استشراق جديد ومعرفة ركيكة بالعالم العربي
فخري صالح
عدد لا بأس به من الروايات العربية المترجمة إلى اللغات الأساسية في العالم، وكذلك الكتب والدراسات التي تتناول العالم العربي بدأت تظهر في الآونة الأخيرة عن دور نشر كبيرة في الغرب. وهو الأمر الذي يدفع المرء ليتساءل عن سر اهتمام دور النشر الغربية بالأدب العربي خلال السنوات الست أو السبع الأخيرة، وسعي جهات عديدة في العواصم الأوروبية للاهتمام بالثقافة العربية، وتكليف كتّاب من العالم العربي، والمختصين باللغة العربية في تلك العواصم، للكتابة حول تلك الثقافة شبه المجهولة لدى المختصين فكيف بعامة القراء!
تبدو لي الأسباب التي تدعو على سبيل المثال واحدة من دور النشر البريطانية الكبيرة مثل دار بنغوين للتفتيش عن روايات عربية لترجمتها وتقديمها للقارئ في العالم الأنغلوفوني مثيرة للاهتمام إن لم يكن الريبة. فما اختارته تلك الدار، وغيرها من دور النشر البريطانية والأميركية، يقع في باب الأدب الذي يميط اللثام عن باطن المجتمعات العربية خصوصا الخليجي منها، وما يعريها من الداخل على لسان أبنائها بغض النظر عن السوية الإبداعية والطاقة اللغوية الخلاقة والقدرة على إضافة علامة صغيرة إلى ميراث الكتابة الإنسانية.
علينا بالطبع أن لا نغرق في وهم الاعتقاد بأن تلك الدور تركز على الجانب الإبداعي في تلك الأعمال، أو أنها تسعى إلى تقديم الثقافة العربية لقرائها، وتلحظ النقص في الكتب المترجمة من العربية إلى الإنجليزية أو أي لغة مركزية من اللغات الأوروبية. إن ما ينشر ويروج له من أعمال روائية لا يمثل الأفضل فيما يكتب من روايات، سواء في دول الخليج العربي أو في مصر وبقية البلدان العربية، بل إنه يقع في خانة ما يؤكد الصورة النمطية للعربي في المخيال الغربي؛ إنه نوع من الاستشراق الجديد لكن بأدوات مختلفة، وعبر الترجمة هذه المرة، ومن خلال التركيز على ما تكتبه المرأة، وما يغذي في كتابة المرأة تلك الصورة النمطية الشائعة للذكورية العربية المستبدة. وهناك عدد من الكتاب العرب يعرفون تلك الوصفة الرائجة ويقومون بكتابة روايات تغازل ذلك المخيال وتعرف أنها سوف تترجم لذلك السبب لا بسبب تفوقها الإبداعي وطاقتها الخلاقة المتجددة.
هل يخضع الاختيار، في جانب منه، للعبة السوق، وتفضيلات القراء، بحيث تربح دار النشر حين تلبي حاجات تلك السوق؟ بلى، فصناعة النشر تسعى إلى الربح، وثمة ذائقة عامة سائدة تريد أن تغذي خيالها وتركن لما تعرفه عن مجتمعات جرى وصفها في كتالوج الإستشراق من قبل على هيئة معينة يتطلب محوها الكثير من العمل في المؤسسات التعليمية والأكاديمية والإعلامية، وعلى المستويين السياسي والاجتماعي، في الغرب، لكي تتغير. ولهذا فإن السبيل الأسهل هو اللجوء إلى إشاعة الشائع، وتكريس المعرفة الركيكة بالعالم العربي. وتلك مهزلة تجعل من الفهم المتبادل في جو الاحتقان الحضاري والسياسي المحتدم بين الغرب والمنطقة العربية شبه مستحيل.
ما أقصد قوله لا يتصل بحفنة من الروايات تجري ترجمتها والترويج لها من قبل عدد من دور النشر الغربية، سواء كانت تلك الدور صغيرة أو كبيرة، مؤثرة أو غير مؤثرة، بل إنه يتصل بحالة الشحن المستمرة للوعي الغربي في هذه المرحلة المعقدة الخطيرة من التصادم بين عالمين وحضارتين يرغب بعض المنظرين، ممن يتسم عملهم بالضحالة والفقر البحثي والرؤية قصيرة النظر، مثل صمويل هنتنغتون ومقتبسيه من المحافظين الجدد لا في أميركا وحدها بل في العالم الغربي بمجمله، أن يؤججوا الصراع فيما بينهما. ويبدو أن ما تتم ترجمته يخدم في بعض الأحيان تلك الأجندة من تأجيج الصراع، ويعيد إلى الذهن قولة الشاعر الإنجليزي روديارد كيبلنغ «الشرق شرق والغرب غرب، ولن يلتقيا».
قد يكون في هذا التصور بعض المبالغة، أو أنني أحمل الترجمة أكثر مما تحتمل. لكن تلك المسألة تقع في باب السياسة والاستراتيجية وليست مجرد ترجمة للآداب، فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بات الغرب عامة، وأميركا خاصة، يتطلع إلى معرفة العرب والعالم العربي بشتى الأشكال والطرق. ومن بين الكُوى التي حاول فتحها في هذه المنطقة الغامضة بالنسبة إليه كان «الأدب» الذي قد يوفر وصفاً أكثر دقة وعمقا من كتب التاريخ والسياسة. هذا يدل على أن الغرب يريد أن يعرفنا لكي يفسر بطريقته أسباب الاحتكاك العنيف بين الغرب والشرق ويتعرف على طبيعة التربية الاجتماعية التي تخرج (إرهابيين) محتملين! ورغم أننا لا نوافق على هذا النوع من التلصص على المجتمعات من خلال الأدب، إلا أن ذلك يفسر لنا لماذا يترجم الأدب العربي إلى بعض اللغات الغربية بصورة متواترة هذه الأيام، ولماذا تتغلب الغايات الأنثروبولوجية والسوسيولوجية على الغايات الإبداعية والرغبة في التعرف الحقيقي على الأدب العربي في الوقت الراهن.
كاتب من الأردن
جريدة أوان