يوميات غزة: بين غارة و غارة
ألفت حداد
رائحة الموت والدمار فى كل مكان وفى كل شوارع من شوارع مدينة غزة التى تحولت الى مدينة اشباح لاتجد فيها ايا من مظاهر الحياة المعتادة . فالكل جالس فى منزله امام التلفاز ان وجدت الكهرباء او امام المذياع ان توفرت البطاريات لتشغيله او الاستماع عبر الهواتف النقالة لمحطات الاف . ام التى تقوم بنقل الاحداث التى يشهدها القطاع لحظة بلحظة وما دون ذلك فصعوبة الاتصالات الارضية او الخليوية جراء القصف الاسرائيلي والطيران المكثف تحول دون الحصول على اية معلومات .
فى غزة الكل مباح ومتاح ومستهدف من قبل الطيران الاسرائيلي ولا يشفع التواجد فى المنازل او فى الجامعات او حتى المساجد ان نكون بمنأى عن مرمى النيران و القصف الاسرائيلى الكل فى دائرة الاستهداف صغيرا كبيرا طفلا كهلا امراة رجل حيث لا استثناءات فى الحرب .
حالة من الترقب والتوتر الشديدين يعيشها الغزيون فى هذه الايام نتيجة التهديدات الاسرائيلية المتواصلة وفى كل غارة اسرائيلية تجدهم يتنفسون الصعداء بانهم لا زالوا احياء فيما السؤال الذى يسيطر عليهم ” هل سنكون ضحايا الغارة الاسرائيلية المقبلة ؟
طيران بلا توقف وقصف مستمر غارة هنا وغارات هناك واصوات ضخمة تهز المنازل فما ان ياتى الليل تجد العائلة الواحدة تتجمع فى غرفة واحدة تكون الاكثر امانا فى حال تعرض المنزل للقصف فى هذه الغرف ملامح الخوف والتعب انهكت اصحابها فالاطفال يهتزون رعبا مع صوت اى غارة ويبدأون بالبكاء وحال الكبار لا يختلف كثيرا عن الصغار .. الصغار والكبار يحتاجون لمن يهدهدهم وينسيهم ولو للحظات حالة الحرب الحقيقة التى يعيشونها .
وبعد انتهاء الغارة يبدا التقليب عبر محطات التلفاز او موجات الراديو لمعرفة المكان الذى وقع فيه الصاروخ وتبدا الاتصالات الارضية والخليوية ان كان القصف قريبا من المكان الذي يقطنه اقارب ومعارف للأطمئنان عليهم وما ان تسمع الصوت ياتى من الطرف الاخر يكون السؤال هل حدث مكروه لاحدكم وحينما يكون الجواب بالنفى تبدا مرحلة جديدة من الانتظار ومن سيكون هدف الغارة المقبلة؟
في النهار ينشغل الغزايون ويتسابقون الى الاصطفاف في طوابير طويله امام ما تبقى من افران علهم يحصلون على ما تبقى من ارغفة تائهة هنا وهناك لاطعام اطفالهم في وقت اصاب الشلل كافة المؤسسات الخيرية والاممية والتي لم تعد قادرة على توفير الخبز لهم.
عادت شوارع غزة الى عادتها الموروثة..شوارع يمشي بها الحزن وحده ويتنفس هوائها المغبر من هدير الطائرات وصوت المدافع من كتب لهم ان يبقوا احياء بعد ليلة قصف موعودة بدأت في وقت مبكر من مساء امس.
ومما يثير الاستغراب في هذا المكان المجنون والقاسي ان اطفاله يدأوا يعرفون مواعيد القصف ومدى ارتباطه بالاحوال الجوية ..فامطار شديدة تعني بالنسبة لمحمد الجالس على قارعة الطريق ان القصف يؤجل وصفاء الجو يؤتي الكأّبة لاطفاله لان غربان السماء ترفض ان تعلو الا في صفاء اجواء غزة وشمسها الساطعة.
والاسوا من كل هذا وذاك هو ذلك الموت والقتل والخراب الذي اصبح بالتناوب بالنسبة للمنطقة والزمن والقدر.. انها غزة ..