صفحات ثقافية

في الرواية العربية المعاصرة

null
يقظان التقي
نصوص ودروس في الرواية العربية المعاصرة محور كتاب للدكتورة مؤمنة بشير العوف صدر حديثاً عن “دار المشرق” بيروت، في اطار المجموعة الأدبية طبعة أولى 2008.
يضم الكتاب قراءات في روايات لخمسة روائيين عرب، وهم حنا مينة (سورية)، وعبدالرحمن منيف (المملكة العربية السعودية)، وعبدالرحمن مجيد الربيعي (العراق)، والياس خوري (لبنان)، وادوار الخراط (مصر).
دراسات كتبت بين عامي 1981 و2004 قراءة في روايات عربية تجتمع في القاسم المشترك الأول (الرواية العربية) وتكرّس شخصيات روائية مرموقة على مستوى البلاد العربية أو المؤسسة الثقافية العربية كنماذج روائية عربية مختارة لا تمثل كل مسارات وتنويعات النماذج الروائية العربية بالضرورة. لا يهدف الكتاب إلى النقد باسلوب روائي فقط، بل يجعل النص النقدي نصاً إبداعياً يضيء النص الروائي مستعيناً بأدوات النقد التقليدية والحديثة بالاضافة إلى النفحة الذاتية بذائقة موضوعية وفي محاولة للاحاطة بكل ما صدر للروائيين الخمسة مع تناول كل عمل على حدة.
والعمل لاستخلاص السمات العامة لاسلوب الروائي في صورة شهادات ختامية بعيداً عن التنظير بنظريات النقد كهدف بغاية ذاتها، بل كوسيلة لتطبيق المضمون على النص والتوسع في عرض المعلومات بخاصيّة تهدف إلى انصاف النص الابداعي بمتعة وسلاسة وبقراءة متذوقة ومثفقة على حد سواء وملمّة بالطبيعة الروائية وتعدد نماذجها واتجاهاتها.
ما بين الرواية الطبيعية أو الواقعية أو الرواية السردية والحوارية أو رواية النص الطويل والمونولوغ أو الرواية السريالية، أو رواية التحولات كنصوص تتحرك لعناصر بتأثيرات شتى كعنصر وآخر فيما يروى ومن دون مفهوم واحد للرواية التي تصير أحياناً في بعض منها ايديولوجية وأحياناً تطلع من الواقع إلى فانتازيا متخيلة أو واقع متقطع الفصول والنظرات والتحولات.
عبدالرحمن منيف: مدن الملح
القراءة الأولى هي في روايات عبدالرحمن منيف الذي ارتبط اسمه بـ”مدن الملح”، والملح هو العنصر الوحيد الذي قد لا يطاله الفساد، بل أكثر من ذلك هو العنصر الاساسي للحماية من الفساد والعفونة والاضمحلال “إذا فسد الملح فبماذا يملّح”. ثم ان الملح هو عنصر أساسي في حياة الكائنات، لكن الملح أيضاً هو سريع الذوبان ويخالط الأشياء بقدر محدود.
إلى مدن الملح تقرأ الباحثة في روايات “الآن هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى”، و”الأشجار واغتيال مرزوق” و”الديموقراطية أولاً”، و”عالم بلا خرائط”، و”الكاتب المنفي هموم وآفاق” و”مدار الصحراء”..
رواية شكلت ربما العالم الحقيقي لعبدالرحمن منيف، وسيلة فهم المجتمع الذي رآه أكثر انسانية وأكثر عدالة والحياة التي تستحق أن تعاش ويواجه فيها عالم القسوة والهمجية والتخلف والبُعد عن اغراءات السهولة.
روايات عبدالرحمن منيف حملت أفكاراً سياسية، صورة غير مستقرة حقيقية عن الوطن والتطابق المنزوع الممزق بين الدولة والوطن وشعور بالغربة مع كم لا بأس به من الانطباعات الشخصية في كتب كتبها على مدى عشرين عاماً من العام 1971 حتى 1991 في تسلسل زمني حيث صدرت في أكثر من طبعة وغالبيتها صدرت في بيروت بدءاً من إطلالة قوية في “الأشجار واغتيال مرزوق” إلى “حين تركنا الجسر” في عبور رمزي من وحي الهزيمة والمازوشية السوداء الساخرة.
هذا إلى “قصص الحب المجوسية” و”عالم بلا خرائط” في تعامل ضبابي والزمن واستعمال اسلوب المسرح التجريبي وإلى نصوص مناجاة “شرق المتوسط مرة أخرى” والتداعي للانتقال من نص إلى آخر من الأزمنة والأمكنة والاشخاص والأشياء والرد والحوار واللغة ومحاولة التمرد على بعض الناس وقوانين المجتمع.
ليس هذا منوطا بعبد الرحمن منيف وحده. فعبدالرحمن منيف ربط خيطاً في سياق التحول الذي طرأ على شبه الجزيرة العربية بسبب انتقالها من البداوة إلى عالم النفط والتكنولوجيا، وتعتبر الكاتبة ان عبدالرحمن منيف هو الذي فضّ بكارة الصحراء، العلم البكر المجهول بعمق وشمول وجمالية وبجدية وطريقة تناول ولغة متينة من جهة الهندسة الروائية في سباق المسافات الروائية الطويلة التي تستقي نصوصها القديمة وتستعمل الشعر وأقوال المغنين وحديث النفس والمونولوغ والصيد هو القاسم المشترك في كل روايات عبدالرحمن منيف، أي الصيد البري، وهو ضد الشيء ونقيضه في الوقت نفسه، وليس هناك شيء واحد هو معه تماماً!
حنا مينه
عبرت مؤمنة بشير العوف الربيع والخريف وكل الفصول الروائية لحنا مينه: “الهواجس” و”المصابيح الزرق” و”الشراع والعاصفة” و”الثلج يأتي من النافذة” و”الياطر” و”المرصد” و”حكاية نجار” و”المرفأ البعيد” وغيرها.
السمة المميزة لروايات حنا مينه هي الواقعية كظاهرة اجتماعية ومبدأ الانتماء إلى الواقع الاجتماعي والعلاقة المادية ذات الطابع الصراعي يمسحه كسرد ذاتية حميمة كأنها قصص حب وعلاقة محورية تربط الشخص بسلاحه فيصبح وإياه واحداً كعلاقة السلاح والجسد والوطن والإنسان انطلاقاً من مقولة البؤس مجالاً للأحلام.
والسمة العامة المميزة لشخصيات الرواية (إذا صح تعبير الرواية) هو البراءة حتى السذاجة في مجتمع بائس، علماً ان محاور الصراع في رواية حنة مينه هي ثلاثة: الصراع بين العوائل وأرباب الأعمال، الصراع بين ممثلي السلطة والعاملين والصراع بين الشعب والحكم في سجل لتقاليد البحر والعاصفة والقصة الواقعية التي تصير خرافية بملامح رومانتيكية متأخرة ليست في العمق داخلية متجذرة ثورياً.
عبدالرحمن مجيد الربيعي
عبدالرحمن مجيد الربيعي معروف بين كتّاب القصة والرواية في العراق، بدأ ينشر نتاجه العام 1966 له: “السيف والسفينة” و”الظل في الرأس” و”الموسم الآخر” و”الوشم” و”عيون في الحلم” و”الأنهار” و”ذاكرة المدينة” و”الخيول” و”الشاطئ الجديد” و”الاخوة” و”الوكر” وغيرها..
بين الرواية والقصة، هو أقرب إلى القصة العراقية بصوت خاص وعالمه المميز وإن عبر مجاميع خواطر سوريالية، ومحاولة عبور من عالم القصة لتكوين مفهوم بتناول هامشي لتأثير الأوضاع السياسية داخل العراق وخارجه وفي المحيط القريب لاسيما نكبة فلسطين واحتلالها إلى سياسات نوري السعيد والوصي والملك غير المتوّج كجزء من الحياة ومعاناة الناس العراقيين.
عناصر تعاني من شرخ في بنائها الدرامي وثرثرة لغوية تشيع كثيراً في كتاباتها..
رحلة الياس خوري
هو باحث في علاقات الدائرة مع استغراق بالموضوع الفلسطيني أكثر له: “عن علاقات الدائرة”، “الجبل الصغير”، “أبواب المدينة”، “الوجوه البيضاء”، “رحلة غاندي الصغير”، “عكا والرحيل”، “مملكة الغرباء”، “مجمع الأسرار”، “باب الشمس”. وله مجموعتان قصصيتان هما: “المبتدأ والخبر” و”اللعبة الحقيقية”.
فيما يختص بالرواية يلاحظ ان النص الروائي يدين بسماته بشكل خاص إلى الطريقة التي يتم في ضوئها معالجة العناصر الرئيسة: اللغة، الزمان، الشخصية، الموضوع مع ملاحظة ان الزمان هو البُعد الرابع للمكان.
ترى المؤلفة ان القاسم المشترك بين الروايات السبع عدا أنها ذات بُعد فلسفي، يتناول الحب والحرب والخيبة، لكنها تخضع بشكل أو بآخر لشرطَي التاريخ والجغرافيا وكتنويعات على نغم واحد.
فرواية “أبواب المدينة” هي رواية ذهنية ولا هدف للحدث الروائي فيها إلا الوصول إلى الكابوس.. أما “علاقات الدائرة” فيها شيء من مقومات الرواية التقليدية و”الجبل الصغير” هي رواية اعتبارية تمثل قيماً وأفكاراً ترتدي أجسادها وملابسها على الورق حين تحكي قصة الحرب في لبنان وتعكس روح التجريب وغنية بالشعر والفلسفة والمنمنمات الفنية، فالدين له فلسفة، والحرب والموت لهما فلسفة، والخوف له فلسفة وللشرق والغرب له فلسفة، وللكون له فلسفة. أما “رحلة غاندي الصغير”، مجموعة حكايات تعبر مستويات لغوية من المباشرة التقريرية واللغة السوقية ولغة الحياة اليومية العادية إلى اللغة الفنية وتأويلات دينيه واسطورية تناسب الموضوع.
“مملكة الغرباء” (نصوص وحكايات درامية وشاعرية) “مجمع الأسرار” (رواية نسقية وليست مجرد تهويمات فكرية أو شعر غامض).
“باب الشمس” (الشعر فوق مستوى أي نقد) وانفتاح على لغة الأصوات البوليفونية تقرأها بصوت عال ونفس ملحمي، ما يرقى إلى خماسية مدن الملح لعبدالرحمن منيف، أو ثلاثية البحر لحنا مينه.
كل الربّمات ممكنة عند الياس خوري ويجوز للروائي ما لا يجوز لغيره إذا كان الهمّ هو البحث عن شكل روائي خاص مع هموم الحياة والتقاطع بين الأزمنة والتناثر بين الأمكنة والتواريخ وبروز الاثر الايديولوجي للكاتب وتطور النظرة إلى الدين من السخرية إلى الحياد إلى البُعد الفلسفي لظواهر الأشياء واللون والصورة والجسد والحب والموت والخيبة وفلسفة اللغة نفسها وحتى الأسماء والأصوات والجنس كشخصية روائية مستقلة تماماً في جعبة ثقافية مهمة.
نزوات ادوار الخراط الروائية
من “رامة والتنين” إلى “طريق النسر” “مواليد الاسكندرية” (1926) من صنّاع الأدب العربي الحديث يتفاءل ويتشاءم ويتعقد وينطلق، وينفصل، ويمتلئ حساسية ووجدانه مغروس في تاريخ الكنيسة القبطية. له: “رامة والتنين” و”الزمن الآخر” و”ترابها زعفران” و”محطة السكة الحديد” و”يا بنات الاسكندرية” و”حجارة بوبيللو” و”أبنية متطايرة” و”طريق النسر” و”أضلاع الصحراء” و”حريق الاخيلة” و”صخور السماء” و”يقين العطش”.
“رامة والتنين” (الحب المستحيل) عبارة عن مونولوغ داخلي زائد السرد وتوسيع دالة الواقع لكي يعود إليه الحلم والاسطورة والشعر بلغة مرتبطة بالرؤيا والحس بتأثيرات جبرانية وسردية داخلية ضمنية مرافقة.
“الزمن والآخر” (اجتماعية سياسية تتحدث عن معاهدة كامب ديفيد وتبشيرية طويلة بوضع إنساني مغاير).
“ترابها والزعفران” (ثرثرة روائية ومنمنمات في نصوص اسكندرانية أقرب إلى السيرة الذاتية).
“محطة السكة الحديد” (مجموعة قصصية عن الاسكندرية 1955 والقاهرة 1984). “يا بنات الاسكندرية” (مسلسل حكايات وتداعيات مجتمع الثقافة الشعبية والنزعة القومية والواقعية).
“اختراقات الهوى والتهلكة” (رواية بنزعة إحساس يظهر فيها ادوار الخراط القبطي في الصميم).
“طريق النسر” (تحكي قصة الشيوعيين المصريين) ويظهر فيها انتماء ادوار الخراط الايديولوجي في مواضيع كثيرة والذي يقرأ ادوار الخراط عليه أن يكون ملماً بالأساطير المصرية الفرعونية واليونانية وبالتصوف والفلسفة والشعر والموسيقى والأدب العربي لكثرة معاني الاثارات والتلميحات، ومع ما يهدد اللغة ويرميها خارج المتاحف والقواميس اللغوية وبفوضوية المعلومات وعدم ارتباط اليوميات بزمن معين، والأهم أنها تطرح أسئلة أكثر من انشغالها بالوصول إلى اجابات. مقاربة تجمعه فيها المؤلفة مع عبدالرحمن منيف وغادة السمان بالثرثرة الروائية والصور المبتكرة.
تكتب مؤمنة بشير العوف عن أسماء روائية عربية بكثير من الحياد والاحترام والهالة، وتعتمد المنهج النقدي في كتابة حساسة تثير أشياء من المتابعة “الناعمة”، الجدية والدقيقة والمتماسكة باسلوب سلس رشيق، ونافذ بجهد بحثي مقارن أدبي وبشهادات واستنتاجات لها سياقها في قراءة عناصر الرواية بمفاهيمها المتعددة وبقاموسها اللغوي المتغاير بين اسم وآخر وبمتابعة لحس درامي هنا، وآخر مفقود هناك.
[ الكتاب: في الرواية العربية المعاصرة
[ المؤلف: الدكتورة مؤمنة بشير العوف
[ الناشر: دار الشروق ـ بيروت 2008
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى