صفحات سورية

هل تنجح استعادة سوريا من ايران ؟

null
سركيس نعوم
تفيد المعلومات المتوافرة عند مصادر ديبلوماسية عربية وغربية مطلعة ان للدول العربية المعتدلة، وفي مقدمها مصر والمملكة العربية السعودية، وللولايات المتحدة ولعدد مهم من الدول الاوروبية الفاعلة هدف مشترك هو إضعاف نفوذ الجمهورية الاسلامية الايرانية في المشرق العربي الذي اكتسبته بعد سنوات طويلة من “النضال والشغل والتعب والجهاد والكرم”، فسوريا الاسد صارت منطقة انطلاق اساسية لنفوذ ايران الاسلامية في محيطها، ولبنان صار ساحة لنفوذ ايراني قوي، اولاً بسبب انقسامات شعوبه وغياب دولته شكلاً اثناء الحرب ثم فعلاً بعد انتهائها. وثانياً بسبب نشوء “حزب الله” الشيعي والمقاومة الناجحة التي مارسها ضد الاحتلال الاسرائيلي لاراضٍ لبنانية عدة. وكان لطهران دور مباشر في تأسيس الأول وفي انطلاق الثانية. كما كان لسوريا دور في حماية الاثنين. والاراضي الفلسطينية المحتلة صار بعضها (غزة) ساحة مباشرة لنفوذ ايراني جدي وآخر سوري بسبب العلاقة الخاصة التي قامت بين “حركة حماس” وكل من طهران ودمشق. والعراق صار بدوره ساحة لنفوذ ايران، اولاً لعلاقتها بالغالبية الشيعية من سكانه. وثانياً لاستخدامها امكاناتها في اقامة علاقات حتى مع الجماعات الارهابية التي تقول انها تدافع عن السنة العراقيين. في اختصار استطاعت ايران بنفوذها الواسع والمتشعب هذا خطف قضية فلسطين المحقة والعادلة من العرب والمسلمين، ولا سيما بعدما اظهروا عجزاً فاضحاً اولا عن التحرير الكامل للاراضي المغتصبة وثانيا عن تحرير ما احتل عام 1967 وعن اقامة دولة للفلسطينيين فيها. هذا فضلاً عن ان ايران تجرأت وصار لها جمهور داخل دول عربية كثيرة مثل السعودية والكويت والبحرين والامارات من خلال المواطنين الشيعة فيها، كما صارت لها مرتكزات يمكن استعمالها داخل مصر وعدد من دول المغرب العربي. كل ذلك، تقول المصادر الديبلوماسية العربية والغربية المطلعة، دفع هذه الدول الى موقف سلبي مشترك من ايران هو إضعافها وخصوصاً بعدما صارت خطراً مباشراً عليهم، انظمةً في البداية وشعوباً في مرحلة لاحقة وتحديداً عندما تحول الخلاف السني – الشيعي المزمن الكامن منذ قرون خلافا علنياً بل صراعاً بدأت تستعمل فيه كل انواع الاسلحة، علماً انه لا يزال في بدايته. طبعاً يشارك الاميركيون والاوروبيون الدول العربية المذكورة خوفها من ايران الاسلامية ويتفقون معها على هدف اضعافها في المشرق العربي كما في الخليج ومحيطه، لأن استمرار تصاعد قوتها العسكرية وتحوّلها دولة نووية يمكّنانها مع ثرواتها الطبيعية الضخمة وامكاناتها المالية من السيطرة على المنطقة ونفطها ومن تهديد اسرائيل وفي اختصار من إلحاق اذى كبير بمصالحهم الحيوية والاستراتيجية كما بمصالح العالم.
ما هي الوسيلة التي يستخدمها المذكورون اعلاه من عرب و”اجانب” لاضعاف ايران او للقضاء على نفوذها المتنامي في الشرق الأوسط؟
الوسيلة العسكرية، سواء كانت اسرائيلية أو اميركية لا تزال مستبعدة رغم بقائها على الطاولة الاميركية وان من دون اي ذكر لها على الاقل منذ وصول باراك اوباما الى البيت الابيض، ورغم اعلان اسرائيل انها الأنجع لمواجهة الخطر الايراني. ووسيلة فرض العقوبات لم تنجح في السابق في تحقيق اهدافها لاسباب عدة، منها احاديةُ فَرْضِها والمصالح الاقتصادية المتناقضة للكبار في المجتمع الدولي، وهي لن تنجح الآن او مستقبلاً الا اذا اعتمدها المجتمع الدولي بكباره، أي الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن. ويقتضي ذلك حواراً بين هؤلاء أولاً. ويقتضي ايضاً حواراً بينهم وبين ايران الاسلامية يقررون في نهايته اي وسيلة يعتمدون لإعادة طموحات ايران الى الواقع بعدما حلقت بعيداً في عالم الخيال.
في ظل كل المفصّل اعلاه تبقى هناك وسيلة واحدة يحاول العرب والاميركيون والاوروبيون استعمالها لاضعاف نفوذ ايران في المشرق العربي وتالياً الخليج العربي، هي استعادة سوريا الاسد من ايران. ذلك انها تستطيع ان تزيل أو على الاقل ان تضعف النفوذ الايراني الواسع بل المسيطر في لبنان، والواسع داخل “حماس” وغيرها، ودورها المهم او ربما تفاعلها مع النظام السوري الحاكم. وادعاؤها العجز عن ذلك ليس في محله لأنها هي من ساعد ايران على النجاح في “التوسع” الاقليمي المذكور.
لكن هل استعادة سوريا بالبساطة او السهولة التي يعتقدها العاملون لتحقيقها؟
قطعاً لا، فأول شرط لنجاحها هو في نظر المصادر العربية والغربية المطلعة نفسها حل قضية فلسطين. وليس ذلك بالأمر السهل. وقد يستلزم سنوات هذا اذا استمرت اميركا في التزام العمل لايجاد حل كهذا. وثاني شرط لنجاحها هو موافقة سوريا على الانفصال عن ايران او قدرتها على ذلك. وموضوع القدرة صار مطروحاً لاسباب عدة منها حجم المساعدات الايرانية لسوريا على كل الصعد وحجم التداخل بين النظامين السوري والايراني وكذلك انعكاس الانفصال عن ايران على النفوذ الواسع في لبنان الذي تصر عليه سوريا والذي يستطيع حلفاء ايران، مع اعدائها ربما، والجميع لبنانيون القضاء عليه. اما ثالث شرط لذلك فهو دخول النظام الايراني مرحلة الانهاك او الضعف داخلياً انطلاقاً من الذي حصل بعد الانتخابات الرئاسية الاخيرة ولا يزال مستمرا. فهذا الاستمرار يفسّخ الجدار القوي الذي تستند اليه سوريا الأمر الذي يدفعها الى الانتقال الى جدار قوي آخر تستند اليه. وهذه الشروط مع اخرى كثيرة غيرها ليست سهلة التوافر.
علماً ان المتوافر منها والسهل ربما هو اعادة لبنان الى سوريا في شكل او في آخر في مقابل استعادتها من ايران. وهذا ما كادت ان تفعله السعودية اخيراً بمناسبة تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة. الا ان رد فعل اللبنانيين فرض عليها التراجع عن ذلك.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى