. وأرض الحريم والمحظيّات و«الحرملك» في مرآة الفن الاستشراقي
خليل صويلح
تركت القصص التي روتها شهرزاد في «ألف ليلة وليلة» انطباعاً لا يمحى في الذهن الأوروبي عن سحر الشرق بوصفه عالماً خيالياً وشهوانياً وعنيفاً. وأدّت الترجمة الفرنسية لكتاب «الليالي العربية» دوراً في ترسيخ هذه الصورة التي تبنّاها المستشرقون وأضفوا عليها توابل حسيّة عن إغواء الشرق، ثم جاء رسّامو القرن الثامن عشر فأكملوا الصورة باستيحاء الأزياء العثمانية في لوحاتهم. هكذا أصبح «التوركواز»، وهو اللون الأكثر شيوعاً في الأزياء الشرقية، آخر صيحات الموضة في باريس ولندن. وأطلقت النسخة الإنكليزية لـ«الليالي العربية» ثورةً جديدة نحو الشرق في مطلع القرن العشرين، فكان لترجمة ريتشارد بورتون وقع القنبلة التي امتدت لتطاول كل شيء من الملابس والبالية إلى المسرح والأدب.
في كتابها «النساء في لوحات المستشرقين» (دار المدى ـــــ تعريب مروان سعد الدين)، تقتفي لين ثورتون أثر لوحات المستشرقين وتأثيرها في الذهنية الأوروبية، وخصوصاً أن معظم هذه اللوحات صبّت اهتمامها على تصوير النساء الشرقيات في مخادعهن أو ما يسمّى «الحرملك» بكل ما يحمله من غموض وسحر وخلاعة. وكانت لأجواء الحمّامات التركية حصة كبيرة في تفكير الرسّامين عن مباهج الحياة الشرقية.
هذه الصورة أفرزت ظاهرة العري في الرسم الأوروبي ضمن تصورات استشراقية عن حياة الحريم والمحظيات، ليجتمع في اللوحة، الكمال المثالي والإثارة الحسّية، بما يناسب ذائقة طبقة ثرية نشأت في العهد الفيكتوري. في معظم لوحات المحظيات تلك، تلفت لين ثورتون إلى اختفاء الرجل من اللوحة، على رغم وجود الإحساس بتأثيره. إذ يأخذ المشاهد مكان الرجل في اللوحة. ولهذا، نرى أولئك المحظيّات يغوينّ الرجال بأعينهن وأجسادهن. والتفت رسّامون آخرون إلى تصوير النساء البدويّات في شمال أفريقيا، المعروفات باسم «الغوازي». ولعل لوحة «رقصة المناديل» لثيودور شاسيرو تُعدّ نموذجاً لهذه الموجة من لوحات القرن التاسع عشر التي نهضت على الإغواء الشرقي ومفاتن الجسد العاري.
وتوضح ثورتون أنّ الرحالة واجهوا صعوبات في إقناع المسلمين برسم صور لهم بسبب تحريم التصوير في الإسلام وقناعتهم بأنّ صورة الشخص تمثّل قريناً شيطانياً له، ما يسبب الأذى للشخص المرسوم.
ومن بين عشرات الفنانين الذين رسموا الشرق الخيالي، يبرز مانيه ولوحته الشهيرة «السلطانة» (1917)، ورينوار الذي تركت رحلاته إلى الجزائر (1880) بصمتها على لوحاته، باستخدامه الضوء واللون كنقطة ارتكاز للوحاته مثل «فتاة جزائرية» (1881). أما هنري ماتيس، فلم يتمكن في أول زيارة له إلى المغرب (1912)، إلا من رسم امرأة يهودية وبعض الغانيات.
الأخبار
عدد السبت ٥ تموز ٢٠٠٨