بانتظار الإسرائيليين
ساطع نور الدين
على الرغم من النفخ الإعلامي المدروس في التظاهرات الشعبية، فإن الشارع العربي والإسلامي مخيب للآمال. احتجاجاته الحالية على المذبحة الاسرائيلية في قطاع غزة، لم تصل حتى الآن الى مستوى الغضب من الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية قبل عامين، ولم ترقَ الى مستوى الحنق من الآيات الشيطانية التي كتبها البريطاني سلمان رشدي قبل عقدين…
التظاهرات العربية والإسلامية مؤثرة، لكنها لا تزال قاصرة عن مقارعة الحدث الاستثنائي، الذي يشبه حرب إبادة جماعية لفلسطينيي قطاع غزة. والذرائع غير مقنعة أبداً، سواء كانت متصلة بالقمع الرسمي الذي لا يمكن ان يحول دون نزول الحشود الى الشوارع، او بالبرد الذي كاد يكون مبرراً لعدم التظاهر الضخم في عدد من العواصم الأوروبية… او باللاجدوى التي كانت وتبقى حجة دائمة، أمام حرب طويلة الأمد، او بتعذر إيجاد هدف محدد ولو رمزي للاحتجاج، غير السفارات المصرية التي ثبت انها هدف سهل، لكنه غير مقنع.
بعض التظاهرات كان حاشداً، في تركيا، أندونيسيا، المغرب، أراضي الـ,,.٤٨ لكنها كانت كلها تستهدف توجيه رسالة وانتظار جوابها، اكثر مما كانت تهدف الى تسجيل موقف ومتابعة مجراه والاستعداد لتطويره. كان هناك تواطؤ في بعض العواصم بين السلطة والمعارضة، وفي بعض الآخر، كان هناك سباق على احتواء الشارع واستيعاب غضبه في مهرجان خطابي، نظمت أجهزة الأمن شعاراته وهتافاته، وقدمت الإعلام والدمى الإسرائيلية التي احرقت، وودعت المتظاهرين الى منازلهم.
الصورة مثيرة للإحباط. في بيروت، لم يصل مجموع المتظاهرين حتى اليوم إلى ربع عدد المشاركين في تلك التظاهرات الضخمة التي شهدتها العاصمة في الأعوام الأربعة الماضية في لحظات استنفار العصبيات الطائفية القصوى. وكذا الأمر في العراق، الذي لا يزال يجد بين »مقاوميه« انتحارياً يفجر نفسه في مصلين او في زوار لأماكن مقدسة، ويقتل منهم او يجرح العشرات. كما وجدت سوريا وإيران نفسيهما معفيتين سلفاً من التظاهر، غير الوارد أصلاً في تقاليدهما السياسية، مثلما هي الحال في غالبية الدول العربية والإسلامية التي لا تعرف للاحتجاج سبباً إلا ذلك الذي تنظمه السلطات وترعاه، وتوجهه نحو بلد آخر، شقيق أو قريب!
في مصر، التظاهرات تكاد تكون يومية، لكنها أشبه بالاحتجاجات التي نظمت في الماضي على فكرة التوريث، والتي كانت تقتصر على نخبة معارضة ليس لها أي صلة بالشارع، الذي يعرف سلفاً أن أي تظاهرة مصرية تجمع أقل من نصف مليون إنسان لا يمكن للقاهرة أن تدّعي انها تظاهرة، وهي لن تكون اكثر من مجرد رحلة مدرسية، او نزهة سياحية… على مرأى من كاميرات الإعلام، التي صارت تحدد موعد الانطلاق والهتاف والتفرق.
التظاهر مستمر، في كل مكان، وهو لن يتوقف حتى تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة. لكنه لن يساهم في تقديم موعد إنهاء المذبحة، إلا إذا خرج الإسرائيليون مرة أخرى الى الشوارع احتجاجاً…
السفير