رأسـان
عباس بيضون
لا اعرف أمين الزواوي شخصياً وإن كان اسمه يخطر كلما تعرفنا على الجزائر الثقافية، لأمين الزواوي منصب في الجهاز الحكومي للثقافة وطالما حيّرنا هذا الجهاز وخاصة في البلدان التي لم تخرج بعد من تجربة التأميم، وقد تخرج بالتدريج في مجالات الاقتصاد فخصص شركات حكومية ويكون المستفيدون في الغالب من الطغمة الحاكمة نفسها، لكنها لا تزال تقتص على الثقافة بيد مسيطرة، فالجهاز الثقافي ذراع إعلامية دعوية للحاكم وهذا في البلدان التي اممت فيها السلطات طويلاً الحياة السياسية والثقافية تقليد لم ينته أوانه بعد، لا يزال الحاكم يحتاج الى هيمنة من هذا النوع، ولا يزال يظن ان أمراً كهذا ينفعه والحق ان شيئا كهذا يغطي الامور ويعميها على الحاكم نفسه، فيظن هذا ان الطنطنة الاعلامية والتلميع الاعلامي حقيقة اكيدة. فيكون بذلك كمن يصدق نفسه في النكتة المشهورة، وما يظن انه يجوز على الجمهور لا يجوز الا عليه. لكنه مع ذلك كله يفضل ان تكون صورته زينة الصحف اليومية وان يكون اسمه لازمتها الدائمة.
كل هذه المقدمة طويلة لأقول ان الزواوي من جهاز حكومي وان أمر هذا الجهاز محيّر. اذ لا نزال نتردد في تسليم الثقافة للسوق فترتفع كلفتها عندنا ولا يرتفع مستواها، وقد نكتفي احيانا بالرضى في ان يكون المدير مثقفاً حقاً وأن يكون عارفاً مطلعاً، نقبله كذلك على انه أفضل الممكن ونقبله على انه مناسب في مكان يجر غير المناسب فيه الفضيحة على المجتمع والدولة، هذا هو أمين الزواوي وهذا هو سواه من مدراء الثقافة. هؤلاء اذا كانت لهم مخيلة وعلم قد ينفعون في موضع قد تغفل عنه الطغمة وتدعهم ينجزون فيه بدون عوائق خانقة. أمين الزواوي قد يكون هذا ومن مصلحة الحكم ان يكون له عون مثله فتشفع اخبار الفضائح والفساد بمكتبات وسلاسل منشورة وترجمات. اما اذا لم يحتمل الحكم أمين الزواوي فهذا يعني ان هوامشه تضيق او لم يبق لديه هوامش.
القصة يعرفها الجميع. قال ادونيس في الجزائر ما يقوله في كل مكان، لكن الجزائر ليست كل مكان. لم يطو بعد حساب الحرب الاهلية والحكم يرى أن الاسلاميين قد ضعفوا الى الدرجة التي يمكنه ان يحتويهم في سياسته، هذا خطأ منابر منذ عهد السادات. لكن الحاكم لا يبالي في ان ينافس على التشدد الديني، فقديما كان بين وطنية النظام والانبعاث الديني اكثر من تقاطع، ذلك يرسم حدود الديموقراطية. في وسع تواطؤ حديث بين الخصمين القديمين ان يستبعد من الدائرة كل الاطراف الاخرى وكل الهوامش. هكذا يزيل بسرعة ربيع الجزائر، هكذا تبدأ التجربة الديموقراطية بالإجهاض. اما الثمن الدموي الرهيب الذي دفع فيغدو بعد حين في النسيان.
السفير