ممثّل مجنون
شوقي بغدادي
لقد أثبت معمر القذافي جنونه المطبق بعد خطبته الأخيرة، التي استمرت بلا طائل طوال ساعة وعشرين دقيقة. فهل من الممكن بعدها أن يدافع أحد عن هذا الرجل من دون أن نتهمه بالجنون كصاحبه؟
لقد أتيح لي أن أزور ليبيا أكثر من مرة. في إحدى هذه الزيارات، أتيح لي أن أقابله وأحاوره مع نخبة من أدباء عرب في خيمته الأسطورية التي شيّدها قرب طرابلس. منذ ذلك اليوم، كنت أقول للناس إن هذا الرجل مجرّد ممثل مهووس بدوره كزعيم، لكنه ليس مجنوناً. إنه يمثّل دوره فقط، لكنه عارف بما يقوم به جيداً. أما الآن، وبعد هذه الخطبة، فلا يسعني إلا أن أقول إن الرجل فاقد عقله تماماً، وجنونه ليس جنون العظماء كما يقولون، إنما هو جنون الممثل التافه الذي صدّق أن دوره حقيقي وليس تمثيلاً.
ليبيا الآن معرّضة بعد خطابي الأب وابنه إلى مجزرة لا تحدث عادة إلاّ في البلاد المهملة والمتروكة لأقدارها الصعبة مع المجانين.
ليس ضرورياً هنا أن نشرح ونحلّل ماذا يجري هناك من فظائع. الضروري الآن أن نحدّد بأسرع وقت ممكن ماذا علينا، نحن الذين نسمّي أنفسنا عرباً، أن نصنع لإنقاذ البشر الأبرياء، الذين ثاروا أخيراً على الظلم والفساد والمهزلة، قبل أن يبيدهم «القائد» المجنون باسم شعاراته الجوفاء منذ أربعين عاماً. «قائد» حين أقارنه بزين العابدين أو بحسني مبارك، لا يسعني إلاّ أن أرتعد خوفاً على الضحايا التي سوف تسقط باسم شعارات ثورته الجوفاء، خلافاً لما حصل في تونس ومصر.
ماذا صنع هذا الرجل ببلاده منذ أربعين عاماً؟ بلاد تنتج ثروات نفطية خيالية قادرة على أن تصنع من الصحراء جنة، لكنها بقيت على تخلّفها في معظم ميادين الحياة المتطوّرة الكريمة.
لا شيء إلا الخطابات وهيجانات اللجان الشعبية، التي لا تتحرّك إلاّ بإشارة من سبابة «القائد»، كقطيع مطيع حتى الجنون المميت. ومع ذلك، لا يخجل الرجل من القول في خطابه الأخير إن لا منصب له، وإن كل المناصب والقرارات بيد اللجان الشعبية! أي كاذب مجنون هذا.
أنقذوا ليبيا يا عرب، قبل فوات الأوان.
(شاعر سوري)