صفحات الناس

رسالة إلى الناشطات السوريات

null
حسن الصفدي
يا سيداتي سليمات الطوية ها أنتن في مطارحكنّ، بعد إقرار التحفظات على معاهدة “سيداو” بإجماع من حضر ممن يسنّون القوانين. لقد كنتن وستبقين دون المساواة بدرجة تزيد أو تنقص حسب الحال أو حسب المجال، ففي الاعتقال تساوي، وفي المراتب العكس فالذكر هو الأعلى الأبوة والاسم له، ولكُنّ الحمل والإرضاع والرعاية وأحياناً الإنفاق. فهل تراه طاف في خلدكن أن من أقر التحفظات المحافظة على الوضع الراهن، في مجلس ترشّح أعضاؤه نظرياً لحماية أهداف الثورة، فهم لم يطرحوا علينا آراءهم – ودعونا من رؤاهم-  مكتوبة، كي نستطيع،  نظرياً، وفي أضعف الأحوال، تخمين حجم المُحافِظة الكامِنة في خَلَدِهم، تلك التي ستدعم الميل إلى الانكفاء عن الأهداف الثورية التي أقسم على العمل من أجلها، سيُلقي بالاً لمناشدتكن- وليس مطالبتكن فليس هذا من حقكن-  بإلغاء العذر المحل من قانون العقوبات، ولكلٍ عذره الذي يُحلّه من الموافقة. (فقهياً يمكن التحلل من القَسَم، بعد إلقائه بطرائق عدّة).
لنكن واضحين، فأنتن لم يسبق أن حصلتن على ما يعدّه البعض مكاسب بمنة أحد، فالتطور البشري بمجراه العام هو الذي أمدّكن، بما لا يستطيع عتاة الرجعية العودة عنه حتى في عقر دارهم.
فتعليمكن، وهو الأمر الأهم، حدث الإقبال عليه، تدريجياً، عندما تمّ الانتباه إلى حصيلته المادية التي تدعم الإنفاق على الأسرة، وتعليم الإخوة وليس باقي الأخوات، وتسهيل زواج البنات. ولاشيء من الفضل في ذلك يمكن عزوه للرجال ولا للساسة منهم. فالتقدم لا يحصل إرادياً، بل  هو نتيجة طبيعية للانتباه والملاحظة والتعلم، وهو محصلة مجموع الأفكار المتداولة لرواد ورائدات طليعيين ومخالفيهم ونتيجة العمل الجمعي, ولهذا يختلف منحى التطور ومبانيه ومساراته من مجتمع إلى آخر، ومن عصر إلى تاليه. وإذا ما أراد أحد الحديث عن التشجيع على بناء المدارس، فالمسألة لا تعدو كونها ترتبط أساساً بالعرض والطلب اللذين يتحكمان بسيرورة الحاجات والوسائل. فالإناث المتعلمات أصبحن ضرورة في سوق العمل بدءاً من التعليم والتمريض، وانتهاء بما هو سائد الآن. وقس على ذلك باقي الأمور.
تلا ذلك فورة دخول الإناث ميدان العلم وسوق العمل والكسب، وارتقاء العديد منهن في ميادين الإدارة، وأدى ذلك إلى تأزم بعض عقد الذكورة في مجتمع متمهلٍ في ولوج العصر، منتظرٍ عودة انبعاث نهضة قادمة سيوجّه أشرعتها المستبد العادل (كيف يتلاءم الاستبداد مع العدل سؤال غير ذي بال).
من جانب آخر، يتحدث بعض علماء الاجتماع عن بطء التقدم الاجتماعي بإزاء تسارع التقدم   العلمي والاقتصادي. وهذا يمكن أن يفسر إلى حدّ ما لِمَ لمْ تستطع الغالبية العظمى من ذكور مجتمعاتنا العربية استيعاب ندّية الإناث، وهن دونهم مرتبة في مفهوم ما زال سائداً في التعليم المنزلي والمجتمعي، فكيف إذا كان بعض الإناث يتمتعن بشخصية قوية، وعلم عالٍ.
أليس في محاولة تفسير عدم الاستيعاب هذا أن تشرح لنا جانباً من الارتداد في غطاء الرأس (ليس حجاباً) وبعض أشكال اللباس؟ ومِن تناوُلِ الأب أو الزوج راتب الأنثى في الغالب الأعم، وبعضٌ يتكرم فيتركه لها لتنفقه على نفسها وأولادها!! أي تعلمتِ (بقوة الضرورة) وتوظفتِ (لزوم طمعنا بكسبكِ) ولا داعي للمتابعة ولا للحديث عما تناله فعلاً من إرث والديها.
طبعاً هذه الحال لا يمكن أن تتصف بالكليّة ولا بالشمول إذ يتعذر أن يضيع ما حققه التطور الذي لن تحول دون صيرورته واقعاً بعض التعقيدات الاجتماعية والعراقيل الإدارية هنا أو هناك.
فيا سيداتي الكريمات، اللواتي اخترن المنافحة – ولا أقول الدفاع فهذا فيه شيء من السلبية- عن حق النساء الطبيعي في حياة كريمة يحوطها الاحترام، أن تدعن جانباً حسن النوايا، وتبعدن عن تقبّل المجاملات، وتتعظن من الحكاية المأثورة التالية: {خرج صياد لصيد العصافير في يوم شديد البرد، وشاهد جمعاً من العصافير فأطلق النار عليها، فتساقطت تنتفض من الألم، وانحنى الصياد ليلتقط العصافير ويلوي أعناقها ويضعها في الجعبة. ومن لفح الهواء البارد دمعت عينا   الصياد، وانتبه لذلك عصفور فقال لآخر: انظر إن الصياد يبكي من أجلنا!! فرد عليه: “ويلك لا تنظر إلى عينيه، بل انظر إلى ما تفعل يداه”}.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى