فلنتفرج دائما على مسلسل *معاناة المجردين من الجنسية
لافا خالد
تعودت الكتابة دائما عن قضية الكرد المجردين من الجنسية علني مع من يشاركني ثقل المصيبة أن ندفع الصمت تجاههم قليلا , مع يقيني إن الحديث أو الكتابة في الموضوع كالسباحة في مياه راكدة ويبدوا أنه ما عاد أحدى يرى أو يسمع بالقضية إلا في يوم مناسبة الذكرى فقط , فكثيرون سبقونا الكلام وثمة من سيلحق بنا ليكتب في ليل كاحل عن هذا الجرح الأسود الذي يوشم جباه الجميع الذين أبوا إلا أن يصمتوا ويصمتوا ومن ثم يصمتوا وبحكم إن المشكلة تلامسني شخصيا فمتابعتي لها منذ سنوات الطفولة وليومنا هذا ولكني سأغير العادة مثلهم فربما لهم الحق فقد سئموا من هذا المسلسل الطويل , سأفعل مثلما يفعل الجميع , هذه السنة سأصمت واقف في موقف المتفرج وأجرب متعة المشاهدة و التلذذ بآلام الآخرين وطبيعي أنني لن أحيد بمشاعري خارج أسوار القضية وبحكم ذلك سأتوجه بالسؤال الكبير للجمهور العريض الصامت :
ما شعوركم بعد هذه العقود من التفرج بصمت على معاناة الكرد المجردين من الجنسية ؟ ماذا لو تبادلت الأدوار وكنت أنت المعني مباشرة لا جنسية لك ولا هوية ولا انتماء وأطفالك تائهون في مهب المستقبل المجهول ؟ كيف تقرأ الحدث بعد 47عاما ؟ هل حقا يعني لك شيئا ؟ أما تكفي عقوبة 47 عاماً من سلب وانتهاك كل الحقوق والمعايير الإنسانية لمعاناة الكرد المجردين من الجنسية بموجب الإحصاء المشئوم 1962 , أما يكفي هذا الموت البطيء والسريع والاستثنائي لمئات الآلاف من الكرد الذين يعيشون في عالم البرزخ إلى حين الخلاص الذي لايبدوا له من نهاية ؟ وأما يكفي أيضا معاناة هؤلاء الناس الذين فقدوا معنى الإحساس بأنهم ينتمون لهذا الكوكب الغير آدمي, نتيجة فقدانهم أبسط حقوق البشر, وبالتالي الحرمان من كافة الحقوق الإنسانية كحق الانتماء ومن ثم حق العمل وحق التملك وحق الانتخاب والترشيح وحق السفر والعودة للوطن وحتى حق النزول في فندق وإلى متى نستمر نحلم ونحلم لنستيقظ على آلام ووعود طال انتظار تنفيذها ؟
أيها المتمدنون : هل تعلمون إنه وبسبب القوانين الناظمة عن الإحصاء أوجد التزاوج بين فئة المجردين من الجنسية ومن يملكون الجنسية نتج عن ذاك التزاوج فئة “المكتومين” إذ لا تسجل ولادات المجردين من الجنسية في سجلات المواطنين ولا في سجلات الأجانب، وبالتالي لا يحمل هؤلاء أية وثيقة رسمية تشير لوجودهم، ويقدر تعداد المجردين من الجنسية وفئة البدون اليوم بمئات الألوف
ألا يكفي تضاعف وتفاقم مأساة هؤلاء المهمشون في الأرض ف باتت هذه المعضلة والكارثة الإنسانية عبئا كبيرا كبيرا على أصحاب القضية نفسها وعلى المجتمع السوري برمته ووصمة عار على جبين مجتمع دولي ليس متمدناً أبدا ؟
ألا يكفي استمرار هذه المظلمة الكبيرة بحقنا وكأننا بشر من مرتبة عاشرة أو كإننا بشر التقطهم هذا المجتمع على قارعة طريق ما ؟ لما لم يعد أحدا يفقه بأن استمرار معاناتنا يشكل خرقا فاضحا للأعراف الدولية وانتهاكا صريحا لحقوق الإنسان بما يتنافى مع لوائح حقوق الإنسان والقانون الدولي وكافة الأعراف الدولية ؟ لما سكتت الأحزاب الكردية دهرا ولم تنطق بحقنا حتى كفراًكما عادتها ؟ ليتنا نفهم أولوياتهم لأجل القضية وترتيبنا في أجندة القضايا التي يتحركون لأجلها إن كانوا يتحركون أصلا ؟ أما يكفيهم البيانات التي تشجب وتشجب وفقط تشجب ؟ ماذا لو كان واحدا منهم فقط أجنبيا أو مكتوم القيد ؟ تراه هل وقف مكتوف الأيدي كما يقف الجميع الآن باستثناء التذكير بالحدث في يومه المشئوم فقط؟ لما يستهزئ الجميع بما نعاني ؟ نعم يستهزؤون ولو لم تكن هي الحقيقة بعينها لكانت القضية قد وجدت لها بوابة للحل و إلا لما تعاملوا مع هذه الفئة على أرض الواقع بحسابات كثيرة مدروسة في نظرة تنقيص وشفقة وكإننا نحمل العار لأننا مجردون من الجنسية ؟ لما هذا الاستطراد من الحكومة ولما هذا الصمت من الأحزاب والمثقفين والناس عموما ؟ انتظرنا بثقة كبيرة بعد خطاب الرئيس في أداء القسم بحل ما لموضوع الإحصاء ؟ ماذا الآن و اللا حلّ يقتحم كل تفاصيل حياتنا لا بل تتفاقم الأعباء يوما بعد آخر في صور مأساوية لا يتحملها اعتي الرجال والكرد المجردين من حقوقهم ينتظرون الفرج ولو جاء من ثقب إبرة ؟ أما يكفي الأسى الذي تعيشه كل عائلة كردية وجدت نفسها بين عشية وضحاها مجردين من كافة حقوقهم المدنية وتأزمت مأساتهم في مختلف التفاصيل ؟ أليس العار بعينه حينما جردوا الجنرال توفيق نظام الدين وهو المناضل الذي خدم سورية حتى الرمق جردوه تعسفا من جنسيته وهو رئيس الأركان العامة سابقاً في سورية وكذلك شقيقه عبد الباقي نظام الدين وهو وزير ونائب سابق، والأمر نفسه بالنسبة لعائلة إبراهيم باشا الملي، علماً بأن عميد العائلة كان أحد أعضاء المجلس التأسيسي للبرلمان السوري عام 1928, أليست الفضيحة بعينها آباء مجنسون والأبناء مجردون منها والعكس ؟ وهناك أشقاء توزعوا بين حملة جنسية ومجرّدين منها ضمن الأسرة الواحدة
أيها العالم الذي يدعي التمدن هل تعي كل ذلك ماذا لو عشت بيننا يوما واحدا مجردا من كل حقوقك ؟؟؟؟؟؟؟
أيها المتمدن استيقظ فغفلتك طال انتظارها انهض واسمع وتحسس بيوميات مجرد من الجنسية فنحن لا يحق له تملك بيوتنا وعقاراتنا ومحلاتنا إن وجدت , وإن تمكنا من شراء عقار ما فلا قانون يحمي ما نملك وبالتالي سنسجله باسم سوري مجنس ربما نعرفه وربما لا وربما يتكرم علينا بحقنا حينما المطالبة وربما لا والقانون معه لأن ممتلكاتنا بيده ومسجلة باسمه ؟ انهض أيها العالم الراقي !!!!!! فشهاداتنا العلمية تنفع لأي شيء إلا أن تكون مصدرا لرزقنا ومعيشتنا هي شهادة التعاسة و الحرمان عبثا من الوظيفة و الانتساب إلى النقابات التي تمنح تراخيص العمل مثل الطب والهندسة والمحاماة والصحافة وغيرها فيترك اغلبنا شهادته في إحدى الرفوف تتغبر وتتغبر لنعمل في مختلف الأعمال حتى ولو كان الواحد منا حاصلا على أعلى شهادة جامعية ؟ ثم أيها العالم المتمدن فبحكم الوثائق التي يحملها المجرد من الجنسية لا يمكننا السفر لخارج القطر فالبطاقة الحمراء ممهور عليها بأنها غير صالحة لوثائق السفر وخارج القطر مهما كانت غاية السفر حتى ولو كان بغرض التداوي من مرض قاتل فنحن في عزلة كاملة عن العالم ؟ أيها المتمدنون حصارنا لا يبدأ بحرماننا من تملك بيوتنا وتسجيل ممتلكاتنا على أسماء غيرنا إنها تقتحم كل جزئية في لحظاتنا اليومية , يتهموننا بالتسلل خلف الحدود والوثائق تثبت أصالتنا على أرضنا مع التأكيد بأن احد ما لا يمكنه إثبات إن الكرد المجردين من الجنسية نزحوا من ارض أخرى إلى سورية وإن كان كذلك افتراضا أليس قانون الجنسية السوري يؤكد على حق الجنسية لكل السوريين لما يستثنون الكرد من معادلة الحياة الكردية ؟ ألم يكن بالإمكان قبولهم كلاجئين ومنحهم وثائق إقامة مؤقتة توضح جنسيتهم الأم أو الاتصال بالدول التي قدموا منها والتفاوض حول إعادتهم إليها لو ثبت ادعائهم المزعوم أو وضع الأمر برسم الهيئات الدولية لتبحث في قضيتهم بغية إيجاد حلول سريعة لأزمة وكارثة إنسانية طال البت فيها وإيجاد حل لها , ومع كل تلك المظالم والحرمان من ابسط الحقوق ولعقود طويلة لم يطالب المجردون من الجنسية سوى بمرسوم جديد يلغي الإحصاء الاستثنائي بكافة مفاعيله . قضية المجردين من الجنسية محرقة إنسانية تفاقمت فصولها وأرقامهم تتضاعف يوما بعد آخر في أخصب منا طق سوريا اقتصاديا والمهمشة في مفاصل مختلفة والتي تحتاج إلى إعادة عملية تنمية شاملة حيث النفط والزراعة في وقت الكرد المجردون من الجنسية محرومين من الانتفاع بالأراضي من تملك ارض بسيطة في امتداد محافظهم الشاسعة يعانون البؤس بمختلف صنوفه , إن استمرار إهمال هذه الفئة بات يشكل خرقا فاضحا للأعراف الدولية وانتهاكا صريحا لحقوق الإنسان بما يتنافى مع لوائح حقوق الإنسان والقانون الدولي وكافة الأعراف الدولية
قد يبدوا الحديث مرارا وتكرار في قضية الكرد المجردين من الجنسية خبرا إعلاميا بائتا وربما مملا للكثيرين , فقضية عمرها 46 عاما قد تبعث في نفس أي أحد هذا الشعور وربما قد تفقده شعرة معاوية ليتمسك بحلم إنه سيتساوى بغيره حتى وإن كان عمر الأزمة عقودا , ولكن من ييأس ويمل فلن يمل أصحاب القضية نفسها هم سيقولون لكل المذنبين ممن استمروا لعقود يتفرجون على مسرحية هزلية تراجيدية اسمها المجردون من الجنسية منذ 1962:
شكرا للجميع أحسنتم الإنصات كنتم متفرجين مميزين
شكرا لهذا الصمت المهيب ولعقود طويلة ؟ شكرا للوعود الكثيرة
شكرا للجميع لأنكم تحسستم بنا قليلا على الأقل تفرجتم ولا يزال عندكم حلقات وأجزاء كثيرة وكثيرة قضية
شكرا لكل من عاش ينتقل بالطائرات الحديثة ويقيم في أفخم الفنادق ويقول لنا إنه تذكرنا في إحدى المؤتمرات التي لم نسمع بها ولم يفعلوا لنا شيئا
أما انتم أيها الجرح الذي طال نزفه
أيها المنتمون لعالم الصديقين والأوفياء المخلصين في حب الوطن
أيها المعذبون في عالم ادعى التمدن: لا تثقوا بأحد , أما يكفي العقود الطويلة من الأسى والكل كان تاجرا رابحا بآلامنا ؟؟
( عذرا المادة منشورة سابقا مع تغيرات طفيفة )
خاص – صفحات سورية –