رسائـل وقصائـد بأقـلام سجنـاء الـرأي والضميـر فـي العالـم
وليكــن..أنــا عاريــة ولكنهــم ليســوا بشــراً
جاكلين سلام
في كتاب «كتّاب تحت الحصار، أصوات الحرية من حول العالم» القلم مكسور لا يسيل منه حبر بل رشقة دم أحمر. القلم قلب يحمل حلم الحرية. القلم سجادة سحرية يحلّق فوقها الكاتب السجين ويهرب لوهلة من دواليب التعذيب في دهاليز الديكتاتوريات المنتشرة في كل ركن من هذا العالم.
هنا القلم يقارع العنف والتهديد بالتصفية الجسدية، بمزيد من الإصرار على فضح انتهاكات أبسط حقوق الإنسان. هنا الكلمات تأخذنا في رحلة مؤلمة مع تجارب كتّاب من العالم، يحملون في حبرهم صرخة المطالبة بحق الحياة الكريمة والإصلاح الاجتماعي، ولا تثنيهم عن عزيمتهم رصاصات الغدر وعتمة السجون. في هذه الانثولوجيا التي أعدّت لها وأشرفت على تحريرها منظمة القلم الدولية الانكليزية في سبتمبر 2007 ، يجد القارئ نفسه في رحلة موجعة يتذوق فيها جرعة فائضة من الألم والعذابات ويعيش مع أصوات الكتّاب السجناء. يرافقهم بين زنزاناتهم، يشاركهم رسائلهم الشخصية ويتعرف على أحوالهم الصحية، اليائسة والمنهكة. 275 صفحة من أدب السجون وبأقلام كتاب من دول العالم تم اختيارها وترجمتها بإشراف «القلم الانكليزي». بعض الكتابات جاءت على شكل رسائل واعترافات شخصية، بعض الكتابات أدبية، مقتطفات من قصائد وروايات وسير ذاتية. بعض هذه الكتابات كانت سبباً في الحكم بالإعدام على كاتبها. القاسم المشترك للمشاركين في هذا الكتاب هو التعرض لخطر الموت بسبب كتاباتهم وانتقادهم لسياسات بلادهم بشكل أو بآخر، بعضهم خرج من السجن بعد انقضاء فترة الحكم، بعضهم ما يزال قابعاً في السجون، وبعضهم تمت تصفيته جسدياً مثل الكاتبة الروسية أنّا بوليتكوفسكايا التي قتلت عام ,2007 والكاتب النيجيري كين سارو ويوا الذي قتل عام .1995
الكتاب يتضمن شهادات ومختارات لكتاب كبار واجهوا بالرواية والمسرحية والشعر، حكومات بلادهم، ومن هذه المختارات هنا قصائد مختارة للشاعر والكاتب الانكليزي «هارولد بنتر» الحائز على جائزة نوبل للآداب، وكذلك أورهان باموق وتطرقه للمسكوت عنه من مجازر ارتكبت في ظل الحكومات التركية. كما هناك مشاركات لكتاب حازوا على جائزة نوبل للسلام.
يقال: إنّ كاتبا واحدا في السجن، يعني أن جميع الكتّاب مساجين. فماذا يشعر القارئ والكاتب حين يعلم أن كاتبا(ة) في السجن يعتبر الحصول على حبة الأسبرين معجزة، ويعتبر رؤية الســماء آخــر الحلم، بل يقرأ بالتفصيل كيف أن كاتــبة امرأة تغتــصب أمام الآخرين، وأخرى تعالج نفسها بأن «تشــرب وجبة البول الصباحي» كوسيلة للوقــاية وعــلاج البدن. وهذا ما تصرح به إحــدى السجينات في رسائلها!
السجون ولغتها
يبدو أن القاسم المشترك بين دول العالم هو السجون ولغتها. فقد شارك في هذه الانثولوجيا كتاب ونشطاء سياسيون من: كوبا، بورما، الهند، ايران، سيريلنكا، نيجيريا، زمبابوي، الصين، بيلاروس، سيراليون، يوغوسلافيا السابقة، روسيا ، بيرو، اوزبكستان، تركمانستان، المكسيك، فيتنام. وجنوب كوريا. كما هناك مشاركات من دول شرقية وعربية منها تركيا، سوريا (فرج بيرقدار)، تونس (سهام بن سيدرين)، والسعودية (علي الدميني). بعض هؤلاء الكتاب تم تحريرهم بحملات واسعة النطاق أشرفت عليها منظمة القلم الدولية من أجل حرية التعبير، وما تزال المنظمة تواصل حملاتها من أجل تحرير آخرين من سجناء الرأي والضمير، وذلك عبر شبكة مراكزها المنتشرة حول العالم والتي تضم 144 مركزاً في دول الشرق والغرب. ويجدر هنا أن نذكر ونحيي الفروع الجديدة لمنظمات القلم العربية التي تم تأسيسها مؤخراً عام 2007 في بعض الدول العربية ومنها تأسيس فرع للقلم الأردني والبحريني والعراقي لينضموا إلى دعم حرية التعبير وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي يزدهر فيها القمع وتتكاثر السجون، وتتوالى الفتاوى المجحفة في حق الكّتاب والشعراء والروائيين والصحافيين.
ولاشك في أن الكتاب لم يحمل ولن يكون بإمكانه أن يشمل جميع أصوات السجناء في العالم، وكما يحصل دائما في كل عمل انثولوجي، لا بد أن يسقط الكثير وخاصة تلك الأصوات التي لا يمكن الوصول إليها وترجمتها. كما أن هناك كتّابا لهم تجربة في السجون، لكنهم يفضلون ألا يكتبوا عنها بسبب الخوف، أو رغبة في الهروب من تلك المساحة المرّة بلا شك. ونعلم أيضاً أن سجينات وسجناء في العالم لا يجدون الكتابة الصحافية أو الأدبية، وتجربتهم أيضا تستحق الالتفات إليها وتدوينها من قبل كتّاب آخرين.
واحتفاء بصدور هذا الكتاب وضمن فعاليات «أسبوع حرية القراءة» في تورنتو كندا، ستقام أمسية كبيرة كما يجري في كل سنة وينظمها قلم كندا بالتعاون مع «المكتبة العامة للبحوث» وذلك يوم 29 شباط الجاري. وقد تم تكليف عدد من الكتّاب لقراءة بعض النصوص من هذا الكتاب نيابة عن كتّابها، ومن بين المشاركين في هذه النصوص المترجمة إلى الانكليزية: توماس كينغ، جيل كارتر، كارولين رودي، ببندكتا ماداو، وكاتبة هذه السطور. تتخلل القراءات وصلات موسيقية يقدمها وليد عبد الحميد كوش، ولورنس ستيفنسن. هذا ويشرف مذيعو راديو كندا على تقديم الأمسية، كما سيباع الكتاب للقراء في هذه المناسبة، وكما يحصل عادة تذهب قيمة المبيعات لتغطية حملات الدفاع عن الكتّاب السجناء في أي مكان من العالم.
لا يمكن الإلمام بكل الجوانب التي نصادفها في هذا الكتاب، لذلك سأختار فقرات من «قصة آسيا» وهي ناشطة سياسية تركية حكم عليها بالسجن كونها محررة لصحيفة اشتراكية تركية. قضت الناشطة آسيا غوزال فترة في السجن منذ عام 1997 وحتى عام ,2002 ثم خرجت وفرت لتعيش حاليا في السويد. صدر لها كتاب بالانكليزية عن دار الساقي عام .2003 تسرد فيها تجربتها والتعذيب الذي تعرضت له، والاغتصاب ضمنا.
قصة آسيا:
«… كانت الارض اسمنتية في الغرفة التي أخذت إليها. أستطيع أن أتصور ذلك رغم أنني كنت معصبة العينين. لم يكن هناك شيء يغطي الأرض.
«هل تريدين أن تتعرّي لوحدك، أم أننا سنفعل ذلك؟»
عرّيت نفسي، وهكذا لن يستطيعوا هم أن يلمسوا جسدي.
خلعت غطاء الرأس، البلوزة والقميص، وأجلسوني على كرسي. لم أكن قد خضعت للتعذيب من قبل. ولكن من خلال ما سمعت وقرأت، أدركت أن العملية ستبدأ… هناك كنت معلقة في الهواء، الألم في أصابعي، قفصي الصدري على وشك أن ينفجر، التنفس أصبح معضلة. كنت عارية في عرائي. كنت أشعر بالعار. أنا التي كنت أشعر بعدم الراحة فيما إذا كانت تنورتي قصيرة قليلا، أنا عارية الآن وأمام الرجال. لقد أخذوا مني كل وسائل دفاعي عن نفسي. تذكرت زوجي… حاولت أن أتذكر مقطعا، سطرا من أغنية أغنيها لنفسي، ولم أستطع. الشيء الوحيد الذي كان في ذهني ذلك الصوت الذي يقول «إنك عارية» أقول: لا بأس، كنت أعرف أن هذا سيحصل… ولكن «أنت عارية، لا شيء يستر جسدك… أنت عارية» وأقول لنفسي: وليكن، أنا عارية، لكنهم ليسوا بشرا…» كنت أتعرق رغم أنهم كانوا يدلقون سطولا من الماء علي. لم أكن لوحدي كانت آسيا في داخلي تتصارع معي…».
وهكذا يتواصل صراعها وتصف الاغتصاب، وما بعده من تعذيب وإجبار على كتابة أقوال تحت تأثير التعذيب و«السيكارة» التي أجبروها على أخذها…
ختام رحلة القلم الصلب المعذب الحرّ، هي للكاتب النيجيري كين سارو ـ ويوا، الذي أعدم في نوفمبر 1995 بعد سنوات من السجن والتعذيب. يقول في رسالة كتبها إلى منظمة القلم الدولية بتاريخ 12 ايار 1995: إن عشتُ أو مت، هذا ليس مسألة. يكفــي أن أعرف أن هناك ناسا كرسوا وقتا ونقودا وطــاقة لمحاربة هذا الشر الذي ينتشر حول العالم. وإن لم ينجــحوا اليوم، فسوف ينجحون غــدا. يجــب أن نبقى في توق لجعل العالم مكــانا أفضــل للإنسان. كل واحد يقدم ما باستــطاعته(ها)، بطريقته(ها). أحييكم.
(كاتبة سورية مقيمة في كندا)