جدل ‘اسمهان’ يذكّر بمشكلة ‘نزار قباني’: فتش عن الفلوس!
حكم البابا
يحدث اليوم للمسلسل الذي يتناول حياة المطربة السورية الأصل ‘أسمهان’ ماسبق وحدث قبل عامين وبنفس الحدة تقريباً للمسلسل الذي تناول حياة الشاعر ‘نزار قباني’، ويكاد سياق الأحداث المتشابهة بين المسلسلين يعيد نفسه بشكل متطابق تقريباً، بدءاً من غضب أقرباء الشخصيتين بسبب عدم استئذانهم أو اعتراضاتهما على الطريقة التي تم عبرها تناول الشخصيتين العامتين، وهما بالتالي يريدان فرض نوع من الرقابة والفلترة على الأحداث التي سيتناولها العمل الفني، أو بسبب تجاهلهما مادياً باعتبار أن صلة القربى والدم تمنحهما حقوق احتكار حياة الشخصيتين الشهيرتين، والحصول على مقابل مادي في حال موافقتهما على انجاز عمل فني يتناول حياتيها، وصولاً إلى تبادل الاتهامات الاعلامية ورفع الدعاوى القضائية على الجهة المنتجة، وهما بالمناسبة جهتان انتاجيتان مختلفتان لكنهما متطابقتان في ردة الفعل التي تكاد تكون واحدة على أقرباء الشخصيتين، بدءاً من تذرعهما بحجة أن تناول حياة الشخصية العامة مباح ومتاح للجميع انطلاقاً من كونها شخصية عامة لم تعد ملكاً لعائلتها، وانتهاء بأن العمل الفني الذي قاموا بانتاجه هو محاولة لتقديم صورة فيها كل الاحترام للشخصية العامة التي يتناولون سيرة حياتها. مشكلة مسلسل ‘أسمهان’ ومن قبله مسلسل ‘نزار قباني’ أنها تحتمل الجدل، فبطريقة ما كلا الفريقين ـ أقرباء الشخصية العامة والجهة المنتجة للعمل الفني الذي يتناول سيرتها ـ يملكان منطقاً قادراً على الاقناع، ويستطيع أن يؤثر في جزء من الجمهور، فمن حق أقرباء أسمهان كما كان من حق أقرباء نزار قباني معنوياً أن يؤخذ رأيهم في حياة المطربة والشاعر، لأنهم كانوا أقرب الناس إليهما وبالتالي فهم الأكثر قدرة على تقديم الصورة الأكثر شبهاً بشخصيتيهما الحقيقيتين، ويستطيعان إغناء العمل الفني بتفاصيل عن سلوكهما، وتقديم التفاسير الأقرب للواقع لكل أفعالهما، لكن بالتأكيد من دون أن يعني ذلك التدخل لحذف أو إضافة صفات أو علاقات غير حقيقية تخص المطربة والشاعر، في محاولة منهما لتكبير وتوسيع هالة القداسة التي تحيط بالشخصيتين وشطب أية مساحات سوداء أو يخيّل لأقربائما بأنها سوداء من حياتيهما، كنفي علاقة أسمهان الملتبسة بعالم السياسة والمخابرات، أو حذف دنجوانية نزار قباني على سبيل المثال.
ومن حق أقرباء أسمهان كما كان من حق أقرباء نزار قباني أن يحصلوا على تعويض مادي مجز يناسب الأجور التي تدفع في الانتاج التلفزيوني، مثلهما مثل أي صاحب رواية تتحول إلى نص تلفزيوني إن لم يكن أكثر، فجزء كبير من سهولة تسويق المسلسل يعتمد على اسم وشهرة صاحب الشخصية التي يصور حياتها، ولأن العمل التلفزيوني هو عمل تجاري وربحي بالدرجة الأولى وإلاّ ماكان تجار اللحوم وباعة البطيخ قد دخلوا ميدانه واستثمروا أموالهم فيه، ومادفعوا الملايين إلاّ ليحصلوا على أضعافها، وفي هذه النقطة يختلف المسلسل التلفزيوني عن كتاب يؤلف عن حياة أو في نقد شخصية عامة ما، ويستطيع كاتبه نشره دون استئذان أقرباء تلك الشخصية أو الالتزام بأية حقوق مادية تجاهها.
ما لاتعترف به جهات الانتاج الفنية التي تقدم على انتاج مسلسل عن شخصية عامة عادةً هو الحقوق المعنوية والمادية (وهذه الأخيرة هي الأهم) لأقرباء تلك الشخصية، ورغم إدعاءاتها على الشاشات وفي الصحف بأنها اختارت انتاج مسلسل عن شخصية عامة ما من منطلق احترامها وتقديرها لقيمة ومكان وانجازات هذه الشخصية، إلاّ أنها وعند أول نقطة خلاف مع أقرباء الشخصية، والذي غالباً مايكون مادياً، تكشّر عن أنيابها في وجوههم، وتفرش لهم الملاية وتبدأ بالردح واللطم، بدون أدنى اهتمام أو احترام على الأقل لصلة القرابة التي تجمعهم بالشخصية التي يروي سيرتها المسلسل.
في النهاية ورغم أي خلاف بين جهة انتاج تقدم مسلسلاً عن شخصية عامة وأقرباء تلك الشخصية ما يهم المشاهد هو رؤية عمل فني مميز، مثل الذي كتبه محفوظ عبد الرحمن عن ‘أم كلثوم’، وعندها لن يهمه ماإذا كان أقرباء السيدة أم كلثوم قد اختلفوا مع الجهة الانتاجية أو المؤلف أو المخرجة، لكن عندما يعرض عمل بالسوء والرداءة اللذان عومل بهما شاعر كبير كنزار قباني، على يد كاتب سيناريو من الدرجة العاشرة كقمر الزمان علوش ومخرج مفكك كباسل الخطيب (وكلاهما يملكان تصوراً مزيجاً بين السياحية والعدوانية عن البيئة الدمشقية) في المسلسل الذي حمل اسم ‘نزار قباني’، يصبح الحديث عن الخلاف بين عائلة نزار قباني والجهة المنتجة للمسلسل أهم وأكثر صخباً من الحديث عن المسلسل نفسه، وهو مالا أرجوه لمسلسل ‘أسمهان’! ملائكة وشياطين أول فكرة خطرت لي وأنا أتجول في دراما رمضان الدينية هي أنه إذا كان سكان هذه المنطقة من الأرض بالسمو الأخلاقي والصفات الملائكية والنبل الفروسي التي تقدمهم بها المسلسلات الدينية، فلماذا خص الله منطقتنا بعدد كبير من الأنبياء والرسل وبثلاثة أديان سماوية تحوي كمّاً كبيراً من أوامر النهي والزجر والتحريم، ومايفوقه من صيغ التهديد والترهيب والوعيد، وما يزيد عنهما في وصف أشكال وأنواع وطرق التعذيب والعقاب، ولماذا حدثت بين أبناء البطن الواحد والدين الواحد معارك طاحنة ومخزية واجه فيها الابن أباه، وصفّت الأم ابنها، وقتل الشقيق شقيقه، ليس في سبيل نشر الدعوة، أو إعلاء كلمة الله، وإنما بحثاً عن مغنم، أو طموحاً إلى سلطة، أو رغبة في حكم. وأول سؤال وجهته لنفسي وأنا أمرّ على دراما رمضان التاريخية هو أنه إذا كان أعداء العرب روماً أو فرساً أو أتراكاً في مسلسلات التاريخ البعيد، أم أوروبيين أو إسرائيليين في مسلسلات التاريخ القريب، يظهرون في الدراما العربية شخصيات كاريكاتورية تستحق الرثاء، مضحكة وماجنة لا همّ لها إلا شرب الخمر وملاطفة النساء ، فكيف تسنى لهم على اختلاف أنواعهم احتلال منطقتنا وحكم شعوبها لعقود (وبعضهم لقرون)، وإذا كانوا فعلاَ بهذه الصورة الكاريكاتورية التي يظهرون بها في مسلسلاتنا واستطاعوا حكمنا فما الذي كانت عليه صورتنا الحقيقية إذاَ!؟
كاتب من سورية
القدس العربي