صفحات ثقافية

أسانيد غير مكتملة

null
محمد دريوس
[ تدوين المدن
في تصانيف المدن ومدوّناتها، على اقترابها غير التاريخي من مدارج التأريخ، حكايات تُنبئ عن نمو في الموارد المقاسة وغير المقاسة، أو استطالات في الجغرافية الدينية، تتيح لدول بأكملها النشوء والارتقاء من قرى تتقرّى ببطء ودعة إيلافها، شتاءً كان أم صيفاً، إلى مدن إن زاد حجم رؤوس أبقارها عن مائتين إلى مدن كبرى إذا حصلت فيها حرب أهلية واحدة على الأقل، إلى دول ترتاح على أسرّة جيرانها بحدّ الجغرافيا الطبيعية وحدّ السيف إن صار فيها حزبان أو أكثر وجبهة ديمقراطية ودور بغاء.
لكنها أساطير على الأكثر، يقترب فيها الديني من الكيدي، على نحو أن معركة دارت رحاها بين هولنديين مباركين بسخط الربِّ على عِرْق أدنى وأعاصير مقدودة من أرق هنود حمر، أرست دعائم نيويورك، أو أن عائلة صيد متخصصة بقنص الأحلام الهاربة من بطش الرومان، كوّنت باريس، أو أن أثر كعب ٍ لمسيح حافي، على وحل نهر التايمز، شذّبَ مسارب لندن، هي أساطير تتكامل، بمآخاة البشري والرباني.
وفي قصٍّ مشابه وإن خلا من تدخّل سماوي في شؤون غير السماوي، أن بغداد بُنيت في موقع ضاع فيه خاتم ذهب من خادم أرسلتها مالكتها به في مهمّة غرام يائس، وبيروت على موضع كانت تبيت فيه طيور بحرية هاربة من قنّاصين لا يميّزون بين ما يؤكل وما لا، والقاهرة من اتفاق لصوص على تقاسم غلّة يوم عمل شاق، ودمشق في مكان استمناء زوجة أحد كبار تجّار الحبِّ في غابر الحبِّ.
هكذا تنمو مدننا، صدفة، دون أسطورة.
[ الشجرة في توثيق سيادتها
وأن سيادتها (بتدبير من سيادته) احتفلتْ بنصب شجرة على مفترق كيد ٍصحرواي، لتعطي مثالاً (يحتذى إن كان مقدوراً على ذلك، وإلا فلا) على ما يتوجّب على الأحياء انسجاماً مع الأشياء، وأن الشجرة ترتيب رباني محكوم بعقل الملهم والأول وصاحب السمو، لتدريب “البيئة” على الخروج من حيادها العلني ومقارعة الـ”نعم ” بالـ”نعم ” والاصطفاف كتلاميذ المدارس وتنقية الهواء الكوني من كربون الأنساب السامة.
وأن سيادتها (بتصديق من سيادته) أوكلتْ لكتيبة كاملة الاطمئنان على مقاس أحلام الشجرة والإيفاء بأقساط ريّها وتشذيبها وتوثيق كل وريقة تنبت، لحظة فلحظة وسكينة فسكينة، وخصّصت غيمة ممطرة ونسمة ملائمة وعِلم نفس خاص بدواخل النسغ، وكل هذا يؤتى من الأكلاف الجمهورية.
وكان أن أهمل الحرس المعتمد من الحظوة، كل ما عداها، فارتدّت إلى سماء اللامعقول، متفانية ونشطة، ونمتْ بالجبروت المقدس من المراسيم العليا ومن حولها يباس عميم.
كلّ ما شاء العبث، نهار يودي بنهار.
[ نواظير ليلية
نقلت الأخبار إلى ذوي الشأن ومتتبعي الهباء الالكتروني في الأصقاع، أن تقانات اكتملت لوضع نوايا الإرهاب العربي والإسلامي، موضع الكشف قبل وليس قبيل وقوعه، لزوم الإحباط وإنشاء المعسكرات المغلقة على جاري التحقيق، ومن هذا أن أجهزة وضعت في مطارات لتتقرّى نبض الداخلين، عددها، وأنفاس المهاجرين، زفيرها، عند قراءتهم عبارات من نوع ” جهاد إسلامي “وغيره، لاستنطاق الروح الرقمي بالروح الآدمي، تقنية سبقتهم إليها بعقود غير قليلة، أنظمة الثورة العربية، باستنطاق الكرسي الألماني والدولاب والشحنات الكهربية والكابلات المجدولة بحميّا التساوي: نعرف مشاعرك حين تنظر صورة المفدّى ونحصي أنفاسك حين تستمع لخطبه المركونة قرب عربات الخضار والفاكهة ونقرأ ما يجول بذهنك حين يخسر الفريق الرياضي الذي يشجّعه.
يا لبؤس أورويل، ويا لضحالة مخيلته أمام شطح النصير الحزبي، حين يقرّر فلا يجد رادَّاً له إلا الموت غيظاً.
فاتك أيها العزيز أن تضع طبعة الكترونية على كل مولود، نحو ما تفعل المصانع بمنتجاتها، تفيد حين تمرير قارئ الكتروني بالاحتمالات المقبلة لألف عام، للسلالات والطوائف.
تصانيف ما بعدها تصانيف، تنزل الآدمي منزلة قطع الغيار وعلب المنظفات والأحذية.
[ تلقيب الهباء
النَّبز وهو اللقب مساقاً على طريق التقليل أو التعظيم من شأن عظيم أو قليل، وهو تدبير لغوي يلازم الاسم ويستبد به أحياناً فلا يذكر الاسم إلا عرضاً ويستقر اللقب في البنى الشفاهية إلى أن يعارضه لقب آخر فيلحق به أيضا أو يحلَّ محله، والألقاب، صفات وأسماء وكنى، يكون لها أصل أحيانا وفصل حينا، تتكئ على حادث تاريخي أو سمة في الملقب به أو شبهة، وأحيانا لا هذا ولا ذاك، بل نكاية بالمقهور من الشعب وبالمنافسين المحتملين.
ومن هذا القول: أمُّ أرومة: وهي الشجرة إذا امتدّ جذرها على محمل الإغاثة أو الطمع ليشرب من ماء جارتها الشجرة، وعقل الجوزة: وهو الجنرال إذا ظنَّ عدوَّ الأمس صديق اليوم، وسيدة المقاومة: وهي العقدة في الجذع حين تستعصي على النجار فلا يرجى منها كرسي أو إطار فيلقى الجذع إلى النار وتقال أحيانا للجدار الصخر حين يعييك فتنطحه ولقب المفدّى يقال لمن لا ترجو من حياتك، في حياته، شيئا فتفديه بها أملا بالخلاص.
أم عامر: لقب الضبع وأبو صابر: لقب الحمار وأبو لؤم: لقب الجمل (والألقاب الثلاثة مأخوذة من البشر حين لا تجد قوتاً في بيتها فتنهش أو تخرس أو تبيّت أمراً) وأبو تغطية (إشارة الهاتف وليس الساق العارية): وهو رجل الأعمال الشريك، وأبو الغيث: وهو السمّان إذا تجاوز حسابك لديه العشرة آلاف وأم الرماد: وهي المنفضة وأم الخطأ: وهي كأس الفودكا العاشرة وأم المعارك: وهي المصيبة إذا جاوزت شعباً إلى شعوب ورافعة المهالك: وهي حمالة الصدر وخاتمة الأحزان: وهي عشرين حبة “فاليوم” وتقال أحيانا للرصاصة في الرأس وسيدة نساء المشرق: وهي هيفاء وهبي.

[ تعامل التدبيرات الإنشائية هنا معاملة الحقائق التاريخية حتى يُثبت الخطل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى