نوروز رسالة الألم الكردي
مسعود عكو
المارة يتفرجون على النيران، إطارات محترقة، ومشاعل، وشموع كانت تضيء ليل مدينتنا الصغيرة، المحتفون يغنون، ويدبكون على وقع موسيقا كوردية حزينة، ولكنها تفلح للفرح والبهجة، فأثار الفرح سخطهم، وكان الموت على موعد معنا، فأردوا المشاعل والشموع قتلى على قارعة الطريق.
مركبات سريعة فتحت نيران بواريدها الصدئة، على الجموع الفرحة بقدوم رأس السنة الجديدة، لم يفرقوا بين طفل يلهو، وشاب يغني ويرقص، وفتاة تغمز بعينها وتلعب بخصلة شعرها، فأردوا ثلاثة زهور قتلى وأخطأت الطلقات الخرقاء أجساد آخرين، ولم تنجح تلك الرصاصات من أخذ حياتهم، فكان الجرح بليغاً، وسال الدم مرة أخرى سقيا للزرع المخضر تواً، فكان القمح الأخضر والدم الأحمر والنار الصفراء، ألواناً مرفرفة في سماء قامشلو ليلة النوروز هذا العام.
أعظم هدايا قدمت لثلاثة ثكالى، فكان عيد الأم عيداً للثكلى، هداياهن أكبر الهدايا، وأغلاها، وأثمنها على مر العمر، ثلاثة أمهات على موعد باحتضان أطفالهم لأخر مرة، وصار الثرى أماً حنونة لهم. واتخذوا من تراب قامشلو داراً دائمة، فابتسمي يا أمي، إن عظمة عيد الأم هي اليوم، فكانت هديتك ابنك محملاً على نعش الشهادة، عريساً محمولاً وكأنه في هودج، يزفه عشرات الآلاف إلى عروسه، آه أيتها العروس كم أنت قاسية.
أيتها الثكالى، لا تحزن، إن الله معهم، فكان يوم ميلاد أشرف المرسلين محمداً عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، على موعدٍ لثلاثة محمدون، وليهنئوا بجيرته، ورفقته يوم الموعد، فالشهادة كانت أعظم احتفالٍ بيوم مولدك يا سيدي يا رسول الله، فادعوا لنا إنا والله لمظلومون، وعلى فراق أحبتنا لمحزنون، فقلوبنا منفطرة، وعيوننا تدمع ألماً وحنين، فأين شفاعتك يا سيد المرسلين؟؟؟
كم طفلاً كان سيجري على تراب النوروز؟ كم شاباً كان سيرقص أمام مسارح الغناء في حلقات جميلة؟ كم فتاة كان له موعد مع حبيبها؟ ولكنهم أبوا أن يشبك العشاق أيديهم بأيد بعض، وصار الفرح حزناً، والدبكة جنازة، والخمر عبرات حزن وأنين، فليهنئوا بقتلهم، ولنهنأ بشهدائنا، شهداء مشاعل نوروز المتقدة على مر التاريخ.
لن يفلح أي ازدهاك بنوروزنا، وستظل الأم الكردية، كل يوم تنجب كاواً جديداً، لن تطفأ مياههم النتنة، مشاعل وشموع أمتنا العظيمة، ولن تدمع غازاتهم أعيننا مرة أخرى، سنغني وندبك ونرقص ونفرح، وقبل كل ذلك سنشعل كل نوروز آلاف المشاعل والشموع، ولن نكتفي بتقديم ثلاثة قرابين جدد، فكل يوم في آذار هو ميلاد قربان كردي جديد، ولن ترهبنا رصاصاتهم القاتلة، وينبغي أن أكون سعيداً بموت آخر.
سنزرع حقولنا، ولن نجعل ثرانا بوراً، سنوقد كل الشموع، فكل يوم لنا نوروز، أيامنا كلها أفراح، وساعاتنا الحزينة ذبلت، فلا مكان للخوف عندنا، ولتعلموا أننا سنوقد النيران في كل مكان، في جبالنا، وبيوتنا، ومشاعلنا، وشموعنا، وقبل كل ذلك سنوقدها دائماً في قلوبنا المليئة بالحب والسلام والتسامح لكل حي يدب على البسيطة، هذا هو آذارنا، تلك هي رسالة نوروزنا كل عام، فكان الحمام رفيقاً لشهدائنا حين أنزلناهم اللحد، فالسلام والحب والتسامح رسائلنا، حتى ولو قتلتم كل الحمائم، إن السماء لن تخلو من الأنجم.
أيها الحجل، أخبر كل الطيور، بأن نوروز هذا العام ليس ككل عام، استشهد ثلاثة من زهورنا، وأوقدوا شعلة نوروزنا بأجسادهم، فكانت دمائهم سقيا ليوم جديد، ووقوداً لإيقاد شموع فرحتنا، وألم ينتهي بعد حين، وأرسل للحجحجيك في كل مكان، بأن نوروز هذا العام وكل عام، سيظل على مر التاريخ، رسالة الألم الكردي، رسالة الحب والتسامح والسلام، رسالة أمهات في عيدهن، أرسل لهم هذا العام، رسالة الله العظيمة، وقل لهم ” وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ”.
خاص – صفحات سورية –