جائزة ‘بوكر’ 2008 للهندي أرفيندا أديغا على رواية أولى تصور مجتمعاً على مفترق طرق
ابراهيم درويش
Aravind Adiga
مع اعلان الفائز بجائزة بوكر ليلة الثلاثاء يكون عمر الجائزة اربعين عاما، وتعتبر الجائزة من اقدم الجوائز الادبية واكثرها اثارة للجدل في المشهد الادبي البريطاني، وهي ثاني اقدم جائزة ادبية بعد جائزة ‘جيمس تيت بلاك’ التذكارية التي تمنحها جامعة ادنبرة واعلن عنها اول مرة عام 1919. على خلاف هذه والجوائز الادبية فان بوكر الجائزة التي تمنح لأي رواية مكتوبة باللغة الانكليزية في بريطانيا، ايرلندا او مجموعة دول الكومنولث، سميت على اسم الشركة المساهمة المحدودة التي اطلقتها وهي مجموعة لتجارة الجملة. وكانت الشركة ‘بوكر ماكونيل’ قد اطلقتها وتطمح ان تكون الجائزة على غرار الجائزة الفرنسية الرفيعة ‘غونغور’ ولكن ‘بوكر’ تظل جائزة مرتبطة بتجارة الكتب يحصل الفائز فيها على مكافأة مالية جيدة (50 الف جنيه) تمنحها الان ‘بوكر برايز فاونديشن’ (2002)، ويدخل اسمه قائمة الكتاب الكبار، مع ان بعض الكتاب تكون روايتهم الفائزة او التي رشحت في القائمة النهائية هي بمثابة ‘بيضة النعامة’ لا نسمع بهم مرة اخرى ويتلاشون من المشهد الادبي. وفي كل عام كانت الجائزة تثير غبارا اما من قبل لجنة التحكيم التي تتهم عادة بانها لم تقرأ الاعمال المرشحة او لكونها خارج الاهتمام الادبي، ويبدو ان الجائزة في الاعوام الاخيرة نجحت في تجنب الجدل وتم اعلانها بشكل هادئ. ولوحظ ان الجائزة فقدت تغطيتها في ليلة الاعلان عن الفائز حيث كانت تحظى بتغطية طويلة نوعا ما، اما في الاعوام الاخيرة فيكتفى ببث دقائق عن اعلان الفائز ثم تتم اجراء مقابلة معه بعد فوزه للحديث عن روايته. عندما اطلقت الجائزة لم يتم التعامل معها بشكل جدي وكان اول فائز فيها هو بي اتش نيوبي عن روايته ‘ امر لتسأل عنه’، وفي عام 1972 عندما فاز بها جون بيرجر تبرع بجزء منها بعد فوز روايته ‘جي’ الى مجموعة الفهود السود الامريكية الراديكالية. وفي كل عام بعدها كانت الجائزة تثير جدلا حول الاختيار ومن يتم اختياره ففي عام 1980 انقسم الحكام الى مؤيد لرواية ويليام غولدينغ ‘ شعائر الطريق’ أو مؤيد لرواية انتوني بيرجيس ‘قوى ارضية’. ومع ان هناك عوامل لعبت دورا في صعود بوكر الا ان الحقبة التاتشرية بتوجهها للخصخصة وما عرف بالليبرالية الجديدة التي نراها تتساقط امامنا في ظل الازمة المالية العالمية. وفي الوقت الذي اعلنت فيه تاتشر موت المجتمع واعلت من دور الفرد، اعلنت عن موت الادب واكدت ان ما يوجد في السوق هي الكتب التي تباع وتلك التي تتعرض للكساد، اي لا تباع. كانت جائزة بوكر جيدة لصناعة الكتاب البريطانية، فالفائز فيها يدخل قائمة الكتب الاكثر مبيعا. وتعتبر رواية سلمان رشدي ‘اطفال منتصف الليل’ الفائزة بجائزة عام 1981 من اشهر الروايات الفائزة في الجائزة، منحت عام 1993 جائزة ‘بوكر بوكر’ وفي عام 2008 منحت نفس الرواية جائزة ‘احسن رواية فائزة’ بالجائزة خلال الاربعين سنة الماضية. وقائمة الاسماء تضم روائيين مبرزين: جي ام كويتزي الذي فاز بها مرتين، وكينغزلي ايميس ونادين غورديمر، وايان ماكيوين، وفيشا نايبول الذي فاز بها عام 1971 عن روايته ‘في دولة حرة’. ومنحت الجائزة لروائيين اصدروا اول رواياتهم مثل الهندية ارونداتي روي عن روايتها ‘اله الاشياء الصغيرة’ (1997) ورشحت لها الروائية البريطانية من اصل مصري اهداف سويف عن روايتها ‘خرائط الحب’ (1999). واخيرا اعلن الفائز لهذا العام وهو يصدر اول رواية له بعنوان ‘النمر الابيض’ لارافيند اديغا الذي فاز بالمكافأة عن روايته (50 الف جنيه استرليني). وجاء فوز اديغا (33 عاما) مفاجأة للجميع متفوقا على كاتب هندي اخر مهم وهو اميتاف غوش الذي قدم روايته ‘بحر الخشخاش’ الجزء الاول من ثلاثية عن حرب الافيون، وباري سيبستيان وهو رابع روائي يفوز بالجائزة بعد ثلاثة اخرين فازوا بها عن اعمال اولى لهم، اشرنا لروي عام 1997 وكيري هولمز 1985 ودي بي سي بيير عام 2003 وبن اوكري عام 1991. ولم يلق اديغا اجماعا من الحكام ولكنه حصل على اصوات كافية كما قال رئيس لجنة التحكيم، الوزير السابق مايكل بورتيللو. رواية اديغا هي نظرة وتحليل دقيق للمعجزة الاقتصادية الهندي، فروايها بالرام هالاوي رجل غير متعلم، وابن رجل فقير يعمل في قيادة ‘ركشو’. وقصته هي عن قصة الانفتاح الهندي، فهالاوي هو رجل ذكي يكذب ليصبح في قمة هرم رجال الاعمال في مدينة بانغالور. وجاءت كتابة الرواية من خلال عمل اديغا كصحافي ومن خلال علاقته بالطبقة المحرومة في الهند.
ويرى الكاتب ان امرا غير عادي يحصل الان في الهند بين الفقراء والاغنياء. وقال انه تجنب الحديث او الكتابة عن مشاكل الانقسام الطبقي، لانها اضحت موضوعا مملا، ولكنها تظل مواضيع مهمة لان مشاكل اخرى تنبع منها مثل الارهاب وعدم الاستقرار. ويرى الكاتب ان مشاكل الهند والانقسام هي انعكاس عما هو حادث على الصعيد العالمي. وكتب اديغا الرواية على شكل سبعة رسائل كتبها بالرام الى الرئيس الصيني عشية زيارته الرسمية. وتشي عوالم الرسائل بصور تذكر بعالم تشارلز ديكنز لان كاتبها يحاول من خلالها تقديم الواقع غير الجميل عن الهند الحديثة المليئة باصحاب الملايين الذين يعيشون في ابراجهم المكيفة بالهواء الى الذين يقبعون في اكواخهم الفقيرة حول المدن الكبيرة ويعيشون في ظل ابراج اصحاب الملايين. ويمكن النظر للراوية على انها مجاز عن الهند المتغيرة. ويكتب اديغا قائلا للرئيس ‘ المسلمون لديهم اله واحد والمسيحيون ثلاثة اما نحن فلدينا 36 الف …. مقدس واي منهم سأختار’.
يقول اديغا انه كان يرغب في ان يكون روائيا منذ ان كان طفلاً، ولهذا درس الادب الانكليزي، والكثير من المسرح الاليزابيثي. وفي الجامعة كان يرغب في كتابة رواية عن الهند، رواية مرحة وذات حس سياسي منعش. ولكن كتابة الرواية لا تدفع الفواتير كما يقول مثلما يقدمه العمل في مجال الصحافة التي تمنحه فرصة التجول في كل الهند وجنوب اسيا. ولكن الصحافة لديها محدودياتها لانها لا تسمح الا للقليل لكي يرشح في التقارير والقصص. ولهذا بدأ يكتب ما يشاهده في يوميات شكلت الاساس لروايته الاولى ‘النمر الابيض’. وعما ألهمه لكتابة الرواية قال ان الكثيرين ممن زاروا الهند عبروا عن دهشتهم من تدني مستوى الجريمة. مما دعاه للتساؤل عن السبب، هل هوالنظام الطبقي؟ وعندها تخيل كيف يقوم خادم بسرقة سيده خاصة ان الخدم كثيرون ضمن النظام الطبقي الهندي. ومع ذلك يرفض الكاتب ان تصنف روايته بكونها سياسية او شهادة اجتماعية بل هي رواية يقوم روايها الملوث القاتل بعكس آرائه وليس آراء الكاتب. ولكن الكاتب يعتقد ان نظام السيد ـ العبد الذي يعتبر اساس النظام الاجتماعي في الهند يتداعى ومعه سيجلب الكثير من مظاهر الجريمة وعدم الاستقرار ومن هنا فالرواية هي تصوير لمجتمع يقف على حافة التغيير والدخول في حالة من عدم الاستقرار. وعن اختياره شكل الرسائل لكتابة روايته يقول ان الراوي القاتل الذي يعيش في بانغالور يريد ان ينقل قصة حياته وتفاصيلها التي لا يمكنه ان يقولها لاي شخص في الحياة العامة. وحضور شخص مهم من الخارج يعطي القاتل/ الراوي الفرصة للحديث عبر الرسائل عن نفسه ومجتمعه.
ولد اديغا في تشيناي/ مدراس عام 1974 وفي نشأته الاولى عاش في استراليا. ودرس الادب الانكليزي في جامعتي اوكسفورد وكولومبيا. وعمل في الصحافة واسهم بمقالات لمجلة ‘تايم’ الامريكية ويعيش في مدينة بومبي.
وكانت قائمة هذا العام قد تكونت من فيليب هيشنر عن روايته ‘صفح شمالي’ واميتاف غوش عن ‘بحر الخشخاش’ وستيف تولتز عن ‘جزء من الكل’ وليندا غرانت عن ‘ثياب على ظهورهم’.
القدس العربي
بوكر» للكاتب الشاب أرافيند أديغا… «النمر الأبيض»، أو الهند في زمن التحوّلات
سناء الخوري
فازت الهند، أمس، بإحدى أرفع الجوائز الأدبيّة في العالم: جائزة «بوكر 2008»… ليس فقط لأنها جاءت من نصيبّ أصغر المرشحين الستّة على اللائحة القصيرة، أي الهندي أرافيند أديغا (33 عاماً) الذي حصد الخمسين ألف جنيه استرليني (87 ألف دولار) عن باكورته «النمر الأبيض» (أتلانتيك)… بل أيضاً لأنّ هذا البلد كان الحاضر الأكبر في الرواية التي قفزت مبيعاتها منذ ترشّحت إلى 700 في المئة. فوزٌ جدليّ. إذ اعتبر بعضهم أنّ النقد اللاذع الذي يوجّهه الكاتب عبر شخصيّته الرئيسة إلى المجتمع الهندي يشوّه صورة البلد، لكنّ أديغا الصحافي الاقتصادي في «تايم» و«فايننشال تايمز»، استوحى شخصيّة بطله من الناس الذين يلتقيهم في محطّات القطار، وفي مواقف الحافلات والأسواق والشوارع الهنديّة. هناك يتحدّث الفقراء بغضب عن نظام حياتهم الذي فرضته ــــ بحسب أديغا ــــ التغيّرات العنيفة التي طرأت على الهند في نصف القرن الماضي، مربكةً طبقة المعدمين بعدما أنزلتهم إلى أسفل السلّم الاجتماعي، فـ«هذا الموضوع هو أكثر الهواجس إلحاحاً، وخصوصاً حين تتشعّب منه مشاكل أخرى كالإرهاب والتوترات»، يقول أديغا. بهذه الخلفيّة، انطلق تلميذ «كولومبيا» و«أكسفورد» بمشروعه الروائي الذي بدأه عام 2005، فكانت «النمر الأبيض». إنه لقب بطل الرواية، بلرام هلاوي، أحد رجال الأعمال الآتين من خلفيّة فقيرة، اغتنم فرصة زيارة رئيس وزراء الصين (المتخيّل طبعاً) إلى الهند، ليبعث له سبع رسائل هي فصول الكتاب. من خلال هذه الرسائل، يتعرّف القارئ إلى الطرق الملتوية (ومن بينها القتل) التي استخدمها بلرام لينزع عن نفسه جلدة الفقير ويرتدي بزّات رجال الأعمال الفاخرة. هنا، ابتعد أديغا عن لهجة الشفقة التقليديّة التي تترافق مع الحديث عن الفقراء، ليظهر ناحيةً أخرى من شخصيّة المحروم، تلك التي تحاول بنفاق ووصوليّة أن تترفّع طبقيّاً، مسلّطاً الضوء على «قضيّة كسر الظروف التي تجد نفسك فيها»، يقول أرافيند أديغا.
يبتعد الكاتب الشاب عن النظرة التقليديّة عن الهند المتمثّلة بالتوابل ونهر الغانج المطهّر، ليغوص في أعماق النفسيّة الهنديّة ويفنّد المشاكل النفسيّة والاقتصاديّة الناتجة من انقسام المجتمع إلى شطرين، المضيء والمظلم. انقسام ليس طبقيّاً فحسب، بل يعود إلى خلفيّات أسطوريّة نابعة من إحدى العبادات الهنديّة القديمة، أي المانيّة manicheism التي تقسّم الكون إلى شطرين: العالم النوراني وعالم الظلمات. ذلك الانقسام حوّله أديغا، على لسان بطله، إلى «عالم الرجال ذوي البطون الصغيرة، وعالم الرجال ذوي البطون الكبيرة».
«عملٌ يسلّي ويصدم في آن»، بحسب رئيس لجنة تحكيم الجائزة مايكل بوتيللو. هذا الطابع هو الذي دفع اللجنة إلى إقصاء مرشّحين مخضرمين كريتشارد باري، وأميتاف غوش. رواية كبيرة، جعلت أديغا الهندي الخامس الذي يفوز بـ«بوكر» بعد نايبول وسلمان رشدي وبين أوكري وأرونداتي روي وكيران ديساي، والأديب الرابع الذي تحوز باكورته تلك الجائزة المرموقة… هذا الفوز هو فعلاً بدايةً مبشّرة للصحافي الذي حلم منذ طفولته بأن يصبح أديباً.