القرضاوي وعمرو خالد «أهم المثقفين العرب»
دلال البزري
المجلة الاميركية فورين بوليسي ((foreign policy اجرت استفتاء لرأي قرائها حول «أهم مئة مثقف»؛ بحسب البلدان. فكانت النتيجة كالتالي:
الولايات المتحدة الأميركية: أهم مثقفيها مؤرخون وفلاسفة ومنظرون اقتصاديون وكتاب رأي وعلماء. ومن بينهم توماس فريدمن، وصاموئيل هنتغتون وفرانسيس فوكوياما ونعوم تشومسكي. وكذلك الأمر عند فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا وهولندا والدانمارك. روائيون ومؤرخون وفلاسفة وباحثون. أكثرهم ذيوعاً بيننا: أوليفيه روا، وأمبرتو إيكو، وألان فنكيالكروت، وسلمان رشدي. ألمانيا تفردّت عنهم بمثقف من المجال الديني، وهو البابا بنديكت السادس عشر. دون ان تحجب اهتمامها بأهم فلاسفتها الأحياء: جرغون هابرماس، منظّر الحداثة وما بعد الحداثة وكل المفاهيم الملتحقة بهما.
أوروبا الشرقية لا تختلف كثيراً. أهم مثقفيها الروائي التشيكي فاكلاف هافل، الذي اصبح رئيساً للجمهورية بعدما كان قائداً للمعارضة. وبطل الشطرنج الروسي والناشط الديمقراطي غاري كسباروف. والفيلسوف وعالم الاجتماع السلوفيني سلافوج زيزك.
«الكبيران» من بلدان العالم الثالث، الهند والصين، كذلك الأمر، أهم مثقفيهما علماء بيئة وسياسة واقتصاد ومؤرخين وصحافيين. بل من بينهم عالم أعصاب.
العالم الثالث ايضاً: غانا والبرازيل والبيرو وافريقيا الجنوبية والمكسيك وسنغافورة وحتى اوغندا… مثقفون بارزون في المجالات نفسها أو القريبة منها.
الدول الإسلامية غير العربية. باكستان، أهم مثقفيها محام. بنغلادش أهم مثقفيها محمد يونس، الحائز على نوبل في الاقتصاد، بسبب إنجازاته في المايكرو اقتصاد؛ والتي أدخلت النشاط في اقتصاد الفقراء. اندونيسيا: الباحث في علم السياسة ورئيس جامعة بارامدينة في دجاكارتا، انيس بسودين.
أما أهم مثقفي إيران فاثنان: شيرين عيادي. حائزة جائزة نوبل للسلام والمدافعة عن حقوق الإنسان. وعبد الكريم سوروش.اليساري المنظر للدين. والمقيم في أميركا ويدرّس في جامعة جورج تاون. تركيا، اثنان أيضاً: الروائي الحائز على نوبل للآداب العام الماضي، اورهان باموك. وفي أبرز رواياته سرد للمذابح التي تعرّض لها الأرمن على يد الأتراك في أوائل القرن الماضي؛ وهذا موضوع يشكل شبه تابو في تركيا… ثم المفكر فتح الله غولن المعروف بميوله الحداثية – الإسلامية. وقد ألف 60 كتاباً حول الموضوع.
وحتى إسرائيل. من هم أهم مثقفي إسرائيل؟ من هم أهم المثقفين في دولة «الشرّ المطلق»؟ الأول دنيال بارنبويم. قائد الاوركسترا وعازف البيانو، والمثابر على نقد سياسة بلاده الرسمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. الثاني أموس أوز. الروائي وأستاذ الأدب في جامعة بن غوريون. المشارك في تأسيس حركة «السلام الآن» عام 1978، ومن أوائل الداعين إلى إقامة دولتين، إسرائيلية وفلسطينية. والأخير دانيال كاهنمان. الحائز أيضاً على جائزة نوبل في العلوم. واختصاصه علم النفس.
ولكن من هم أهم المثقفين العرب؟ انهم ثلاثة. الأول فلسطيني. ساري نسيبة، الديبلوماسي والفيلسوف وصاحب مبادرات سلام. لا بأس. وهو على العموم يقتصر على فلسطين.
لكن الاثنين الباقييَن من مصر. و محسوبَين على العالم العربي. وهما أولاً: عمرو خالد، الذي تعرّفه المجلة بالـ televangelist. المعروف بـ «اعتداله». و بـ «مبادرات وعظية تلفزيونية مجدّدة لصورة الإسلام». اما المثقف الثاني الأهم، فهو الشيخ يوسف القرضاوي، «ربما اكثر الوعاظ تأثيراً في عالم الإسلام السني»، بحسب المجلة ايضاً. وله برنامج أسبوعي على قناة «الجزيرة»، عنوانه «الشريعة والحياة». يفتي ويعظ ويجيب على السائلين.
هؤلاء هم اهم مثقَفينا…
استطلاع المجلة الاميركية قد لا يكون شاملاً ولا دقيقاً دقة متناهية. لكنه يتقاطع مع «حال الأمة» الثقافي ويلتقط بالتالي أهم مؤشراته. لا حالمين ولا مفكرين ولا منظّرين ولا مؤرخين ولا محلّلين في دنيا هذه الثقافة. فقط نجوم تلفزيونيون في الوعظ والارشاد: ثنائية التلفزيون والدين. والمسلمون غير العرب اكثر منهم تحرراً من أسرهما.
فالعرب لا يقرأون. فقط يشاهدون. مهرجانات ولجان ومؤتمرات القراءة لا تفي بوصف فراغهم الثقافي. العرب لا يقرأون ولا يسمعون. فقط يشاهدون. يشاهدون «الأفكار» والأذواق والتصورات التي يبثها المتكلم المفضّل لديهم. تتشكل تصوراتهم ومخيلتهم بجرعات مكثّفة، وهم مرْتَمون على الكنَبة أمام الشاشة.
المتكلم المفضّل عندهم ليس كغيره من المتكلمين. الوعظ والإرشاد والفتاوى. هذا هو انكبابهم. العرب اكثر الطالبين لشاشة تلقّنهم وتعظهم وترشدهم وتفتي لهم وتحدد تفاصيل سلوكهم وشعائرهم. رأس الهرم هما عمرو خالد ويوسف القرضاوي. وخلفهما، ثلة من أصحاب البرامج الشبيهة والأخرى الجانحة بغلوها الى الأقصى: «مثقفون» يقرأون الطالع ويتصلون باللجان ويصنعون الأحجبة (تصل إلى العنوان المطلوب «ديليفري» – delivery) ويفسّرون الأحلام «تفسيراً دينياً»… كل ذلك عبر التلفزيون. مثل الأقنية والبرامج التي ازدهرت أخيراً: وعنوانها، «خبايا» أو «شاشة تأخذك إلى الجنة» أو «لما يدور القدر» أو «تفسير الأحلام».
ولا بد أن يكون كل ذلك معطوفاً على الوجه الآخر، الجماهيري، الطبيعي من ثقافتهم. اعني الرواج الفادح للأقنية الإباحية. مع 70 قناة إباحية باستثمارات عربية. دون ان ننسى قنوات الفيديو كليب. وقد صار نجومها «شخصيات» عربية مؤثرة بحسب استطلاعات أخرى. مؤثرة فنياً وثقافياً ووجودياً.
وكل هذا نتيجة طبيعية لهيمنة التلفزيون وهيمنة الواعظين الدينيين عليه.
العرب لا يقرأون. فقط يشاهدون الفكرة والفن. لا روائي ولا مؤرخ ولا بطبيعة الحال ناشط من اجل السلام (الذي يرمى عادة بتهم العمالة). لا شيء يثير فضولهم ورغبتهم بالاستماع او المشاهدة. هكذا تتشكل مفاهيمهم وتصوراتهم وأذواقهم. فماذا ننتظر منهم في هذه الحالة؟
نقطة أخيرة: الغرب هو الذي اخترع التلفزيون. وأميركا هي التي اخترعت وظيفة أو دور «الواعظ الإنجيلي التلفزيوني» (televangelist)؛ لاحظ أن المجلة لم تجد تعريفاً لدور عمرو خالد غير هذه التسمية التي تتعارض كلياً مع الهوية الإسلامية لرسالته. وهي تسمية من اختراع الغرب نفسه. لكن لا التلفزيون ولا الوعاظ الدينيين هم الذين يشكّلون تصورات أهل الغرب. بل المحللون والروائيون والمؤرخون الخ. أي أناس لا تعرفهم إلا إذا قرأتهم. العرب، كما درجوا، اخذوا افضل الاختراعات الغربية، وحولوها إلى أداة لصناعة العقول المظلمة والخاملة. عقول تتعرف على إنتاجها الثقافي عبر مشاهدتها للذين يخطبون ويعظون.
الغرب اخترع والعرب تصرّفوا. وكانت النتيجة البكاء على اطلال القراءة وحيوية العقول وتنوعها.
الحياة – 06/07/08