صفحات ثقافية

نشيد الجياع

null

عناية جابر

بين لحظة ندرة الرغيف في مصر، واستحالة اللحظة الآمنة عندنا، واللحظة المفرغة من الموت في العراق، واللحظة المثقلة بقتل الاطفال في فلسطين، واللحظة المقفلة على الرأي الحرّ في سوريا، وثقل القبضة الاميركية على المنطقة برمتها، الى التدخلات الاجنبية السافرة من هذا البلد الاوروبي وذاك وذلك البلد العربي وسواه يكون عالمنا العربي قد دخل فعلاً نفقه المظلم وما من بارقة أمل، وقاب قوس واحد او نصف قوس من نهايته.

منظر «الغلابى» المصريين، في طوابير طويلة الى رغيف عيشهم وصديق غذائهم الوحيد، لأمر مفزع وكنّا رأينا الى مثيل له في الاتحاد السوفياتي قبل انهيار هذا الاخير، بفعل «الإرباك» النظري و«التطبيق» العملي، وما شابهما من فساد وفوضى اجهضا الحلم. منظر المصريين في صباحات تمتد لتختلط بمساءاتهم امام الأفران، منظر لا يبشر بالخير، ونذير عاصفة احتبست طويلاً، وعلى أهبة انفجار عظيم.

بل لعله الخير كله، في تحول هذه الجموع المقهورة، الى تحركات احتجاج مدوية، وهتافات غاضبة ترى الى هدم المعبد على من فيه، لمّا الهدم اجدى، واكثر دلالة على نفاد صبر الجوعى، ما دام احداً لا يكترث لصبرهم الطويل.

المصريون أنفسهم على وشك نسف صبرهم. لكنه رغيف يقول احد المسؤولين على الفضائيات، رغيف ليس إلا ولن يضير اصحاب الطوابير اصطفافهم كثيراً او قليلاً في السبيل إليه.

لأمر ما، يفوق المسؤول ان قضية استحالة الرغيف ليست وحدها سبب نقمة وتجهم هذا الشعب، المعروف عنه الابتسام والتسامح الدائمان. لأمر ما، يفوت هذا المسؤول ان سيل نكبات المصريين بلغ الزبى، حرقاً وغرقاً وفقراً واستحالت حياتهم موتاً جافاً. لأمر ما، لا يريد المسؤول ان يرى في يوميات هؤلاء المعذبين، حاجتهم الى الكرامة الإنسانية، والكبرياء وقد سقط اكثره في التجاهل وفي صمّ الآذان واغماض العيون.

انه السخط، والثورة ما رأيناه على التلفزيون في طوابير المصريين الى رغيفهم، ودائما على الشعوب ان ترضى وتصمت وترضخ امام الارقام التي تدعم الطحين، وتكلّف الخزينة المصرية عشرات المليارات! مع ذلك ما من رغيف، وهي ارقام غريبة على المتدافعين، كأنها الارقام على كثرتها ترفع عنهم الحاجة الى الشبع.

لا تصح الكاميرا وحدها شاهدة على ما يجري على أرض الكنانة ـ يقول احد المراسلين ـ اذ ليس الاحتشاد والتذمر والتوسل والتدافع، هو المشهد الوحيد للازمة الآن، بل بلغت هذه احدى انعطافاتها الخطرة، الى حد الاقتتال بين الجائعين أنفسهم، بالسكاكين والعصي والحجارة.

لأمر ما، لا يريد المسؤول في اي بلد عربي رؤية الاثقال والقيود على الصعد كافة، ولم تعد ممكنة بعد اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى