صفحات العالمما يحدث في لبنان

دمشق لن تقبل “رئاسة” الحريري إلا إذا “روّضته”

سركيس نعوم
لن تقبل سوريا بشار الاسد زعيم تيار “المستقبل” النائب سعد الدين الحريري رئيساً لحكومة لبنان. هذا ما يعتقده لبنانيون قريبون جداً من دمشق. اما اسباب هذا الموقف فكثيرة في رأيهم. منها اقتناعه واقتناعها بأن هناك ملفاً خاصاً وشخصياً بينهما كبيراً بفحواه وهو لا يزال من دون حل. وما لم يطو هذا الملف برضا الطرفين أو بحكم قضائي دولي أو بتسوية – صفقة اقليمية – دولية فإن الأمل في قيام تعاون بينهما يبقى ضئيلاً بل معدوماً. ومنها ايضاً اقتناعها (أي سوريا) بأن الرئيس المكلف يتبنى مبدأ لبنان أولاً. ويناقض ذلك استراتيجيتها القائمة منذ المؤسس حافظ الاسد على ان لبنان جزء من سوريا لا بد من استعادته واذا تعذر ذلك فلا بد من احتوائه والسيطرة عليه وادارته سواء مباشرة أو بواسطة “الحلفاء” فيه. ومن الاسباب أيضاً الظروف الاقليمية والدولية الصعبة التي واجهتها سوريا وخصوصاً منذ أواخر عام 2004 بسبب لبنان والتي لا تزال صعوبتها قائمة، رغم النجاحات التي حققتها على صعيد تخفيف عزلتها الدولية والعربية. طبعاً كان لبنان قبل سنوات العنوان الأول للصعوبات السورية. أما الآن فقد تحوّل العنوان الاول للصعوبات الى التحالف السوري – الايراني والدور السوري المعطل في العراق والرعاية والدعم اللتين توفرهما سوريا لـ”حزب الله” اللبناني و”حماس” الفلسطينية. ومن الاسباب كذلك حرصها (اي سوريا) على تكريس واقع داخلي جديد في لبنان وان مخالفاً للأعراف والدستور والقوانين تكون السيطرة فيه لحلفائها الثابتين وسيبقى ذلك متعذراً بوجود الحريري على رأس السلطة التنفيذية لأنه سيبقى متمتعاً بدعم “شعبه” وحلفاء هذا “الشعب” وبدعم مصر والسعودية واميركا واوروبا. اذا كان هذا الاعتقاد للقريبين جداً من دمشق في محله فلماذا قبلت القيادة السورية تكليف الحريري تأليف الحكومة الجديدة؟
لأن الغالبية النيابية المنتمية الى فريق 14 آذار في مجلس النواب السابق استمرت غالبية في المجلس الجديد بعد انتخابات حزيران الماضي مخالفة بذلك توقعات سوريا وايران وتوقعات حلفائهما اللبنانيين المبنية على العواطف كما برهنت النتائج. وفي جو كهذا لا يمكن رفض الحريري رسمياً في رئاسة الحكومة. لكن ما يمكن هو تطويعه بالعواطف واغراقه بالشروط التي تجعل من رئاسته للحكومة رئاسة شرفية وتعطي سوريا وحلفاءها فيها حق الفيتو او التعطيل عند الحاجة.
وما يمكن ايضاً هو استغلال المصالحة العربية – العربية وتحديداً السورية – السعودية المرتجلة للحصول على مباركة من الرياض لطروحات معينة ظاهرها مفيد لأنه يؤدي الى تأليف الحكومة وباطنها مؤذ لأن الحكومة التي يُدفع في اتجاه تأليفها ستكون حكومة عاجزة عن الحكم ومعطلة الا اذا قبل رئيسها ووزراؤه فيها السير في الخط السوري مباشرة أو في خط حلفاء سوريا اللبنانيين.
طبعاً لا يبدو حتى الآن ان الطريقة المشار اليها اعلاه نجحت في تحقيق سوريا اهدافها مع انها حققت معظمها مثل صيغة 15- 10- 5 والثلث المعطل وان مقنعاً بـ”ارادة” الجميع. ذلك ان الرئيس المكلف لا يزال يحاول انقاذ ما يمكن انقاذه والمحافظة على ماء الوجه من خلال رفض الشروط التعجيزية للعماد ميشال عون التي تبنتها 8 آذار بقيادة “حزب الله” والتي من شأن قبولها جعل الحكومة تحت رحمة سوريا مئة في المئة ومن شأن رفضها تعطيل التأليف وتمهيد الطريق لدفع الرئيس المكلف الى الاعتذار سواء بخضات داخلية أو بعودة دمشق والرياض الى تفاهم جديد يكون هذه المرة على حساب الحريري. ويبدو ان هناك من يتوقع ذلك من بين الطامحين الى رئاسة الحكومة وخصوصاً الذين يعتقدون ان تفاهم “سين – سين” كما يسميه الرئيس نبيه بري يضاعف من حظوظهم الرئاسية الحكومية.
هل يعرف الرئيس المكلف سعد الحريري هذه “الحقائق”؟
لا شك في انه يعرفها، يجيب قريبون من اوساطه، لكنه يحاول مواجهتها و”القوطبة” عليها برمي “الطابة” الحكومية عند اخصامه وحتى عند “حليفه” أو على الاقل عند “المحايد” رئيس الجمهورية ميشال سليمان. ذلك انه لا يستطيع ان يتحمل “تهمة” العجز عن المبادرة الى تأليف الحكومة. وقد بدأ معارضوه يتداولونها، وقد يعممونها سياسياً واعلامياً. كما انهم قد ينجحون في اقناع غالبية الناس بها. وقد تكون المواجهة بوضع الحريري تشكيلة حكومية يراها الانسب في ضوء مشاوراته المستمرة منذ اكثر من شهرين وبرفعها الى رئيس الجمهورية للتشاور والاصدار وفقاً لنص الدستور. واعتماد اسلوب من هذا النوع يعني ان التشكيلة هي حكومة أمر واقع اذ لو كانت حكومة ائتلاف وطني أو وحدة وطنية أو توافق وطني لكان تم اخراجها بطريقة أخرى وبطبل وزمر. وحكومة الأمر الواقع تعني ان واضعها لم يأخذ في الاعتبار موافقة الاطراف الاساسيين كلهم عليها او قبولهم بها. ومن شأن ذلك ان يعرضها للانفراط اذا وقّع رئيس الجمهورية مراسيمها او للإهمال إذا لم يوقع مراسيمها. وهي ستؤذي في الحال الاولى الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية. وفي الحال الثانية الرئيس المكلف، كما انها ستؤذي البلاد في كل الاحوال. لهذا السبب فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل يقدم الحريري على هذه المغامرة؟ علماً ان بعضاً من فريق 14 آذار لا يعتبرها كذلك، وإن كان الهدف منها هو تبرئة نفسه من تهمة العجز وعدم المبادرة والخربطة. والجواب عن ذلك غير موجود عند أحد الا ان القريبين من اوساطه يقولون ان البعض استنتج ان امراً كهذا قد يحصل من خلال تجاهل كلامه العام في الايام القليلة الماضية. ولكنهم يقولون ايضاً ان نجاح خطوة حكومة الامر الواقع تحتاج الى موافقة ضمنية من الذين يقولون من داخل 8 آذار ان عقدهم انحلت كلها باستثناء عقدة عون. فهل هذه الموافقة ممكنة؟ والجواب هو جزماً كلا. على الأقل حتى الآن.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى