الخيارات المرّة
أمين قمورية
حددت اسرائيل لعملية “الرصاص المصهور” ثلاثة اهداف رئيسية : الاول منع اطلاق صواريخ “القسام” من القطاع في اتجاه مستعمراتها، والثاني منع وصول السلاح الى غزة عبر الانفاق والتهريب، والثالث اضعاف حركة “حماس” كقوة فلسطينية شعبية تصر على المقاومة نهجا لتحرير الارض المحتلة.
ولتحقيق هذه الاهداف الثلاثة يتعين ان تسحق اسرائيل حركة “حماس” او على الاقل ان تنهي سيطرتها العسكرية والسياسية على القطاع الذي تتفرد بحكمه منذ حزيران 2007. ففي حال عجزت اسرائيل عن توجيه ضربة قاضية الى الحركة الاسلامية في اجتياحها البري الذي اعقب اجتياحها الجوي، فما الذي يضمن لها في المرحلة المقبلة ان تتخلص من شبح الصواريخ وان تغلق انفاق التهريب ، والاهم ان تتحول “حماس” تنظيماً سياسياً طيعاً ليناً خاضعاً للمشيئة الاسرائيلية ؟
وبعدما بدا صعباً او شبه مستحيل تطويع “حماس” وارغامها على الرضوخ للشروط الاسرائيلية بالحصار الخانق والاغتيالات، تصرفت اسرائيل وكأنها تريد اقتلاع الحركة من القطاع، وتجريدها من سلطتها، والاتيان بسلطة بديلة منها. ولكن من تكون هذه السلطة الجديدة في حال النجاح في اقتلاع “حماس”؟ وكيف سيكون في امكانها حكم غزة؟
الخيارات امام اسرائيل عديدة لكنها احلاها مر وعواقبه وخيمة:
اول هذه الخيارات ان تتولى اسرائيل بنفسها ادارة القطاع عبر اعادة احتلاله بالكامل والتمهيد لتسليمه الى سلطة فلسطينية جديدة اكثر استعدادا لتلبية المتطلبات الامنية الاسرائيلية . لكن اسرائيل تفضل الف مرة ان يبقى الوضع هو هو، من ان تعود الى القطاع الذي طالما تمنت ان يبتلعه البحر للتخلص من اعبائه المرهقة.
ثاني هذه الخيارات ان تسلم القطاع الى السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس. وهذا الخيار تحبذه واشنطن وتل ابيب ودول عربية عدة وبعض اركان السلطة في رام الله. لكنه خيار باهظ الثمن لعباس لانه سيظهره بمثابة دمية في ايدي الاسرائيليين لا يقنع احدا من الفلسطينيين.
ثالث الخيارات ان تعود مصر الى تولي ادارة القطاع . لكن القاهرة التي رفضت في السابق القيام بهذه المهمة المستحيلة، تجد نفسها اليوم في وضع اشد احراجا لتوليها في ظل الاتهامات القاسية التي كيلت لها فلسطينيا وعربيا وحملتها مسؤولية التواطؤ في حصار غزة وضربها.
رابع الخيارات ان تكلف قوة دولية او عربية او اسلامية مسؤولية امن القطاع على غرار ماحدث في جنوب لبنان بموجب القرار 1701. لكن القوة الدولية لم تجد “مغامرين” مستعدين لخوضها، وقد افصح الاوروبيون عن مخاوفهم من المشاركة في مثل هذه المهمة. كذلك فان دون تأليف القوة العربية عقبات كثيرة اقلها صراع المحاور العربي الذي غذى الصراع على غزة او على الاقل شجعه. اما القوة الاسلامية التي تشجع تركيا على وجودها فلها حساباتها المختلفة وقد تثير مخاوف الاسرائيليين قبل الفلسطينيين .
خامس الخيارات ترك القطاع للفوضى، وعندها لا مفر من عودة “امراء” العائلات الى اقامة “اقطاعاتهم” المسلحة على حدودها ، كذلك تفريخ التنظيمات المسلحة في هذا المخيم او في ذلك الحي، وهي لن تكتفي بالتقاتل في ما بينها، بل تجعل من مقاتلة اسرائيل مبررا لشرعيتها في الداخل . ومع دخول الصاروخ عنصرا جديدا في الصراع الاسرائيلي بديلا من مقلاع الحجار والبندقية، تتحول المناطق الحدودية اشبه بساحات ألعاب نارية يومية . وفي هذه الحال الف رحمة على الوضع الحالي.
سادس الخيارات ان تعود اسرائيل ادراجها مكتفية بما حققته من دمار وانهار دم ورصيد انتخابي للمتنافسين على مقاعدها النيابية، وتكف عن تدمير ما تبقى من بنى “حماس” حتى تحافظ على الحد الادنى من قدرة الردع الداخلية كونها القوة الوحيدة القادرة على ادارة غزة وتقبل بمفاوضتها على التهدئة من جديد، وعندها ستكون الهزيمة السياسية الاسرائيلية محتمة خصوصا اذا رافق التسليم بسلطة “حماس” فك الحصار واعادة فتح المعابر. ومثل هذه النتيجة لن تكون مجرد هزيمة عسكرية بل نقطة تحول جديدة في الصراع العربي – الاسرائيلي تثبت نتائج الهزيمة الاسرائيلية في لبنان، ومن شأنهما معا ان يغيرا وجه المنطقة ووجه اسرائيل.