الكاتب الإسباني البارز يناقش الطغيان غويتسولو: من يكتب رواية الثورة؟
“بماذا فكر الدكتاتور وهو يسقط؟” سؤال يطرحه الكاتب الإسباني غويتسولو
تساءل الكاتب الإسباني خوان غويتسولو عما يحدث في ذهن الدكتاتور في الأيام واللحظات الأخيرة التي تسبق سقوطه وغرقه المفاجئ في مزبلة التاريخ؟ وكيف يعي المشهد الواقعي وغير المتوقع في آن لشعبه المحبوب وهو يصرخ ضده ويحرق ويدوس بالأقدام صوره الحاضرة في كل مكان.
وفي مقاله بصحيفة “الباييس” الإسبانية، أظهر غويتسولو اهتماما كبيرا بأحداث العالم العربي كموضوع أدبي. ويرى الكاتب الإسباني البارز أن “المسار الذهني لدكتاتور ما قبيل سقوطه يمثل موضوعا أدبيا شائقا” من دون شك.
ويشير غويتسولو إلى أنه لو قدر لكاتب شاب أن يعالج الموضوع “من خلال مخزونه الإبداعي الغض، فلعله كان سيعبر عن ذلك من خلال مونولوج داخلي يؤلف بين الأزمنة والفضاءات وصور الأمجاد الماضية وبين الحاضر العدواني”.
مكر التاريخ
ويتصور الكاتب مزيجا من مواكب النصر ومنصات الشرف والاستقبالات في القصور وقبلات الشعب وسكر السلطة التي لا حدود لها ولا تتصور لها نهاية غير وداع مشرف في حضن الموت حيث يحيط بالزعيم ذووه ورؤساء الدول وسط تعبير عن الألم والحزن، ثم كيف أن كل هذا انهار دفعة واحدة بسبب ما يسميه ماركس “مكر التاريخ”.
ويقول إن هذه الفكرة راودته لدى سقوط الرئيس الروماني نيكولاي تشاوشسكو وإعدامه عام 1989، مشيرا إلى أن الفكرة عاودته من جديد في ظل عاصفة الحرية التي تهز البلدان العربية وتطيح بطغاتها كما لو كانوا عرائس مسرح.
ويرى غويتسولو أن الانتقال المفاجئ للزوج بن علي وليلى الطرابلسي من حياة “سمن على عسل” إلى الصورة المهزوزة للطاغية في آخر تجلياته أمام الكاميرا، وتحول “الفرعون الودود” من أوج قوته إلى عجوز متردد يدفع إلى سلم الطائرة التي ستقله إلى مثواه غير الآمن.
كلها أمور تستدعي إبداعية بصرية يمكن أن تتحول إلى أدب عبر لعبة المناوبة: بين الكراسي الذهبية الفخمة المصممة خصيصا لراحة أرداف الرئيس مقابل الأقفاص الشديدة البؤس التي يعيش فيها الشعب، وبين ابتسامة ثابتة بدون هدف محدد لبن علي وهو جامد، مع ربطة عنق وشعر مستعار لامع، في مقابل محمد البوعزيزي وهو يحتضر بعد احتراقه كما لو أنه مخلص. وهي كلها مواقف تفتح أمام المبدع أفقا لا متناهيا من الإمكانات.
تحد إبداعي
لكن الكاتب يرى أن “التحول التدريجي” للعقيد الليبي معمر القذافي الذي ثار على الملكية قبل 42 عاما إلى وجه شبحي يحث آخر أنصاره على القضاء على “الجرذان” في جحورها ويرفع قبضته بحنق، هو أمر أكثر استدعاء للخيال الأدبي.
ويتصور غويتسولو العقيد وهو محاصر بذكريات مجده كزعيم عالمي يستقبله نظراؤه، تحت إغراء البترول، بالابتسامات والعناق في “تيار وعي” جارف يمزج بين أوهامه كملك لملوك أفريقيا وبين جثث مئات المعارضين السياسيين الذين قتلوا شنقا، والزنازين تحت الأرض بقصره في بنغازي، وتصريحاته عن حبه للشعب، وتحويله للجماهيرية العظمى إلى ملك شخصي له ولأولاده.
ويتصور أن كتابة هذا العمل تمثل “تحديا إبداعيا” يتطلب الكثير من الجهد والعمل، غير أنه يؤكد قناعته بأن روائيا عربيا ما سيؤدي هذه المهمة في يوم من الأيام.
دراما الثورة
وفي ظل عدم إمكانية توقع نهاية معينة لما يحصل في ليبيا، يطرح الكاتب سلسلة من الأسئلة تنقلنا إلى قلب “المسلسلات” التي تعجب الناس كثيرا في العالم العربي متصورا أعمالا درامية عن ثورتي مصر وتونس.
ويتساءل عن الممثلة التي ستؤدي دور ليلى الطرابلسي؟ وهل ستذهب إلى البنك مرتبكة وشاحبة الوجه لتسحب الأموال؟ وهل سنرى مشاهد من تبادل اللوم بين الطرابلسي وبن علي؟
كما يتصور الكاتب القاهرة وقد بدأ فيها عرض مسلسل رمضان القادم حيث السيدة سوزان مبارك تتهم زوجها بالعجز، وابن مبارك “الأقل سرقة” وهو يثور في وجه بيروقراطية الفساد التي أرست دعائمها أمه وأخوه جمال، وحيث النفعيون الذين يحاولون في آخر اللحظات تغيير مواقفهم لكنهم يغرقون في النهاية مع السفينة، ثم ملامح وجه الزعيم الذي ظن نفسه ملكا إلى الأبد وهو لا يكاد يصدق أنه يرى عمله يغرق وأمواله تخطف إلى أقصى جنوب سيناء.
إن حدثا بأهمية ما يشهده العالم العربي اليوم سيجد في يوم من الأيام المبدع الذي يرويه، بتؤدة واقتدار، لقراء المستقبل، كما يختم غويتسولو.
الجزيرة نت