شعابٌ جَبَـلِـيّـةٌ
سعدي يوسف
قصيدةٌ كُتِبَتْ في ريفٍ إيطاليّ
A poem wrien in an Italian countryside
“هذه القصيدةُ مــــهداةٌ إلى سيلْفانا وفوزي الدليمي، اللذَينِ قدّمــا لي، ولِـجْوان، دارتَهُـما العامرةَ ،العاليةَ، بجبالِ الأبَنين،الإيطالية، غيرَ بعيدٍ عن ميلانو، منتبَذاً ومُصطافاً، حيثُ كتبتُ صفحاتي، واسترددْتُ عافيتي، ونَعِمْتُ بالحُبّ، وبصداقةٍ لم أجدْ لها مثيلا”
س ي
Costa Di Morsiano Italy 30September 2008
البارحـــة، وفي حــــــــــوالَي الســــــاعة التاســــعة مســـاءً، بَـلَّـغَــــنا فــــوزي الدلـــيمي (أنا وجوان ماكنلي Joanne McNally ) بسيارته المرسيدس كومبرسَّر، دارتَه، بأعلى الجبل، جنوبيّ ميلانو .
الليلُ كثيفٌ في تلك التلاعِ التي تُعتبَر تمهيداً للطريق إلى توسكانيا. لمحْــنا غزالاً، ثم خنزيراً برّيّــاً. قـــال فوزي: لا تفاجأوا بالحيوانات البريّة في محيطِ الدارة. ثمّت أشجارُ تفّاحٍ. في الليلِ تأتي الخنازيرُ البرية لـتزوركم. إنها تحبّ التفّاح !
لثلاث ساعاتٍ، ظلّت المرسيدس المتدفقةُ بالعزيمة، تتناهبُ الطريقَ من مطار ليناتا الميلانيّ، إلى الدارة العالية،
بادئةً بمساربِ الطريقِ السريعِ ومنتهيةً بالدرب الضيّقِ المُطِلّ على وديانٍ سحيقةٍ، تلتمعُ أضواءُ منازلِها القليلةِ مثل النجومِ .
لِــمَ إغراءُ العزلةِ ؟
لِمَ الالتجاء إلى رحمةِ الطبيعةِ العاريةِ إلاّ من طبيعتِها؟
لِمَ الاحتماء بالحَجر؟
كان ثَمَّ المساءُ
المساءُ الـمُرَصّعُ بالنجمِ
ذاكَ المساءُ الرحيمُ بغزلانه وفراشاتِ أزهارِهِ …
سوف أسألُهُ أن يكونَ رحيماً بنا
نحن، أبنائـــهِ المتعَبين
نحن، أبنائهِ الخَـيِّــرين …
نحن، نحن الحُفاةِ، طريدي ذئابِ الـمُدُنْ .
غامت السماءُ، للمرة الأولى منذ أشهرٍ، كما فهمتُ. لستُ أريد العودةَ إلى لندن، حتى عبرَ هذه السماءِ الغائمةِ للمرة الأولى منذ أشهُرٍ. لديَّ ما أفعلُهُ هنا. أن أتمشّى عبر الحقول ذواتِ الهشيمِ اليابسِ غيرَ متهيِّبٍ الصِّلالَ. أن أذهبَ إلى سوقِ القريةِ لأشتري زجاجتَي نبيذٍ محليٍّ. أن أراقبَ قطّتَينِ نصفَ متوحشتَينِ. أن أسألَ: لماذا أضعتُ كلَّ تلك السنين من حياتي بين جدرانٍ لا تريدُ أن تجد باباً. جوان واقفةٌ عند الباب. جوان بكل بهائها تسألني: هل أريد
قهوةً ؟
نعم .
مع سـُــكّرٍ ، وقُـبْــلــــةٍ !
Costa Di Morsiano
1October 2008
صــنوبرةٌ في السماء
صنوبرةٌ في أعالي المساء
صنوبرةٌ هي ثالثةُ الناسِ في غرفةِ النومِ
أولى النساء …
صنوبرةٌ في الفضاء .
صنوبرةٌ تسهرُ الليلَ، تحرسنا من ظلامِ التلالِ
التلالِ المحيطةِ
والحَجرِ الجَهْــــمِ
تحرسُنا من دواعي الكلام!
بدأ الصباحُ مشمساً، دافئاً. نذهب مشياً إلى مقهى القرية الوحيد . السيدة اباولاب مالكة المقهى، هيّأتْ مطعماً أيضاً. رجوناها أن تحجز لنا مائدة لمساء الجمعة. سيلفانا، زوجة فوزي، ستأتي من ميلانو لتلتحق بنا في عطلة الأسبوع. سوف تتعرّف على جوان، وسوف تجدان سبيلاً ما للتفاهم، بالرغم من حاجز اللغة. هكذا الأمرُ دوماً مع مِهاد الصداقة والودّ. اللغة، وحدها، غير كافيةٍ للتفاهم .
في دكّان القرية، الوحيد، الذي تديرُه امرأةٌ أيضاً، تجد كل شــيء، من النبيذ المحليّ إلى الجبن الآتي من ســردينيا. الخبز طازجٌ دائماً ، والموزيرللا كذلك .
على نَشَـــــزٍ قريبٍ من الدارة التي نحن فيها، منزلٌ ريفيٌّ متداعٍ مهجورٌ .
قلتُ: سأشتري المكان !
قال فوزي: لكنّ عليك أن تشتري الأرضَ المحيطةَ أيضاً .
قلتُ: لا أريد أن أكون مالكَ أرضٍ. أنا شــيوعيّ !
وأضافَ فوزي: عليكَ، كذلك، أن تخصصَ مبلغاً للترميم قد يفوقُ مبلغ شــراءِ الخِرْبةِ …
قالت جوان: لكل حُلمٍ نهايةٌ. لكنّ هذه أســرعُ نهايةٍ !
*
قلتُ إن الصباح بدأ مشمساً دافئاً ، لكننا الآن نقترب من منتصف النهار، وثمّتَ سحبٌ ســودٌ تقترب منا. بدأت الشمس تتضاءل. ريحٌ باردةٌ سلبَتْنا بحبوحةَ الدفءِ العميم .
نظرت جوان إلى البعيد، حيث اختلطت التلالُ بالغيم .
قالت: إنها تمطرُ هناك …
*
أربعُ غزلانٍ كُنَّ على منحَدَرٍ يلعبْنَ
الغابةُ ساكنةٌ مثلَ غديرٍ
والأشجارُ لها مَرأى الغيمِ …
الغزلانُ الأربعُ يلعبْنَ
وحين تَهِل الأمطارُ
سيدخُلْنَ عميقاً في الغابةِ
مثلَ جذورٍ مكشـــوفةْ .
*
نسيتُ أن أذكرَ أننا ذهبنا، البارحةَ، إلى قرية كوارا Quara القريبة، التي ليس بيننا وبينها سوى كيلومتراتٍ ثمانيةٍ. كان ضرورياً أن نذهب إليها ، فالنبيذ هناك أجودُ، ومحطة الوقود فيها هي الأقرب إلينا .
تعلّمت جوان كيف تقود سيارةَ الباندا .
اليومَ عاد فوزي إلى ميلانو، بعد أن اطمأنّ علينا، وتأكّدَ أننا سنتدبّر أمورَنا بأنفسِنا .
لقد عرّفَنا على أهل القرية .
نحن مطْمَئنّانِ .
وقد نبدأُ، غداً، جولاتِنا في المنطقة، وقراءة الخرائط .
سوف نستخدمُ الباندا .
من أين نبدأ؟
في الغالب سنبدأُ من مونت فيورينو
Montefiorino
حيث أعلنَ الشيوعيون الإيطاليون ، جمهوريةَ المقاوَمة، قبلَ الطلقاتِ الأخيرةِ للحرب العالمية الثانية .
لقد أعلنوا جمهوريةً .
وأقاموا متحفاً مفتوحاً للجميع .
غداً، سنكون هناك!
Costa Di Morsiano 02October 2008
ســلامٌ على الداليةْ
سلامٌ على الغيمِ يهبطُ حتى َيمَسّ شُجَيرةَ أَرْزٍ
سلامٌ على الخبزِ أسمرَ مِثلي
سلامٌ على قهوةٍ في الصباحِ الذي يتمشّى وئيداً
سلامٌ على جارَتَيَّ
سلامٌ على قطّتي
وسلامٌ على الكلبِ، يُـقْـرِئُـني ، بالنباحِ الخفيضِ الســلام!
ســـلامٌ على مريمٍ
والسلامُ على الطفلِ، أيّانَ ناغَى، و أيّانَ نامْ …
*
فجرَ هذا اليومِ، بلغَ فِعْـلُـنا الحبَّ، مبلغَ الكمال !
وسنذهبُ إلى مونت فيورينو متدفقَينِ حماسةً …
بدأ النهارُ بقطراتِ مطرٍ شحيحة. الفلاحون ينتظرون المطر قلِقينَ. لقد حرثوا الحقول، وهيّأوها للبذار، لكن المطر لم يأتِ. السماءُ تغيمُ منذ أمدٍ، كل يوم، لكنْ لا مطر. هذا اليوم، كالأيام التي سلفتْ، لا يَعِدُ الفلاحين بخير .
جوان تنطلقُ بسيارة الفيات ابانداب على الطريق الضيّقة .
نتوقّف لنتركَ غزالاً من الغابة يراقبنا على مهلٍ .
قطرات المطر الشحيحة توقّفت .
ليس من مَـهَـبَِّ ريح .
في مفرق جيرادولو ألمحُ مخزناً لبيع الخمور المحلية بالجملة. أقول لجوان: في عودتنا من مونت فيورينو نتوقف هنا لنبتاع شيئاً نتزوّدهُ .
مونت فيورينو تبعد أحد عشر كيلومتراً من المفرق هذا .
نبلغ هدفَنا :
متحف المقاومة …
نرقى السلالمَ إلى أعلى مرتفعٍ بالمدينة. نبلغ المتحف. البوابة مُشْــرَعةٌ. ندخل. المتحف مغلقٌ !
أقولُ لجوان :؛ لقد بلغْنا مقصدَنا .
الطريق إلى إيثاكا أجملُ من إيثاكا .
ألم يقُلْ كافافي ذلك ؟
ندخل مقهى لنأخذ قهوةً لذيذةً وغْرابّـاGraa . من الشرفة يتألّق مشهدٌ جليلٌ من مَشاهدِ الألْب. المقهى يزدحم فجأةً بالنسوةِ المرحاتِ. نترك مونت فيورينو عائدَينِ . جوان ترتبك في محاولة العثور على مخزن الخمور. أقولُ لها: من هنا .
تجيبني ضاحكةً: أنت لاتعرف من الإتجاهات إلاّ ما أشارَ إلى حانة أو إلى حانوتِ خمرٍ !
نتزوّد ست زجاجاتٍ لهنّ هديرٌ من نبيذ Centurione الأحمر الثخين .
Costa Di Morsiano
03October 2008
في هذا الوادي الشاسعِ
هذا الوادي الموحشِ
هذا الوادي الـمُـلْـتَزِّ كئيباً بين جبالٍ زرقاءَ
أتمشّى
وأراقبُ طيراً يُجْفِلُ أو غصناً أثقَـلَــهُ تُفّاحُ النحلِ
وأحياناً ألمحُ أزهاراً آتيةً من فردوسِ الألْبِ :
بنفسجةَ الوادي
زرقاءَ الثلجِ …
كأنّ الوادي
هذا الشاسعَ
هذا الموحشَ
هذا الـمُـلْـتَـــــزَّ
يسيرُ ، بطيئاً، سِــرِّيّاً، كي يبلُغَ يوماًما فردوسَ الألْب !
*
وأنت … إلى أين تسير؟ منذ إيليا أبو ماضي، والناسُ تردِّدُ مع الشاعر: لستُ أدري. لكنّ الزمانَ اختلفَ. الأطفالُ أنفسُهم ، في أوروبا، مع التعليم المتقدم المتطور، يدرون بما حولهم ، وبما ينفع أو يَضرّ. إذاً على الشاعر، أن يتعلّم من الأطفال. عليه أن يكون دارياً بما حوله، وبما في دواخله أيضاً، وإلاّ كان هُـزأةً ومَسْخَرةً. بودلَير في أواسط القرن التاسع عشــر أرادَ أن يفتحَ عيونَ الشعرِ على البوليفار (الجديد آنذاك) وعلى حياة الناس العاديّين: Paris Spleen. لكنّ ما حدثَ في ما يُسْــمى اقصيدة النثر العربيةب كان على الضدّ ممّا اقترحه بودلير المؤسس، لا جهلاً بما اقترحَه الرجلُ، لكنْ خوفاً من التبِِعاتِ، لأن المتنفذين في ا قصيدة النثر العربية اهـــــــم صحافيون محترفون، في صحافةٍ محترفة، أي فاسدةٍ. بمعنى أن أيّ موقفٍ حقيقيّ من أهوالِ المنطقة قد يُعَرِّضُ مَن اتـــــّخذه إلـى سوء المصير. هكذا انصرفوا إلى ذواتهم التافهة الخاوية، يحلبونها كما يُحْلَبُ التَّيسُ. وهكذا صارَ لهم مقلِّدونَ وحُواةٌ ممّن يجهلونَ حتى اللغةَ التي يستعملونَها أداةً. هل وُلِدتْ ‘قصيدة النثر العربيةب ميتةً ؟
لستُ أدري. لكني أدري تماماً أنها في قطيعةٍ مع الحياة.
*
حول الدارةِ، دروبٌ صاعدةٌ هابطةٌ، كما هو الشأنُ في دروبِ الوعْرِ . أحياناً ألقى عنَتاً وأنا أحاولُ هذا الدربَ أو ذاك، بسببٍ من ضغطٍ في الدمِ مرتفعٍ. لقد أوصتني طبيبتي السيدة دَيل Dale بأن أمشي حتى لو آلَمَني المشيُ !
أنا أفعلُ هذا مرتَينِ في اليوم ، وألقى العنَتَ مرّتينِ في اليوم أيضاً .
أمسِ الأول، رأيتُ الرجلَ: كان فلاّحاً حقيقياً من إيطاليا، يلبسُ السواد على جســدٍ في منتهى النحول. وكان يجمعُ التفّاحَ
الـمُسّاقِطَ ، ويختار الصالحَ القليلَ. شجرةُ التفاحِ كانت من أشجار الله، ثمارُها للنحل والطير والبشـــر .
وأمسِ، رأيتُ الفلاّحَ ذاتَه، يدفعُ أمامه عربةً من ذوات العجلة الواحدةِ، وقد أوسَــقَها جذوعاً وأغصاناً، وقوداً لناره في الشتاء الذي يقتربُ .
قلتُ في نفسي: لقد التقيتُ فلاّحاً !
هذا الرجلُ الذي لو نفختَه لطارَ ، يصعد دروبَ الوعرِ ويهبطُها في خفّة السنجاب …
وأنتَ، الـمُـدّعي طَيَراناً ، توجعُكَ خطوةٌ صاعدةٌ !
السيدة دَيل، أمَرتْكَ، وعليك الطاعةُ …
وثمّتَ أمرٌ آخر :
لِمَ لا تتعلّمْ من الفلاّحِ الإيطاليّ ؟
أليس هو حليفَكَ في الثورةِ التي طالَ ما أســرفتَ في الكلامِ والكتابةِ عنها؟
اليومَ أيضا، تَـهَدّدَتْنا السماءُ بمطرٍ، فأتتنا بقَطْرٍ كقَطر الندى !
أخذنا الباندا في اتجاهٍ غير اتجاه ا كْواراب المألوف، عبر طريقٍ جبليّ يضيقُ كلّما مضينا فيه .
يبدو أن المنطقة جنةٌ للطيور !
في العودة توقّفنا عند امقهى ـ مطعم ـ بار البلفديربعلى ناصية الطريق. ليس في المقهى أحدٌ ســوى امرأةٍ هي مالكةُ المقهى .
طلبنا نبيذاً، كأسَينِ. جاءتنا بنبيذ من نوع كابرنيت سوفينيون. استغربتُ. فحصتُ الزجاجةَ، كان النبيذ من الشيلي !
قلتُ للسيدة: من أين أنتِ؟
أجابت: من إسبانيا .
سألتُ: من أين في إسبانيا؟
قالت: من إشبيلية .
الأندلس؟
نعم !
الآنَ فهمتُ لِمَ جاء النبيذ من الشيلي. أليست الشيلي البعيدةُ فِلْذةً من إسبانيا ؟
ضحكت السيدة، وظلت معنا في حديث ســرياليّ، حتى دخل جيوفاني
Costa Di Morsiano
04October 2008
تنظرُ جْوانُ، عَبْرَ الزجاجِ، إلى الأفْقِ. لا أُفْقَ. ثَمّّ الـجِـبالُ
تَلِيها الجبالُ، تليها الجبالُ، تليها الجبــــــــــــالُ …
وقد أسألُ جْوانَ: هل آنَ أن نعرفَ السهلَ؟ ماذا يخبئُ
هذا الذي لا نراهُ؟ الحقيقةُ قائمةٌ في الأساطيرِ، أم هــيَ
نائمةٌ في الدروبِ التي نتحدّر فيهِنَّ أو نعتلي؟
تنظرُ جْوانُ عبرَ الزجاج …
*
البارحةَ انضمّتْ سيلفانا إلينا قادمةً مع فوزي من ميلانو. اكتمل الشملُ. آخر مرةٍ رأيتُ فيها سيلفانا، كانت أوائلَ التسعينيات، بدمشق. كانت تزور مع فوزي العاصمة السورية للمرة الأولى. وقد أحبّتْ دمشق .
وهنا، في مورسيانو، سهرنا حتى وقتٍ متأخرٍ في مطعم ا باولا ا الذي اكتظَّ بالطاعمِين مع بداية عطلة الأسبوع. كان العشاء فاخراً على الطريقة الإيطالية، والنبيذ محليّاً مـتدفقاً. استهلكنا، نحن الأربعة، لتراً كاملاً ونصفَ اللتر !
لا يبدو الصباحُ مهدِّداً. الريحُ هدأتْ حتى صمتتْ أشجارُ الحَــوْرِ عن موسيقاها الأبدية. والغيومُ عاليةٌ شِـبْــهُ بيضاءَ. لَــــــكأنّ
دفئاً ما ينتشرُ في المنزلِ والساحةِ المحيطةِ .
اختفتْ سيلفانا !
ذهبتْ إلى بلدةٍ قريبةٍ، تتابِعُ أمراً يتّصلُ بتوسيع الطريق الضيّق المؤدي إلى الدارة .
إذ حدثَ أن سيارتَها الباندا انزلقت ذاتَ شتاءٍ ثلجيّ، فانكســر ضلعانِ من أضلاعها …
الشتاء قادمٌ، والمرأةُ ليست مستعدّةً لمحنةٍ جديدةٍ تصيبُ أضلاعَها .
الشمسُ، ذاتُ حرارةٍ ونورٍ، اليومَ .
لا بدّ أن قلعة مونت فيورينو، مقر جمهورية المقاومة، تتألّقُ في الأعالي .
الشيوعيون الإيطاليون، أعلنوا جمهورية المقاومة، في 1944 بعد أن حرروا المنطقة والجـــــــبال (نحن في سلسلة الأبَنين). كان عُمرُ الجمهورية شهراً .
اجتاحَها الجيشُ الألمانيّ المدجّج ، وأبادَ المقاوِمين جميعاً .
السؤالُ الآنَ: مَن المنتصرُ؟
مَن أعلى رايةَ الحريةِ ؟
مَن يرفعُ اليومَ أسطورةَ النشيدِ؟
مونت فيورينو، ستظلُّ الأغنيــةَ !
Costa Di Morsiano
06October 2008
حَوْرٌ وصفصافٌ. صنوبرةٌ وشجرة بلّوط. آسٌ وقرنــــفلٌ
عوسجٌ ونعناعٌ بَرِّيٌّ. زيتونةٌ. ونــخلةٌ من الهِـمَــــلايا
داليةٌ من توسكانيا. توتةٌ شــاميّةٌ من الغوطة. حَــلْفاءُ
من الجــــنوب الجزائريّ. سَــروةٌ من الأطلس الأوسـط .
نبعةُ ريحانٍ من سِيدي بوسْعِيد. دمعةٌ من عينَيّ المرهقَتينِ
أزرعُها كلَّها على تربتِكَ يا محمود درويش. يا صديقي .
أيها الثاوي برام الله …
*
مساءَ أمسِ، في متحف البحر، بِجَنُـــَوا Genova ، جاؤوا جميعاً. كلوديو بوتسّاني، وفوزي الدليمي، و لُــــوقــا، وجوان ماكنلي التي لم تعرفْها بَعدُ .
جاؤوا جميعاً إليك، وأنا برفقتِهم. الإيطاليون جاؤوا ، وصيّادو السمك. طاهي المطعم الذي تناولتَ فيه آخرَ وجــــــــبةِ سَــمكٍ. والساقيةُ. بحّارةُ السفنِ الغارقةِ جاؤوا، والقراصنةُ المتقاعدون. الفتياتُ الجميلاتُ منهنّ وغيرُ الجميلاتِ. أنت أيضاً جئتَ. كنتَ
تُحَدِّثُنا عن ضيفٍ ثقيلٍ يحملُ مسدّساً. كنتَ تقرأُ جالساً، على غيرِ عادتك. هل أنت متعَبٌ من ذلك القلبِ المشاكِس؟ ستكون المدنُ شاحبةً في المساءِ المبكِّرِ. عيناك الذكيّتانِ لن تكشفا ألقَها الســرِّيّ. نحن أيضاً امسَينا ســوانا. مَن سيحملُ عبءَ صداقاتِنا الفاترة ؟
مَن سيسألُ عن عشائنا وملابسِ أولادِنا؟ الحفلةُ التي أقمتَها لفلسطينَ والعالَم اطفأتْ أضواءَها لتتّــقدَ أنت. أنت الذي جعلَ اللغةَ مختلفةً. مساءَ أمسِ في متحف البحرِ، كنتَ البحّارَ الأكثرَ إبحاراً وغرَقاً. ناقوسُ السفينةُ البرونزُ الهائلُ سيظلّ يحمِـلُ اسمكَ منقوشــاً بألفِ لغةٍ . والعربيةُ؟ هل سيقرأُ العربُ موجاتِ الصَّنجِ الهائلةَ؟ هل سيتحمّلونَ صوتَكَ الأدقَّ رنيناً الآنَ؟
Costa Di Morsiano
08October 2008
في كْــــــوارا Quara
شيخٌ إيطاليٌّ يجلسُ في بابِ المقهى. يجلسُ في الشمسِ ضُحىً.
الناسُ يجيئونَ. الفتياتُ يجِئنَ .و كان يناديهِم بالأســماءِ.
يناديهِم بالأسماءِ جميعاً. باولو !باولا… وإلخ. لكنّ الناسَ
جميعاً لا يلتفتون. المقهى يزدحمُ. السوقُ الأسبوعيةُ تبتدئُ.
الشيخُ الجالسُ في بابِ المقهى. في الشمسِ ضحىً. يتركُ كرسيَّ
المقهى، ويغيبُ بمنعطَفٍ يأخذهُ نحوَ سبيلٍ مجهول….
*
للمرةِ الأولى، منذ مجيئي إلى قرية مورسيانو بسلسلة جبال الأبَنِين الإيطالية، سمعتُ ناقوسَ الكنيسة، وقد حملَ السكونُ الشاملُ رنينَه إلى ناحيتنا. كانت الساعة الثانية عشرةَ تماماً، منتصفَ النهارِ. اليومَ لم أسمعْ هذا الناقوسَ، لا نهاراً ولا ليلاً! قيل لـي إن الناسَ هنا غيرُ متديِّنين، لأسبابٍ تاريخيةٍ ، منها أن هذه المنطقةَ كانت ضمن جمهورية المقاوَمة التي أعلنَها الشيوعيون الإيطاليون في العام 1944 ، الجمهورية التي اتخذت مــــونت فيورينو عاصمةً لها، وقلـــــــعةَ (صخرة) مونت فيورينو مقرَّاً لقيادتِها، قبلَ أن يجتاحَها الجيشُ الألمانيُّ .
على أي حالٍ …
على الطاولة التي جلسنا إليها في المقهى، حيث كان الشيخُ ، ورقةٌ عريضة، إعـــلانٌ أو شِبْهُ إعلان .
الفضول دفعَني إلى محاولة قراءة الورقة :
الأحد، الثاني عشر من أكتوبر 2008ُ
الذكرى الرابعة و الستون لأحداث توانو
تضمّنَ الإعلانُ تفاصيلَ الحفل، وفيها خُطَبٌ وموسيقى، كما أوردَ الإعلانُ أسماءَ المقاوِمين الأحدَ عشــَرَ الذين قُتِلوا يوم الثاني عشر من أكتوبر 1944
لويجي تشيرفيLuigi Cervi
نينو فانتوسّيNino Fantuzzi
والتر غاندينيWalter Gandini
إنريكو كامبارَلليEnrico Gambarelli
كلودوفيو غالليClodoveo Galli
أليتي باغليانيAlete Pagliani
فيتورير روفرسي Viorio Roversi
فرانكو سبيسّانيFranco Spezzani
ماريو فيرونيMario Veroni
فنتشينزو فالاّVencenzo Valla
فالتر سـتيرونيWalter zironi
مَن يدري؟
أكان الشيخُ، شيخُ المقهى المختفي، ينادي سِرّاً أو علَناً أولئك المقاومين الأحدَ عشــرَ؟
لقد كان قريباً منا، يراقبنا، ونحن نتفحّص الإعلانَ.
Costa Di Morsiano
09October 2008
شــــجرةُ اللهِ
كلَّ خريفٍ تنفضُ أشجارُ التفّاحِ، التفّاحَ،
وتُبقِي الأوراقَ …
الأوراقَ الخُضرَ، الأوراقَ المشدودةَ كالجِلْدِ إلى الأغصانِ
كأنّ الأشجارَ تقولُ :
الأثمارُ طعامُ الإنسانِ
ولكنّ الأوراقَ بيارقُ مملكتي …
*
أسميتُ شجرةَ التفّاحِ، عند استدارةِ الـمَمشــى من الدارةِ إلى الطريق العامّ، بالقرية ،شجرةَ الله.
لأسبابٍ منها أن الشاعرَ حِسَب الشيخ جعفر أسْمى نخلتَه الشهيرةَ نخلةَ الله، ومنها أن شجرةَ التفّاحِ هذه يأكلُ منها النحل والطيرُ والظبيُ والخنزيرُ البرّيّ، ويأكلُ منها الفقراءُ أمثالي.الشجرةُ تنفضُ أثمارَها، ليلاً كما يبدو، أو نهاراً حين تتحرّكُ الريحُ. مرّةً واحدةً سقطتْ منها تفّاحةٌ على رأسي.لم أشعرْ بأذىً. ربّما قدّرتْ التفاحةُ الساقطةُ ما أنوءُ به من عناءٍ. أمسِ الأولَ رأيتُ امرأةً متّشحةً بالسوادِ تجمعُ ما تختارُه من تفّاحٍ مُسّاقِطٍ . آنَ اقتربتُ أسرعتْ مبتعدةً !
لكني لا أجدُ حرَجاً في أن أجمعَ الصالحَ من التفّاحِ. التفاحةُ الساقطةُ تنفلجُ أو تتعفّرُ. وعليكَ أن تجدَ تفّاحاتِكَ اللواتي ستُباهي بهِنَّ الأممَ !
الفلاّحُ الذي كان يدفعُ، أمامه، عربةً من ذواتِ العجلةِ الواحدةِ، هو مثلي، لا يجدُ حرَجاً في أن يجمعَ الصالحَ من التفّاحِ. النحلةُ تفعلُ ذلك، والطيرُ، والظبيُ، والخنزيرُ البرّيّ .
مَن قالَ إن تفّاحَ شجرةِ الله فاسدٌ؟
في صحنٍ عريضٍ على مائدة المنزلِ، كان تفّاحٌ أخضرُ مشترىً .
جئتُ بتفّاحاتِ شجرةِ الله ووضعتُها في الصحن جوارَ التفّاحِ الأخضر المشترى. تفّاحُ شجرةِ الله كان يتيه بألوانهِ: الخدّ والخدّ …
رائحةُ المكان اختلفتْ. لقد دخلت الغابةُ. دخلت شجرةُ الله إلى هذه الحجرة من الدارةِ العالية !
*
ما أكتبُه اليومَ، هو من ملحوظاتِ أمسِ .
كانت جْوان تبحثُ عن موضوعٍ لقصيدةٍ تكتبُها .
مررنا بشجرةِ الله .
قلتُ لجوان: هل أقترحُ لكِ موضوعاً؟
قالت: مرحباً !
قلتُ لها: شجرةُ التفّاحِ تُسقِطُ تفّاحَها، وتُبقي على الأوراق ِ …
كانت أرضُ الممشــى مفروشــةً بالتفّاحِ .شجرةُ اللهِ تتألق، تحتَ شمسٍ خريفيةٍ ساطعةٍ، متباهيةً بورقٍ أخضر، لا أزهى ولا أبهى من خضرته، بينما شجرة البلّوطِ المجاورة تنثر ورقَها الأصفرَ على الممشــى نفســه .
Costa Di Morsiano
10October 2008
حُــــــمْـــــــرةٌ
فَجأةً، حتى بلا معنىً … تَمادى الكونُ في الـحُمرةِ.
وجهُ المرأةِ احمَرَّ. صدارُ الصوفِ يَحْـمَـــرُّ. المماشـي
في الشِّعابِ احمرَّت.الغيمةُ والسَّــروةُ تَـحْمَــــرّانِ.
والأوراقُ في الأشجارِ والأحلامِ تَحْـمَــرُّ. خريـــفُ
الأبَنِِـين. الخمرُ والجَوزُ. عروقُ الكفِّ إذْ تُمسِــكُ
بالكأسِ. أهذا ما نُسَـمِّـيهِ الخريف؟
*
قد كنتُ سَمعتُ عمّا يطرأُ على الطبيعةِ من تحوُّلٍ في شهر أكتوبر (أنا أتحدّث عن الطبـــيعة في أوروبا). لكني هنا، في هذه المنطقة المنقطعةِ من سلسلة جبال الأبَنين، أرقَبُ بفضولٍ واستمتاعٍ،
ما تهَبُهُ الأرضُ لساكنيها من نبْتٍ و بشرٍ وحيوان. الهِبةُ، هنا، وفي أواسط أكتوبر، هي الجمالُ
مُـطْلَقاً. نقّارُ الخشبِ أخضرُ في الأبَنين، يطيرُ في شبهِ تمَـوُّجٍ. إنها المرّةُ الأولى في حياتي التي أرى فيها نقّارَ خشبٍ أخضرَ اللونِ. نقّارَ خشبٍ يطيرُ. كنتُ أراه دائماً مُكِبّاً على الجذع: تِكْ تِكْ تِكْ
الأوراقُ في تحوُّلٍ. اصفر.جوزيّ.بُنّيّ.أحمر.أحمرُ فاقعٌ.أحمرُ نحاســيّ.أحمرُ ناريٌّ.أحمرُ لا يُسَمّى.
الظباءُ تتجوّلُ حرّةً. أحياناً تتوقّفُ محَدِّقةً فيكَ، متسائلةً: مَن جاء بك إلى حارتِنا؟ طيرُ الحَجَلِ
لا يجفلُ منكَ. الطيورُ تَسـْـرحُ كالأنعامِ.النبيذُ الجديدُ، فوّاراً (كما يحبُّهُ أهلُ المنطـقةِ) وغيرَ فوّارٍ
سيُقيمُ مهرجانَه بعد يومَين. سوف نذهبُ كالحجيجِ إلى تلك القرية المبارَكـــة !
المساءُ شــرعَ يهبطُ .
كان الغيمُ أحمرَ ورديّــاً .
*
جاءتْ إليّ يمامتانِ
وحطَّتا فوقَ الوسادةِ في الصباحِ …
وقالتا :
سنكونُ، يا سعدي، جناحَيكَ !
انتبِهْ!
إن الحياةَ كريهةٌ
لو عِشْــتَها مُتَتَبِّعاً مَن هَبَّ أو دَبَّ …
الحياةُ كريمةٌ
لو عِِشْتَها كالطيرِ …يا سعدي!
*
انقشعَ الضبابُ ســريعاً، هذا الصباح. بدت البيوتُ على السفح المقابلِ واضحةً. كان شــيءٌ من ندى الليلِ يبلل الممشــى، خارجَ الدارةِ، حتى ليتوهّم المرءُ أن المطر جاء في الليل .
القطةُ تعرف قبل غيرِها أن المطر لم يأتِ ليلاً، ولن يأتي اليومَ أيضاً. القطةُ تشحذ مخالبَها على جذعِ شجرةِ بلّوطٍ معيّنــةٍ .
لستُ أدري إنْ كنّا سنذهبُ ، هذا النهارَ، في جولةٍ ما.
جاءت سيلفانا مع فوزي، من ميلانو، في الصباح الباكرِ .
قالت إن أباها المقيم في مأوى للشيوخ في فيلاّ مينوسّــو القريبة، هو في حالةٍ صحيةٍ ليست حسنةٍ .
أخبروها ذلك بالهاتف .
رجوتُها مع فوزي أن يدخلا .
قالا: علينا أن نسرعَ إلى فيلاّ مينوسّــو .
قد يكون الطبيب هناك .
والدُ سيلفانا يبلغ الرابعةَ والثمانين. نتمنى له العافيةَ والعمرَ المديدَ …
ونحن نستخدمُ سيارتَه الباندا !
في حوالَي الساعةِ الواحدةِ ظُهراً، عُدنا من جولتنا الصباحيةِ لنجد سيلفانا وفوزي في المنزل .
قالت سيلفانا إن أباها بخير .
*
الساعة الثالثة عصراً.
أنا في الشرفةِ .
جْوان ذهبتْ في ما عبّرتْ عنه بالجولة الطويلةِ مشياً .
ربما ذهبتْ مستاءةً مني لأني كنتُ منهمكاً، كنقّارِ الخشب، بالكومبيوتر: تِكْ تِكْ تِكْ !
لم أُجِبْها إلى ندائها المتكرر حول صحنِ الغَداء …
بدأ الجوّ يتغيّر قليلاً، أعني أن نسيماً بارداً أخذ يهبّ. هذا النسيمُ قد يتحوّلُ إلى ريحٍ، والريحُ غيرُ مأمونةٍ في هذه الجهاتِ .
ثمّ أننا في أواسط أكتوبر !
الشمسُ لا تزالُ تبعثُ الدفءَ في مفاصلي. لكنّ عليّ الدخولَ إلى الدارةِ إذْ أن الّلابتوب
(الكومبيوتر المحتضَن) لا يُقرأُ واضحاً في الشمس .
جْوان لم تأتِ بَعدُ .
لقد طالت جولتُها …
لستُ قلِقاً، فالناسُ في هذه المنطقة الجبلية النائية من إيطاليا مُفعَمونَ ودّاً ونخوةً وخُـلُقاً رفيعاً .
سوف أُنهي هذه الصفحةَ العشــرين من كتاباتي الأبَنينيّــةِ الآنَ .
وقد استمتعُ بقيلولةٍ متأخرةٍ جداً مقايَسَةً بأهلِ المنطقة !
لن أقول: مساء الخير .
المساء لن يأتي ســـريعاً .
الغيومُ الشفيفةُ ستتلوّن بالورديّ أكيداً .
آنَها يحقُّ لي أن أقول: مساء الخير !
Costa Di Morsiano 11October 2008
أغنيـــــةٌ
يا ما أخذتُ الهَـــوى
بالحُلْمِ والأحضانْ …
أغفو على نِـعْـمةٍ
أطفو على ريحانْ.
والبَدرُ في راحتي
والوردُ في البستانْ …
يا ليتَ شمسَ الضحى
حَـنّتْ على الولهانْ !
*
مساءَ أمسِ، كانت سفوحُ الجبالِ لا تكادُ تَبِيْــنُ. ضبابٌ كثيفٌ أطبَقَ على هذه الجهة من الأبَنِين. لا يكادُ المرءُ يتبيَّنُ شيئاً، بشراً، أو شجراً، أو حَجَراً. ليلٌ مُنذِرٌ !
لكنه ليس كليلِ النابغة أكيداً .
ربّما سمعَ المرءُ قِباعَ خنزيرٍ برّيٍّ. هذا كلُ ما في الأمر .
الليلُ دافئ .
هل سيكون الصباحُ دافئاً ؟
قد كنتُ ألـمَحْتُ إلى أنني أشكو من ارتفاعٍ ما في ضغطِ الدمِ أدّى إلى آلامٍ في ساقي اليسرى تُعرقِلُ حركتي الحرّةَ حين أمشــي .
أوصتْني طبيبتي بتناولِ قُرصٍ واحدٍ يومياً لتخفيض الضغطِ، وبالمشيِ حتى لو عانيتُ من ألمٍ .
وقد صَدَعْتُ بما أمَرَتْ !
لكني لم أشعرْ بآلامٍ في ساقي اليسرى، هذا الصباحَ. أكان ذلك بسببٍ من الدفء العميمِ ؟
أكان ذلكَ بسببِ ليلةِ حُبٍّ غامرةٍ ؟
أنا سعيدٌ على أيّ حالٍ !
*
اليومَ، سنحتفل بعيد ميلاد سيلفانا !
سوف نذهب إلى مكان (قريبٍ؟) بمقاييس المنـــــطقةِ من فيلّلا مينوسّــــو. نذهـــب إلى ممرّ برادَرِينا، Pao Di Pradarenaوثمّتَ مطعمٌ شــهيرٌ يطلُّ على الوادي .
سننطلق من مورسيانو في الساعة الثانية عشــرةَ تماماً !
بعد حوالَي ســاعتَينِ من ارتقاءِ الجبال في طريقٍ جيدٍ لكنْ شــديدِ التعرُّجِ، بلغْنا المكانَ :
كان يرتفع أربعة آلافِ قدمٍ عن سطح البحر .
الشجرُ زانٌ احمرّتْ أوراقُهُ حتى غدا الجبلُ أحمرَ .
و تَنّوبٌ اخضرَّتْ أوراقُهُ إلى أبد الآبدين !
ما إن تهبط من المطعم حتى ينفتحَ أمامك الطريقُ إلى توسكانيا ، الطريقُ إلى بلدة لوقا Lucca القديمة، البلدةِ ذاتِ الأسوارِ، أسوارِ القرونِ الوســطى .
أمضينا في المطعمِ ساعةً ونصفَ الساعةِ .
الغداء فاخرٌ. لحومٌ من المنطقة.خمرٌ من المنزل.خبزٌ توسكانيّ. معجَّناتٌ مع الفِطْرِ، فــطْرِ الغابة.
في العودةُ سـهَّلَ المنحدَرُ عبءَ الطريقِ الطويلِ .
مررنا بـSologno ســولونيو، التي سيقامُ فيها غداً، الأحَدَ، مهرجانُ النبيذِ الجديدِ …
البلدةُ هذه، من القرون الوسطى أيضاً، لكنها غيرُ ذاتِ أســـوارٍ .
ولسوفَ نكونُ هناك.
لكنْ ليس مع الفجرِ الأولِ، إذ أننا سننامُ حتى الضحى !
ليكُنْ عيدُ ميلادِكِ، يا سيلفانا، الأبهى بين الأعيادِ !
11
Costa Di Morsiano 12 October 2008
أشجارُ الزانِ بأعلى الجبلِ العالي
اندفعَتْ تحتَ سماءٍ صافيةٍ ســقفاً للعالَمِ …
أشجارُ الزانِ تلوِّنُ هذا الجبلَ العالي
سقفَ العالَمِ
بالأحمرِ والجَوزيّ، وبالأصفرِ والورديّ .
أحاورُ غصنَ الزانِ
أحاولُ أن ألْـمُـســَــهُ
أن أتقرّى باللمسِ الأوراقَ
الأوراقَ الحمراءَ
الصفراءَ
الورديّةَ …
كان الورقُ الجوزيّ يُطقطِقُ تحت أصابعيَ
الورقُ الأحمرُ يرتجفُ
الورقُ الأصفرُ يخشوشِنُ كالجِلْــدِ
الورقُ الورديّ يدغدغُني …
يا شجرَ الزانِ بأعلى الجبلِ العالي
هل ترضى بي غصناً في سقفِ العالَم ؟
هل ترضى بي واحدةً من أوراقِكَ ؟
واحدةً حمراءَ …
*
في الساعة الحاديةَ عشرةَ، كنتُ مع جْوان في سولونيو، حيث مهرجانُ النبيذِ الجديد .
المهرجاناتُ، في هذه النواحي من إيطاليا، متواضعةٌ، لكنها حقيقية. أعني أن المبالَغة أمرٌ قد يرفضه الناس.
النبيذ الجديدُ أقربُ في طعمه إلى الحلاوة.
وهو يقَدَّمُ مجّاناً !
أخذتُ ثلاثَ كؤوسٍ منه، كذلك فعلتْ جْوان.
أمضَينا في البلدةِ ساعتَينِ .
*
اخترتُ العزلةَ التامّةَ .
سعيدٌ بأنني لم أعُدْ متلهفاً على البريد الإلكترونيّ.
سعيدٌ بأنني لا أفتحُ جهازَ التلفزيون .
سعيدٌ بأنني لا أسمعُ الأخبارَ، ولا أسألُ عنها.
سعيدٌ بأنّ رنينَ الهاتفِ همَدَ تماما.
سعيدٌ بأنني لم أعُدْ أتذكّرُ أحداً من المدينةِ التي غادرتُها قبل أسبوعَينِ.
*
هل بإمكانِ المرءِ أن يُعِيدَ تشكيلَ ذاكرتِهِ؟
أن يستبعدَ قديماً، ويستعيدَ جديداً؟
أعتقدُ أن الأمرَ ممكنٌ.
أليسَ الإنسانُ أذكى من الآلةِ؟
الكومبيوتر يفعل ذلكَ. لِمَ لا يفعلُ الإنسانُ الأمرَ ذاتَه؟
12
Costa Di Morsiano 13 October 2008
هل هذا الليلُ طويلٌ حقّاً؟ غابتْ شمسٌ باردةٌ خلفَ جبالٍ.
واختفت القطةُ بين العشبِ العالي كالنَّـمِرِ.القمرُ المكتــملُ
أستقبلَ شُـــرفةَ دارتِنا ومضى يسألني عن أقمارٍ نائــــمةٍ
في مخطوطاتٍ جِـلْــدٍ.أسمعُ خشخشــةً في قاعِ النهرِ اليابسِ
أهُوَ الخنزيرُ الوحشـيُّ؟ الخنزيرُ القاتلُ في قِرْطاجَـنّــــةَ؟
أَمْ أنّ ظِباءً ضلّتْ مسلكَها إذْ فزِعَتْ من طلقةِ صيّادٍ كـــــان
يجرِّبُ أن يُصْلِحَ في الليلِ سلاحاً خابَ نهاراً؟ لا أسمــــعُ
طيراً. لا مِن كلبٍ ينبحُ.ثَمَّ ســـماءٌ صافيةٌ من دونِ نجومٍ.
ثَمَّ تهاويلُ الشجرِ، البلّوطــةِِ في منعطفِ الممشـــــــى،
والتفّاحةِ عندَ الوهْدةِ.أطلالُ النَّــهدةِ لا تبدو أطــلالاً .
هل هذا الليلُ طويلٌ حقّاً ؟
*
إنجليز اشـترَوا أرضاً، هنا في الأبَنين، غيرَ بعيدِينَ عن دارةِ سيلفانا وفوزي. بل أن بمقدوركَ أن ترى أملاكهم حين تخرج من الدارة العالية، إذ أنهم في ما يشبهُ الوهدةَ مقايسةً بموقع الدارةِ.
المنزل الإنجليزيّ من خشبٍ جوزيّ اللونِ. المنزلُ واســعٌ تسوِّرُهُ حديقةٌ ذاتُ ممشىً ضيّقٍ كالخندق.
سيّارتُهم الميني كوبَر ماثلةٌ، كالعلامة المسجّلة. لم أرَ أحداً يدخل إلى المنزل أو يخرجُ منه. سألتُ جْوان. قالت: إنهم هنا. كيفَ عرفتِ؟ أعرفُ! أتحبين أن تقولي لهم: مرحباً؟ لا أريد !
أحياناً أتساءلُ مع نفسي، وأنا أمرُّ في جولتي المعتادة على المنزل الإنجليزيّ: لِـمَ، إذاً، جاءَ القومُ إلى إيطاليا؟ إلى ريفِ الأبَنين تحديداً؟
أتُراهم سيظلّونَ يشربونَ شــايَهم اللعينَ، داخلَ مُلْكِهِم الخاصّ إلى الأبد؟
13
Costa Di Morsiano 14 October 2008
منازلُ بِيضٌ في السفحِ.ضبابٌ. آخرُ مصباحٍ للدربِ.
صنوبرةٌ تَحجِبُ مرأى السّقفِ ببيتِ الأُختَــينِ.
لِماذاَ أنظرُ في اللاشـَيءِ؟ هل الدنيا واســعــــــةٌ؟
ساقي تؤلـمُني. أتُراني ســرتُ طويلاً وبـــعيداً؟
أعَلَيَّ لُزومُ البيتِ؟ لُـــزومُ قوانينِ السَّـــــيرِ …
منازلُ بِيضٌ في السفحِ.
ضَبابٌ ينقشعُ …
*
سوناتا موتسارت الثانيةَ عشــرةَ !
كم فكّرتُ، ولو كالأحمقِ أني سأؤلِّفُ سوناتا …
لكنّ لنا، نحن، الشعراءَ، الحقَّ بـ “سُــونَيت” الشعراء .
ليس لنا أن نتدخّلَ في ما ليس لنا.
مرةً، كنتُ أرحلُ على ضفة الدانوب. بلغتُ الديرَ الشهـــيرَ، حيث كتبَ أمبـــــرتو إيــــــــــكو “اسم الوردة” .
هناك رأيتُ موتسارت الطفلَ.
قد كان أُجلِسَ على برميلٍ كي تبلغَ أناملُهُ مفاتيح الأرغن. كان بكامل مـَلْـبسِهِ !
قيل إن السوناتا الثانيةَ عشـرةَ من اشــهرِ الأعمالِ الموسيقيةِ حِسِّــيّةً.
مشكلةُ السونَيت في الشعر، أن الشكل فيه محدَّدٌ جداً.
الأمرُ كذلك مع السوناتا. لكنّ موتسارت ليس محدَّداً !
14
Costa Di Morsiano 15 October 2008
كأنّ سِـلْكاً رفيعاً يخترقُ ساقي اليسرى
ابتداءً من القَـدَم.
عسيرٌ عليّ أن أصلَ إلى الباب المفتوحِ على الشرفةِ
الشرفةِ التي أرى منها منازلَ السفحِ
والصنوبرةَ
والكنيسةَ البعيدةَ التي يقتربُ منها الغيمُ الشفيفُ.
لا أريدُ أن أتدلّى في البئرِ
مع محفوظاتي عن حدائقَ قطعتُها راكضاً في الضحى
وعن ضفة الدانوب التي شهدتْ عَرَقي يقْطُرُ على الثلجِ.
أريد أن أصلَ إلى الشــرفة…
إلى الشُّرفةِ فقط.
*
لستُ أتعمّدُ استعادةَ الصباحِ. لكني، في ألـمي النغّارِ،أجِدُني مدوَّخاً بجمالِ ما كنتُ فيه. تلالٌ، ومروجٌ أكثرُ.شجرٌ لا يمنحُ شِبراً لغيرِ الشجرِ.السماءُ قريبةٌ.كأنّ الشــجرَ أعشاشٌ عجيبةٌ لطيورٍ
نعرفُها.منازلُ تحسَبُها ضائعةً بين سلاسلِ الجبالِ.قِيعانُ أنهارٍ يابسةٌ تنتظرُ أيامَ الهديرِ. سوقٌ
أسبوعيةٌ في إحدى القرى يبيعُ فيها مغاربةٌ حقائبَ نسوةٍ من جِلْدٍ كاذبٍ.سألْنا امرأةً إن كان هناك
مقهى قريبٌ.قالت: لا أفهم.أشعرُ، هنا، بأنّ لندن أسطورةٌ في الكتب. ما معنى المدينةِ؟ ماذا يمكنُ
للمدينةِ أن تهَبَ إزاءَ كلِ هذا الجمالِ؟ثلاثةُ ظِباءٍ تقطع الطريقَ العامَّ متمهلةً كأنها تسلكُ ممرَّها الأثيرَ في الغابةِ.عسلٌ برِّيٌّ. عسلٌ أســودُ في الشاي. في سولونيو كان النبيذُ الجديدُ خفيفاً أقربَ إلى الحلاوة. شجرةُ التفّاحِ عند ممشــى الدارةِ ظلّتْ تُسقِطُ ثمارَها منذ أسبوعَين. الآنَ تحملُ الشـــجرةُ
ورقاً أكثرَ من الثمرِ. لكنّ شجرةَ تفّاحٍ أخرى، عند الجيرانِ، بدأتْ تنفضُ تفّاحَها، أخضرَ، صُلْباً.
15
Costa Di Morsiano 16 October 2008
غُــوْفـــــا Gova
أهبِِطُ ،وأهبطُ .
ثمانيةُ كيلومتراتٍ من الهبوطِ. بعدَها “الجســرُ الروماني” .
إيطاليا، كلُّها، جسرٌ رومانيّ. لكنّ غوفا لها جسرُها أيضاً.
تعبتُ من الهبوطِ. قلتُ للسيدة الإنجليزية: أستريحُ هنا !
على مصطبةٍ خشبٍ باليةٍ جلستُ.حولي منازلُ ثلاثةٌ تسمعُ
أحياناً أصواتَ ساكنيها، لكنك لا تراهم.هل كان الرومانُ
هنا؟ هل ابتنَوا جسرَهم، قنطرتَهم، ليَصِلوا بين جبلَينِ ؟
الورقُ يَسّاقَطُ حولي.أسمعُ للمرةِ الأولى في حياتي الصــوتَ
الخارقَ لورقةٍ تسقطُ.كأنّ امرَءاً يخطو خطوتَه الأولى علـى
الأرضِ.الصوتُ خارقٌ، وكنتُ مع كلِ ورقةٍ تسقطُ أنظرُ إلى
المنعطَفِ .أهي خطوةُ السيدةِ ؟الأرضُ كــــلُّها ورقٌ أصفرُ
و بُنِّي.ثمرُ الكستناءِ منثورٌ علــى الورقِ.أنا جالسٌ علــى
المصطبةِ القديمةِ أتأمّلُ الأرضَ.ألمحُ فراشةً صغيرةً على الورق.
أهيَ كسيرةُ الجناحِ؟ نملةٌ تأتي وتحاولُ أن تسحبَ الفراشةَ
من جناحِها الـمَهِيض.أتدخّلُ لأنقذَ الفراشةَ. آخذُها بين
أناملي.أتأمّلُها. أميّتةٌ هيَ؟ أُعيدُها إلى منزلِ الورق. النملةُ
تأتي في أقلّ من لحظةٍ ،لتُمسِكَ ثانيةً بالجناحِ.تسقطُ ورقةٌ
وأنظرُ إلى المنعطَف. السيدةُ الإنجليزيةُ تعود متوردةَ الوجنتَينِ.
16
Costa Di Morsiano 16 October 2008
اليوم، خميسٌ. آخرُ خميسٍ لي في هذا الوادي غيرِ العميقِ من جبالِ الأبَنين. الريحُ نشيطةٌ .وأوراقُ الخريفِ تسقطُ في هَبّاتٍ صُفْــرٍ، لا واحدةً واحدةً كما رأيتُ في الأيامِ السابقةِ. أفي الجوّ بردٌ خفيفٌ ؟
ساقي اليسرى تؤلِــمُني بالرغمِ من الفولتارين الذي تناولتُهُ مع فطور الصباحِ. ألأنّ الجوّ تبدّلّ قليلاً
إلى الباردِ؟ أمسِ، في بار” كْوارا” الذي أرتاده اعتياداً، رأيتُ عاملاً مغربيّ الملامحِ يُسْنِدُ عكّازتَيهِ
إلى البارِ، ويتناول مشروباً غيرَ كحوليّ، بينما صاحبُه الإيطاليّ يتناول كأسَ نبيذٍ توسكانيّ أحمر.
حيّـيتُهُ بالعربية. التفتَ إليّ غيرَ مُـصَدّقٍ. ردَّ عليّ السلامَ.استفسرتُ منه إنْ كانت إصابتُهُ نتيجة حادثةِ سَيرٍ. أجابَ: حادثة عملٍ. كان لا يزال غيرَ مُصَدِّقٍ أن شخصاًما يتكلّمُ العربيةَ في هذه القريةِ المنقطعةِ بالأبَنين. سألَني: أرأيتَ طنجةَ؟ أرأيتَ طنجةَ ؟
عددتُ له كل مدن المغربِ التي زرتُها من سبتة إلى وجدة. لكن طنجة لم تكن من بينِها! وعاد يسألني: هل رأيتَ طنجة ؟
اعتقدُ أنه كان يظنني إيطالياً يعرف شيئاً من العربية. ربما لأنه رآني مع السيدة الإنجليزية نرتشفُ نبيذاً أحمرَ توسكانيّاً، شأنَ صاحبِه الإيطاليّ!
غادَرَ الشابُّ المغربيُّ، البارَ، بمساعدةٍ من صاحبه الإيطاليّ.
لم أحظَ بتحيةٍ منه إذ غادرَ المكانَ .
في طريقِ عودتنا من كْوارا إلى مورسيانو حيثُ نُقيمُ. لمحتْ جْوان امرأتَينِ تسيرانِ على جانب الطريقِ. كانت إحداهما تغطّي شَعرَها. نظرتُ إليهما. كانتا فتاتَينِ مغربيّتَينِ شديدتَي السُّمرةِ.
لا بُدّ أنهما تشكّلانِ مع الشابّ ذي العكّازتَينِ، الجاليةَ المغربيةَ بهذه القريةِ الإيطاليةِ :كْوارا!
*
البردُ يشتدُّ.
دخلتْ جْوان إلى المنزلِ بعد أن كانت جالسةً في الحديقةِ.
قالت: العاصفةُ تقتربُ !
17
Costa Di Morsiano 17 October 2008
الجمعة. سيلفانا وفوزي سوف يصلانِ من ميلانو بعد الظهر، كعادتهما، لنقضي عطلةَ الأسبوع الأخيرةَ، معاً.
عصرَ أمسِ، الخميس، هطل المطرُ. لم يكُنْ غزيراً، لكنه كان كافياً ليُعَلِّقَ قُزَحٌ قوســـَهُ. للمرة الأولى في حياتي أرى قوسَ قُزَحٍ يهبِطُ إلى الوادي من سفحِ الجبلِ ! أعني أن قوس قُزَحٍ لم يكُن، مثل َما عهدْنا، يصِلُ بينَ طرَفَـــي السماءِ. أمسِ أيضا، اشتدّتْ آلامُ ساقي. أوَيتُ إلى الفراشِ مبكراً جداً.
من كُـوّةٍ في غرفةِ النومِ، لا بُدَّ لي من أن أتابعَ بنظري، ما يواجهني خارج الغرفة، خارج المنزل.
آخرَ مصباحٍ في الدربِ.
سبعَ نوافذَ موقَدةِ الأنوارِ على السفحِ الآخرِ.
بُرْجَ كنيسةِ مادونا المرتفَعات.
لكنّ الليلَ يُخَشْخِشُ بالأصواتِ …
أتَوَهَّمُ أني أسمعُ مسعى القنفذِ.
ذيلَ الثعلبِ.خِطْمَ الخنزيرِ الوحشيِّ. حفيفَ الظبيِ. الحيّةَ .
أحياناً أتوهَّمُ أني أسمعُ صوتي …
وأشُـــمُّ روائحَ :
أزهاراً تتفتّحُ في الليلِ. وتِـبْنــاً محترقاً. مَوقِدَ قسِّيسِ القريةِ. أرديةَ امرأةٍ تُنْـضى.
*
هل أعودُ إلى المكانِ؟
ليس من عودةٍ. المكانُ لن يكونَ هذا المكانَ.
*
ســاقي تؤلِــمُـني.
لن تحملَـني بعيداً.
أو قد تحملُــني ابعدَ مـمّــا أريدُ !
* اكتملَ النصّ.
No virus found in this incoming meage.
Checked by AVG – http://www.avg.com
Version: 8.0.175 / Virus Database: 270.8.2/1741 – Release Date: 27/10/29 07:57
القدس العربي