إلي مدن أعرف ما تعانيه وهي’ دير الزور’ و’ الحسكة’ وهي مناطق تقع في الجزيرة السورية شأنها شأن الرقة.
و كنت قد عرفت من زياراتي المتكررة لسوريا ومن أصدقاء تابعت أحاديثهم المتكرة أن ثمة ماسأة يعيشها سكان هذه المناطق نتيجة سنوات الجفاف التي ضربت المنطقة, وأدت إلي ترحيل عدد كبير من سكانها وهي قصة حفزتني لزيارة الرقة ومتابعة الموقف من علي الأرض.
المزاج العراقي
عندما وصلنا إلي الرقة وجدنا فيها حفاوة حقيقية كانت تؤكد أن لهذه المدينة خبرة حضارية, كان من السهل اكتشافها في الليلة الأولي التي قضيناها بصحبة أصدقاء قضوا الليل كله في تقديم أغنيات’ بدوية’ أقرب للغناء العراقي منها إلي الغناء السوري الشهير.
وبطبيعة الحال لعبت الجغرافيا دورا في إضفاء صيغة عراقية علي هذا اللون من الغناء حيث تبعد الحدود العراقية عن المدينة مسافة تقطعها السيارة في أقل من ساعتين, باتجاه’ دير الزور’ والحسكة’ أو منطقة’ الجزيرة السورية’ كما قالت لي الروائية فوزية مرعي التي كانت تغني بـ’ شجن حقيقي’ ظل معنا طوال أيام المؤتمر خصوصا أن فرق الغناء البدوي كانت ترافقنا كل ليلة.
هذا المزاج وفر لنا فرصة مشاهدة رقصات’ الدبكة العراقية’ التي قادها باقتدار الروائي العراقي الشاب علي بدر, الذي يعيش في المنفي منذ أكثر من عشر سنوات لكن الرقة حملت له’ العراق’ كما قال لي., مشيرا إلي أن الوضع الماسأوي في العراق بعد الاحتلال الأمريكي في العام2003 دفع العراقيين للمجيء إلي سوريا برا والاستقرار في الرقة القريبة من المزاج العراقي, وبطريقة أضافت مميزات للمكان, وهي ذاتها المميزات التي ذكرها الصحفي الشهير سمير العيطة في مقال نشرته’ اللوموند دبلوماتيك’ أخيرا وأكد فيه أنه بالرغم من الصورة القاتمة التي خلقها غزو العراق وتداعياته علي سوريا, فقد انفتحت فرصة تاريخية كبيرة من جراء التقارب بين تركيا وإيران, وبينهما وبين سوريا والعراق, يمكن أن يؤسس علي المدي البعيد عناصر استقرار جديدة خصوصا في منطقة الحدود المشتركة بين هذه البلدان الأربعة, ستمكن من السماح بتطور مراكز حضرية كبيرة مستدامة في إقليم الجزيرة, كما علي الجانب التركي والعراقي والإيراني. وسيلعب التبادل التجاري بين الدول الأربع الدور الرئيسي في إرساء هذا الاستقرار.
وبعيدا عن الأثر العراقي وحده كان الطعام الشهي قادرا علي محو هذا الأثر والتغلب عليه, فقد كان تركيا خالصا وكشف لنا سرا أخر من أسرار الرقة القريبة حدوديا من تركيا عبر منفذ’ تل أبيض’.
شهادة من الأطلال
بحسب الإنترنت أنشئت الرقة عام244 أو242 قبل الميلاد وسميت في البداية كالينيكوس, نسبة إلي سلوقس الأول, مؤسس المدينة, الذي كان يعرف أيضا بهذا الاسم( ويقول البعض إن الاسم يعود إلي الفيلسوف اليوناني كالينيكوس الذي يعتقد أنه توفي في الرقة). في العصر البيزنطي, كانت المدينة مركزا اقتصاديا وعسكريا. في639 فتحتها الجيوش العربية الإسلامية وتحولت تسميتها إلي الرقة وتعني في اللغة الصخرة المسطحة.
وقبل أن نري المدينة في النهار بوضوح كان من السهل في حوارات الليل التي ضمت أصدقاء وبعض أبناء المدينة التقاط مجموعة من المعلومات التي تدور في مساحة’ المرويات التاريخية’ وبعضها أقرب للاسطورة الخالصة ومن بين تلك المعلومات, إشارة إلي أنه في العام772 هـ بدأ الخليفة العباسي المنصور بناء عاصمة صيفية للدولة العباسية بالقرب من الرقة, سميت الرافقة. بنيت المدينة الجديدة بشكل حدوة فرس علي الطراز المعماري لبغداد, وسرعان ما اندمجت مع الرقة. وبين عامي796 و808 استعمل الخليفة العباسي هارون الرشيد الرقة عاصمة له أيضا, في عام1258 دمر المغول الرقة كما فعلوا ببغداد.
بعد جولة قصيرة في مدينة الرقة لاحظت افتقارها إلي بعض الخدمات الضرورية الأمر الذي دفعني لسؤال الروائي ماجد العويد عما تفتقر إليه مدينته, فقال لي’ من المؤلم أن مدينتنا منتجة للحبوب والقطن, ومياهها وفيرة, وأن اقتصاد سوريا يعتمد في جزء مهم من ميزانيته عليها. عندما نعلم هذا يصير السؤال عن تخلفها قياسا لمثيلاتها من المدن السورية سؤالا مشروعا والإجابة عليه لازمة وضرورية..
ماجد العويد لفت إلي أن البنية التحتية للمدينة كانت فقيرة لفترة قريبة جدا, وتساءل: لماذا لا توجد في الرقة حتي اليوم جامعة حكومية أسوة بالجامعات التي صارت موجودة في أغلب محافظات القطر؟, صحيح يوجد اليوم بعض الكليات مثل كلية الزراعة والري والأدب العربي وتوجد جامعة خاصة لا تزال هزيلة برغم مرور السنوات علي قيامها. وإذا ما تريثنا عند هذه النقطة نكتشف أن الرقة تحتاج الجامعة ربما أكثر مما تحتاجها مدن أخري, إذا ما نظرنا إلي التكلفة الباهظة, في ظل انخفاض الدخول, التي تترتب علي الأهل إذا ما فكروا بإيفاد أبنائهم إلي المدن الأخري للدراسة ولعل الأدهي أنه مع رفع معدلات القبول في الجامعات الحكومية تصير الحاجة إلي إنشاء جامعة في مدينة الرقة ماسة وحيوية, فهي مدينة لا تعيش عالة علي غيرها من المدن السورية, علي العكس هي مدينة رافدة للاقتصاد السوري أكثر مما ترفده دمشق العاصمة وبالتالي يصير من حق هذه المحافظة أن تولي بعض الاهتمام والرعاية.؟
الرصافة بين سوريا والأندلس
كنت أعرف من قبل أن مشكلات الرقة هي جزء من كل ولا يمكن فصلها عن مشكلات الحزام الذي يحيط بها, وكنت أرغب في رؤيته وجاءت لي الفرصة فبعد انتهاء المؤتمر الذي جئنا لحضوره وفرت لنا المحافظة سيارات أقلت الراغبين من ضيوف المؤتمر إلي بعض المواقع السياحية والأثرية, كما وفرت لنا أسطوانات مدمجة فيها مواد مصورة عن المدينة ومعلومات عن فرص الاستثمار فيها, وقد بدأنا الرحلة بزيارة مدينة الرصافة التي تقع علي بعد ثلاثين كيلومترا من( الرقة).
وعند وصولنا انشغل الجميع في التقاط صور تذكارية بينما بدأ المرشد السياحي المرافق في تقديم بعض المعلومات عن المدينة التي أسست في عهد الآشوريين في القرن التاسع قبل الميلاد:(RASAPPA) ثم تنازع عليها اليونان والفرس, وأضحت لها قلاع منيعة تحميها من غزوات الساسانيين قبل أن تصبح من المدن التابعة لمملكة( تدمر), التي امتدت من غرب ليبيا إلي الخليج شرقا.
وخلال رحلة بحث علي الإنترنت وجدت بعض المعلومات عن( الرصافة) مصدرها كتاب نشرته المديرية العامة للآثار والمتاحف بدمشق عام1984 م, أعده مديرها بشير زهدي, عنوانه:( الرصافة لؤلؤة بادية الشام), يشير فيه إلي الرصافة كانت تبعد خمسة وسبعين كيلومترا عن( قصر الحير) الشرقي, واحتلها العرب الغساسنة لأهمية موقعها, وسوروها معتبرين أنفسهم ورثة للأنباط, ثم تحالفوا مع البيزنطيين لحمايتها من غزوات الساسانيين. وقد جاء في كتاب الأستاذ بشير زهدي ما يلي:(… وإذا كان ينسب إلي( الحارث الثاني) الفضل بترميم الأسوار, وتشييد كاتدرائية كبيرة في الرصافة في العصر البيزنطي, فإنه ينسب إلي ابنه( المنذر بن الحارث الثاني) الفضل بتشييد خزانات المياه فيها, وببناء قصر كبير له, ودار للضيافة خارج سورها الشمالي, تثير ضخامتها شعور الاحترام لهيبته لدي رجال القبائل, لكن الرصافة نالت شهرتها في عهد الأمويين, حيث أضحت منتجعا صيفيا انتقل إليه الأمير( هشام بن عبد الملك من قصر الحير), وأسهم في عمرانها وازدهارها بتشييد قصرين, اكتشف أحدهما إثر التنقيب عن آثارها, فعرفت آنذاك باسم:( رصافة هشام), وبعدما انتصر العباسيون علي الأمويين, نجا الأمير عبد الرحمن بن معاوية من الموت, لأنه اختبأ عند جماعة من الأعراب علي ضفة نهر الفرات بشمال سوريا, ثم انتقل سرا للأندلس وهو في التاسعة عشرة من العمر, حيث أسس دولة جديدة للأمويين فيها. بعد نهاية حكم الأمويين في سوريا, تابعت( الرصافة) ازدهارها حتي بداية القرن العاشر الميلادي.واشتهرت بتعايش المسيحيين والمسلمين, بدليل اكتشاف أنقاض كنائس فيها, ومسجد له محرابان باتجاه الجنوب وشارع مستطيل محاط بأعمدة, وقد هدمت إبان غزوات التتار كليا. ونجح فريق من علماء الآثار الألمان عام1952 م, في العثور علي جزء من القصرين الأمويين, وبرج قائم علي قاعدة مربعة الشكل بزاوية مبني مصنوع من الآجر, ثم اكتشفوا برجين آخرين مستديرين أصغر حجما, كما تم اكتشاف أجمل أبواب المدينة تحت الركام, حيث ظهرت في جهتها الشمالية رسوم وزخارف ملونة.
بعد جولة استمرت لنحو ساعة في’ الرصافة’ اتجهنا لزيارة مدينة’ الثورة’ وهي واحدة من بين ثلاث مدن رئيسية في المحافظة هي’ تل ابيض’, الثورة’, معدان’ ولكن ما يميز مدينة الثورة بخلاف اسمها الذي يشير إلي المرحلة التي حكم فيها حزب البعث سوريا إذ ارتبطت تسميتها بثورة الثامن من آذار, وهي مدينة جديدة, تشبه إلي حد كبير مدينة مديرية التحرير في محافظة البحيرة بمصر وهي أنشئت بعد بناء سد الفرات, وتقع علي الضفة اليمني لنهر الفرات مجاورة للسد المسمي باسمها علي النهر المذكور, وتبعد55 كم عن مدينة الرقة باتجاه الغرب وعن مدينة حلب150 كم باتجاه الشرق. وهي تقوم مقام قرية بسيطة تدعي الطبقة, ويبلغ عدد سكانها حوالي84.000 نسمة وتقع في المكان المشرف علي بناء السد ومحطة التوليد وبحيرة الأسد وقلعة جعبر التاريخية.
خوف الحبيب السالمي في’ جعبر’
تستحق قصة وصولنا إلي’ جعبر’ أن تروي فقد حملتنا إلي هناك’ معدية’ من النوع البدائي المستخدم في الريف المصري, الأمر الذي أثار خوف الكثير من الضيوف العرب الذين كانوا معنا خصوصا أن المصريين قضوا غالبية الوقت وهم يتحدثون عن الغرقي وشهداء المعديات في مصر خلال العام الماضي والنكات التي صاحبت تلك الظاهرة المصرية الخالصة, لكن هذه النكات أثارت رعب الروائي التونسي المقيم بباريس الحبيب السالمي الذي سأل المسئول الذي رافقنا عن’ التأمين المرصود لنا ونحن في رحلة الموت هذه’ وبطبيعة الحال لم يجد السالمي إجابة باستثناء’ ابتسامة مطمئنة’ أذابت خوفه كما تكفلت متعة وجودنا علي سطح الفرات بفتح مسامعنا وأرواحنا علي لحظات استثنائية امتلأت بضحك صاف أطلقته الروائية السورية عبير أسبر ومعها محمد صلاح العزب بعد أن حاولا خداعنا عبر محاولة تأدية المشهد الرئيسي لفيلم’ تايتنيك’.
ونحن علي ظهر هذه المعدية التي تشبه المعدية التي صورها عاطف سالم في فيلم’ صراع علي النيل’ تحدث معي الصحفي السوري عامر مطر عن قلعة جعبر التي تقع علي الضفة اليسري لنهر الفرات وتقوم علي هضبة مشرفة علي بحيرة الأسد1974, وهي بحيرة صناعية أنشئت بعد تأسيس سد الفرات والقلعة كما بدت لنا من الخارج ذات سورين يضمان عددا من الأبراج تزيد علي خمسة وثلاثين برجا, بعضها مضلع والبعض نصف دائري. وأكثرها مهدم أو زائل.
جفاف المدن المعاقبة
وفي رحلة العودة بـ’ الاتوبيس’ عدت من جديد للانشغال بملف’ نازحي الجزيرة’ و قد سميت المنطقة التي تضم مع الرقة دير الزور والحسكة بهذا الاسم نظرا لوجودها بين نهرين هما الفرات ودجلة في الحدود المشتركة بين سوريا والعراق وتركيا, وهي منطقة غنية جدا, وهي أيضا من أقدم مناطق وجود الإنسان في العالم, وإذا كان تاريخ الآثار العالمي تشكل سوريا ثلثه, فمنطقة الجزيرة تشكل وحدها ثلت أهم الأثار التاريخية في سوريا لكن هذه المنطقة كما يعتقد البعض تعرضت لتهميش واضح منذ سنوات من خطط التنمية, علي الرغم من أنها منطقة تنوع إثني وقومي وديني هائل ففيها تجمعات للأكراد وللسريان والأرمن والآشوريين واليزيديين وهي ميزة كبري, فإن الخطط الاقتصادية التي اتبعتها الحكومة السورية, بحسب سكان المدينة لم تكن واضحة بخصوص هذه المنطقة التي تعد سلة الغذاء السوري من القمح والقطن, ومع توالي سنوات من الجفاف وبغياب أي اهتمام من قبل الدولة, جفت الأراضي, وهجرت القري, وماتت الحيوانات,
الكارثة وحملات المواجهة علي الفيس بوك
الأرقام المتاحة تشير إلي أن القمح السوري انخفض إنتاجه بما يقارب800 ألف طن خلال3 سنوات فقط. بسبب الكارثة. بحسب أرقام رسمية. كما تركت الثروة الحيوانية للزوال. وسقاية الأراضي الزراعية في الجزيرة السورية تتم بمياه الصرف الصحي دون معالجة أسهمت في تدهور59% منها.
وقدرت الأمم المتحدة عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر في تلك المناطق بنحو800 ألف نسمة,190 ألفا منهم يأكلون من مساعدات البرنامج الغذائي, و110 آلاف منهم يحلمون بما يسد الرمق. كما أخبرني عامر مطر وهو يشرح لي سلسلة تحقيقاته التي نشرها في صحيفة’ النهار اللبنانية’
أما صديقتي الروائية السورية سمر يزبك التي أعدت فيلما وثائقيا عن نازحي الجزيرة لصالح التليفزيون السوري فقالت لي:’ هناك حوالي نصف مليون نازح من منطقة الجزيرة, كثير منهم من الرقة وريفها, وهم يعيشون حول مدينة دمشق ويشكلون حزاما من المخيمات المتناثرة هنا وهناك, ويموت منهم الكثيرون بصمت, وبرغم أني التقيت شخصيا في لجنة تحكيم في وازرة الخارجية السوررية وزير الإدارة المحلية, وأكد لي شخصيا أن الرئيس بشار هو من كلفه بملف متابعة مشاكل الجزيرة السورية, فإنه فوجئ عندما أتيت له بصور هؤلاء النازحين حول دمشق’
عامر مطر وهو أحد أبناء الرقة المعنيين بهذا الموضوع أكد لي أن عائلات كثيرة تقدر بنحو30 ألف عائلة نزحت بسبب جفاف الجزيرة السورية, وحطت رحالها في مخيمات كثيرة علي اطراف الجنوب السوري وتحدث باستفاضة عن مخيم قرب’ كناكر’ التي تبعد50 كلم من دمشق.
واللافت للنظر أن الأمم المتحدة ذاتها تابعت ملف نازحي الجزيرة عن قرب حتي إن المقرر الخاص لبرنامج الحق في الغذاء التابع للمنظمة الدولية السيد أوليفيه دشوتر زار سوريا العام الماضي وأعد تقريرا عن الموضوع ذكر فيه أن سوريا تعرضت في الخمس سنوات الأخيرة إلي’ سنوات جفاف’ أثرت علي نحو3 و1 مليون إنسان عاني منهم800 ألف معاناة شديدة, لاسيما الفلاحون في هذه المناطق الذين تفاقمت حالتهم بسبب مرض’ الصدأة الصفراء’ الذي يصيب القمح, كما فقد هؤلاء حوالي80 بالمائة من مواشيهم منذ العام2005, وتعمل الحكومة السورية علي مواجهة هذا الوضع بخطة وقائية عنوانها’ خطة الجفاف الوطنية’ وتعمل مع مؤسسات دولية عديدة لتفاديه إلا أن الصورة لا تزال مقلقة, فوفقا لتقرير مقرر برنامج الحق في الغذاء التابع للأمم المتحدة فإن المنظمة الدولية لم تتمكن إلا من تدبير33 بالمائة من المبلغ الذي قدرته ب43,687,572 دولار كخطة لمواجهة الجفاف.
وبالمقابل يعمل بعض النشطاء من أبناء تلك المناطق علي برامج تنموية تطوعية منها برنامج أطلقه عامر مطر ورولا أسد علي’ الفيس بوك’ مع’ لوجو’ صممه الفنان التشكيلي السوري الشهير يوسف عبد لكي للإعلان عن الحملة التي وزعت حقائب شتاء دافئة, لتمنع برد الشتاء عن الأطفال النازحين الذين هربوا مع عائلاتهم من جفاف الجزيرة السورية.
مطر كتب لي رسالة إلكترونية شرح لي فيها المشروع بدقة وذكر أن الأطفال هم الهدف الأول للحملة التي تقع ضمن نشاطات كثيرة عملت عليها مجموعة:’ الجزيرة السورية’ التي بدأت نشاطاتها المهتمة بالكارثة منذ سنة تقريبا. إذ بدأت علي شكل حملات علي موقع الفيس بوك, كحملة:’ لا… لظلم وإهمال الجزيرة السورية’, وانتقل أثرها إلي الواقع.
كان عنوان المشروع الأول’ الحبابين’ الذي درس60 طفلا وطفلة في مخيم سعسع, وتوقف بعد خمسة أشهر لانتقال سكان المخيم إلي مناطق متفرقة, ولظروف منعتهم من تدريس بقية أطفاله. إذ كتب أحد أفراد المجموعة علي صفحتهم علي الفيس بوك عما جري معهم:’ حمل شيخ عصاه ومشي نحونا في المخيم الآخر… ضرب الأطفال المتجمعين حولنا بالعصي عند وصوله, ليطردهم… قبل السلام, قال إنه هدد بسببنا, وأنه سيصفح عنا هذه المرة, ولن يخبر الجهات أننا الآن أمام خيمته, علي الرغم من تهديدهم له’., أما الكبار في المخيمات, يعملون كل الصيف والشتاء; النساء في الزراعة, والرجال في البناء وأي عمل يحتاج لجهد عضلي, متنازلين عن كل شروط الحماية من حرائق الشمس وصقيع الشتاء.
وفي كل مخيم’ شاويش’, يؤمن فرص العمل لهم, ويأخذ من أجورهم حصة قدرها نصف دولار عن كل يوم عمل, ويعطي للعاملة ما يقارب الثلاثة دولارات ونصف الدولار, أما العامل فتصل أجرته إلي خمسة دولارات ونصف في أيام العمل المؤقتة.
يري القائمون علي المشروع أن عملهم بات ضروريا لأن سوء التغذية الناجمة عن الفقر, زادت بنسبة370% في الحسكة, و67% في الرقة, و229% في دير الزور.
شرح لي مطر أن زميلته المصورة رولا أسد أعدت معرضا فوتوغرافيا عنوانه:’ مؤقت’ هو أول معرض في سوريا يوثق مأساة الجزيرة’, وقدم المعرض في أغسطس الماضي أكثر من22 صورة فوتوغرافية لأطفال حملوا معهم لون قراهم الترابية
القائمون علي الحملة استطاعوا جمع مبلغ مالي وصل إلي أكثر من ألفي دولاروجهت لشراء احتياجات ضرورية وترفيهية للأطفال
ويؤكد مطر, أن لديهم أكثر من تسعة مشاريع لهذا العام و لا يمكن البدء ببعضها إلا بعد الحصول علي ترخيص لجمعية تعمل في هذا الشأن من وزارة الشئون الاجتماعية والعمل السورية,
مميزات الأقليم.
الأهرام