98 بالمئة من القراء السويديين لا يعرفونه! الكاتب الفرنسي لوكليزيو يفوز بـ ‘نوبل’ لتنوع اعماله وفرادتها
خالد احمد وتوفيق رباحي
ستوكهولم ـ لندن ـ ‘القدس العربي’ اعلنت الاكاديمية الملكية السويدية منح جائزة نوبل للآداب 2008 الى الفرنسي جان ماري غوستاف لو كليزيو الذي كان مرشحا لهذه الجائزة بين اسماء عديدة اخرى اكثر شهرة، من بينها الروائي المكسيكي الشهير كارلوس فوينتس.
وتسويغاً لهذا الاختيار الذي قوبل بالاستغراب اعلن هوريس انغدال ظهر أمس الخميس من مقر الاكاديمية السويدية في الجزء القديم من العاصمة ستوكهولم، ان الأكاديمية الملكية السويدية قررت منح الجائزة للاديب الفرنسي لوكليزيو على مجموعة كتاباته ‘الإبداعية’ في أدب ‘المغامرات’، و’الأطفال’ وما كتب من مقالات. واضاف: ان اللجنة اختارت ‘كاتب الانطلاقات الجديدة والمغامرة الشعرية والنشوة الحسية ومستكشف الروح الانسانية ما وراء الحضارة السائدة’.
نشر لوكليزيو حتى الان 40 كتابا، بينها كتب للأطفال ‘ لولابي – 1980’ و ‘بالابيلو – 1985’ لكنه اشتهر عالم 1980 في اعقاب نشره رواية ‘الصحراء’ التي اعتبرت الاكاديمية السويدية انها تقدم ‘صورا رائعة لثقافة ضائعة في صحراء شمال افريقيا’. غير انه بدأ الكتابة في بداية الستينات، وكان أول ما نشر ‘المحضر الرسمي’.
ولد جان ماري غوستاف لوكليزيو في مدينة ‘نيس’ 1940 بجنوب فرنسا، لأب بريطاني من أصل فرنسي. انتقل وهو طفل الى نيجيريا وعاد بعد سنتين الى فرنسا وهو في سن العاشرة. وترعرع بين لغتين الانكليزية والفرنسية. غير ان طموحه الأول كان أن يكتب بالانكليزية.
نُقل عنه في شبابه انه شعر دائما بمسافة بينه وبين اللغة الفرنسية حتى انه عندما بدأ ‘الكتابة للآخرين’ كان يعيش في بريطانيا، معتقدا انه سيبدأ النشر بالانكليزية. غير ان قضية سياسية دفعت به نحو ‘الفرنسة’ اذ اعترض على احتلال البريطانيين لجزر موريس التي هاجر اليها أجداده، لكنه عبّر عن رفضه باللغة الفرنسية التي كان يصفها باللغة اللقيطة. غير انه لم يشعر بالالتحام مع فرنسا والفرنسية مصرا على انه ‘متوسطي’ (من البحر الأبيض المتوسط).
في احدى مقابلاته الصحافية مع كاثرين أرغان قال ‘أنا ابن جزيرة، واحد من شاطئ بحري ينظر الى المراكب تعبر وهو يجر قدميه في الموانئ مثل رجل في مدينة لكنه ليس مدنيا وليس ابن حي معين.. بل من كل المدن ومن كل الاحياء.. اللغة الفرنسية هي بلدي الوحيد، المكان الوحيد حيث أسكن’.
عاد سنة 1981 الى جذوره الموريسية عبر رحلة إلى جزر موريس. وعن ذلك، يمكن قراءة عبارة في ‘رحلة إلى رودريغس’ التي صدرت بعد خمس سنوات: ‘حتى اللحظة الأخيرة أشعر بهذا الدوار، كما لو أن كائناً ما انسل إلى داخلي.
ربما لست هنا إلا لهذا السؤال، السؤال الذي فُرض أن يطرحه جدّي على نفسه، هذا السؤال الذي هو أصل كلّ المغامرات وكل الرحلات: من أنا؟ أو بالأحرى: ماذا أكون أنا.’ وقد أنتجت هذه العودة العديد من الأعمال لعل أهمها ‘الباحث عن الذهب’ (1985) ‘رحلة إلى رودريغس’ (1986) ‘العزلة’ (1995).
عاش لوكليزيو جوالا متنقلا بين الدول والمدن، واشتغل بالتدريس في جامعات عديدة في بانكوك، مكسيكو سيتي، بوسطن وغيرها.
وقد سبق ان حظي بجوائز تقدير أدبية في فرنسا منها جائزة لاربو 1972، وجائزة جان جينيه 1997.
من كتب لوكليزيو الاربعين ترجم الى السويدية 15 كتابا. وفي استطلاع للرأي أجراه موقع صحيفة ‘مترو’ السويدية على الانترنت، مباشرة بعد اعلان اسم الفائز بجائزة نوبل، اتضح ان 98 بالمئة من القراء السويديين ـ وهم قراء بامتياز ـ لم يسمعوا قط باسم غوستاف لو كليزيو!
تبلغ قيمة الجائزة، التي يحصل عليها للمرة الأولى كاتب فرنسي منذ عام 1985، عشرة ملايين ‘كرون’ سويدي، أي ما يعادل نحو مليون و420 ألف دولار أمريكي، وسوف يقام في هذه المناسبة حفل في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) الجاري حيث يصادف ذكرى رحيل مؤسس الجائزة العالم السويدي ألفريد نوبل عام 1896.
ومن الأسماء التي تردد أنها كانت مرشحة لنيل الجائزة: الروائية الجزائرية آسيا جبار، الهولندي سيس نوتبوم، الكندية مارغريت أتوود، التشيكي أرنوست لوستيغ، المكسيكي كارلوس فوينتس، إضافة إلى الروائية الألمانية ذات الأصول الرومانية هيرتا مولر، والشاعر الكوري كو أون .
وللوكليزيو علاقة جيدة مع العالم العربي خصوصاً، شمال افريقيا. وقد شارك في لجنة تحكيم جائزة الأطلس الكبير الفرانكوفونية المغربية.
‘صدمة المكسيك’
نشر لوكليزيو عام 1963 روايته الأولى ‘المحضر الرسمي’ التي حصلت على جائزة رنودو. وحصل عام 1964على دبلوم الدراسات العليا، بعد أن أنجز بحثاً حول ‘العزلة في أعمال هنري ميشو’. ثم أصدر عام 1965 كتابه الثاني ‘الحمى’ الذي كان عبارة عن تسع قصص عن الجنون.
كان عام 1967 عاماً حاسماً في حياته الشخصية والأدبية، حيث أدى خدمته العسكرية في بانكوك من خلال نظام مهام التعاون، غير أنه أرسل فيما بعد إلى المكسيك بعد أن تمّ طرده من بانكوك بعد إدلائه بأقوال لصحيفة الفيغارو عن دعارة الأطفال في تايلند. غير أن اكتشافه للمكسيك كان صدمة حقيقية، حيث بدأ بالعمل على تراث الهنود الحمر. فقد شارك لوكليزيو ما بين 1970 و1974، الشعوب الهندية في مقاطعة دارين البنمية حياتها، وكتب عن هذه التجربة قائلا :’إنها صدمة حسية كبيرة، صعبة، كان الجو حاراً، وكان عليّ أن أمشي مسافات طويلة على الأقدام. كان عليّ أن أصبح خشناً، صلباً. منذ تلك اللحظة، اللحظة التي لامست فيها هذا العالم لم أعد كائناً عقلياً. أثرت هذه اللاعقلية فيما بعد في كلّ كتبي’.
وهكذا يكرس لوكليزيو العديد من الكتب حول المكسيك والهنود الحمر منها ترجمات عن النصوص القديمة ‘نبوءات شيلام بالام’ (1976) ‘علاقة ميشوكان’ ‘الحلم المكسيكي’ (1985) ‘أغاني العيد’ (1997) ديغو وفريدا (1994).
ما بين عام 1978 و1979، أصدر لوكليزيو ‘المجهول على الأرض’، و’موندو وقصص أخرى’ الذي حقق نجاحاً كبيراً في المكتبات، وفي ذات الفترة أصبح عضواً في لجنة قراءة منشورات غاليمار. وفي عام 1980 منح جائزة بول موران من قبل الأكاديمية الفرنسية، ونشر ‘ ثلاث مدن مقدسة’ و’الصحراء’ التي ستحوز على جائزة غونكور في فرنسا.
ويعدّ عــــــمله السردي ‘سمكة من ذهب’ المكرس للعلاقة الشاقة بين ثقافتين وعالميــــن من خلال الفتــــــاة المغربية ‘ليـــــلى’ أكثر أعماله معـــــرفة في العالم العربي.. حبه للأمكنة ذات الطابع الخاص قاده أيضاً لكتابة نص عن مدينة البتراء النبطية الأردنيـــــة في اطار بعثة لكتاب عرب وأجانب أشرف عليها المركز الثقافي الفرنسي في عمان وصدرت في كتاب ترجمه الى العربية الشاعر اللبناني يحيى مخلوف بعنوان ‘كلام الحجر’.
ويذكر أن أزمة حدثت بين لوكليزيو واللوبي اليهودي في فرنسا بعد نشره جزءاً من عمل سري له بعنوان انجمة تائهةب الذي حاول من خلاله تناول جذر المأساة الفلسطينية بحد التركيز على المخيم.
القدس العربي