سلامتك كرم اليوسف ، سلامة بحجم الوطن السوري العظيم
محمد غانم
للوردة العطشى الباحثة عن منغرس حنون تمد جذورها إلى أعماقه الحنونة ، فلم تجد سوى رأسك الجميل ليحتضنها ترابه الطاهر ، الذي نزف بغزارة ليسقي وردة النار في مساء النيروز العظيم .
سلامتك ( كرم ) وأنت تتلقى الرصاصة كعاشق ولج الحب حتى آخر خلية تفكر في أعماق الدماغ ، حيث هناك يتركب أكسير القادمين من جرح الشهداء الغافيين على حدود مساحة العالم ، من مقبرة قدور بيك إلى قمم جبل قنديل ، وجبل الكرمل ، وجبل عامل .
لا أمطار في هذا الشتاء ، ولا ربيع يدفع عنا جفاف الروح ، فجاء دمك ليملأ خريفنا الممتلىء بالغبار بزهر الشقائق لتعمدنا نحن السوريين جميعا
في نهر القصيدة ، ذاك النهر الذي لم يجف في منابع الشاعر إبراهيم اليوسف ، حاملا ألوان الكورد كروح إقحوانة نجت من جفاف الفاسدين في الأرض .
نبع من الألم والوجع يمتد على حدود المكان المسيج بالخوف واللصوص الدائمين ، الذين نغطيهم كل يوم بصمتنا رغم الأنين والوجع الباطني المخفي في جمدانة الروح المترنحة .
يا كرم اليوسف : ها أنت تتوجع الآن بصوت عال جدا ، حتى تسمع الشمس تكسر أحلامنا قطعة قطعة كلما مر وقت للظالمين الفاسدين الناهبين القاتلين .
تألم بقوة يا كرم حتى لا يسمع المستبدون بكائي ، اصرخ آه وكررها بقوة بحجم مجرات البؤس ، وسنوات الضوء التي مرت على حسراتنا.
ترهات نحن ، كل ما بنينا حجرا سقط فوق خيباتنا ، وكل عسل الكون لم يعد يحلي أيامنا التي مضت .
نادنا يا كرم بحجم الصدمة بين الرأس والرصاص ، بين الجلد والسوط ، بين دمك الذي أعطيته للنشيد ، وبخل من أطلقوا عليك رصاصة واحدة ، ليملأ الصمت عمرك الباقي في الظلام .
سلامتك وأنت تنزف كصقر لتروي عطش الحمامة ، سلامتك وأنت تندفع حيث لا مكان لأحد غير الشهداء لتكون الأول ثم الأول ، ثم لحظة الوقت المنبعث من الرماد.
وردة بحجم سوريا ، تكبر كل يوم في حلم آفل يسقى من ماء الصرخات .
اصرخ في وجهنا نحن البائسين ، الجافين كحطب الأيدلوجيات القادمة إلى نار هلاكها .
اصرخ ربما تجرأنا وقلنا للظالمين مرة واحدة تلك الكلمة التي تخنق حنجرة اليمام ، تلك الكلمة التي توقف انحناءة المآذن منذ تاريخنا المليء بالشبق المعربش على شرفات الحاكمين .
اصرخ علا البغض يخاف من الألم ، ولعل الشهداء يبعثون ليشهدوا على قاتليهم .
اصرخ وتألم حتى يشعر جبل أغري بطعم الماء ، وحتى ينزل طاووس الملك على قمة جبل قنديل .وحتى يزف الصقر الأسير( آبو ) إلى عروسه الحرة التي ما فتأت تغتسل كل صباح بماء الفرات المثلج ، لتحس بأنفاس الصقر السجين .
هذا زمن القتلة الكونيين ، المتعهرين خلف الكلام المعسول عن الحرية والحرية ، وتدمير هوية المكان .
اصرخ يا كرم بحجم ألم الغياب من زمن كاوا إلى زمن جفاف الينابيع .
اصرخ ربما يكتب إبراهيم هذي الليلة قصيدة ، وربما أم أيهم تنادي أور القديمة في الجنوب أو أور التي في ( كاس يديم الشمال ).الليلة يعود إبراهيم من السفر الطويل في التاريخ ليواجه حضارة الإلغاء والتهميش .
تألم حتى يعود عدي بن مسافر الإيزيدي ويروي سيرة النكبات .
يا كرم
وأنت قد افتريت من الوجدان هلا سألت الكلمات عن الذين صاروا في قائمة الشهداء ؟
يا كرم
هلا شممت رائحة العاشقين الذين ماتوا كسوريين مؤمنين كما خلقهم الله عربا وكوردا واشوريين وتركمانا .
يا كرم هل رأيت وجه قاتليك وعلى دين كانوا ساعة أطلقوا النار عليك وعلى قرنفلة الشعراء التي تنمو في تربة الكلمات .
وهل حقا وجوههم مثل وجوهنا ، ولهم عينين ويدين ، وهداهم الله النجدين ، وكنت العقبة يا كرم فاقتحموك برصاصة .
لتنزف على جفاف عمرنا ومواسمنا ماء أعراس لم تأت ، عل قحط الاستبداد يرحل في سفينة الصرخات ، بعد أن سكن في حلوق الصمت .
يا كرم
سلام لك وسلام على الشهداء رفاقك ، من أول الشهداء حتى أول الكلمات .من أول الشقائق حتى أول الأقحوان ، من أول الشموس حتى أول النور.
من جرحك نرى فسحة من الله ربما تأتينا بالكلمة الأولى التي نسيناها ، وربما تأتينا بكل الكلام .
سلام قولا من شعب سوري عظيم إلى جلجة الألم التي صلبت عليها القصائد المعلقةبجدائل الصبايا العاشقات
جميل أن تبقى معنا يا كرم لنرمي سوية قطرة محبة في بحر الخيبات
المصدر :المرصد السوري