وهم العمل العربي
داود الشريان
كل الضجيج الذي نسمعه عن العمل العربي لمواجهة الهمجية الاسرائيلية هو التوصل الى هدنة انسانية. هذا بالضبط هو الجهد الذي يحاول الوفد العربي التوصل إليه في نيويورك. صار منتهى طموح السياسة العربية، او ما يسمى «العمل العربي المشترك»، وضع حد نهائي للحرب القذرة على غزة مقابل الموافقة على نظام لمراقبة المقاومة الفلسطينية بقوة دولية، وإن شئت سجن الضحية.
بهذا المعنى، غاب عن الجهد العربي مساءلة اسرائيل عن إقدامها على قتل المدنيين والاطفال والنساء وتماديها وغطرستها. فهل يحتاج هذا العمل «الجبّار» الى سفر وتصريحات ومشاورات؟ ثم هل في أيدي الدول العربية اصلاً وقف صواريخ «حماس» لكي تشكّل وفداً وتتصدر للمهمة؟ واذا كان الحل ليس في يدي الوفد، فلماذا لم يسمح العرب بإشراك مندوب من حركة «حماس» ضمن الوفد الذي سافر الى نيويورك؟
الخلاصة، المحزنة والمحرجة في آن، هي ان اسرائيل لا تعترف بالمقاومة وتريد تصفيتها. والعرب لا يدعمون الخط السياسي لـ «حماس» ويسعون الى لجمها. تعددت السياسات والنتيجة واحدة. هذه هي الحقيقة المفزعة التي وصلنا إليها بعد كل هذا الموت والقتل والتشريد. الخلاصة المؤسفة هي قبول التضحية بكل هذا العدد من البشر الأبرياء من أجل هدف سياسي بخس هو تركيع «حماس»، او تسجيل موقف ضدها. يا له من ثمن! هل السبب لكل ما حدث هو تسوّلنا عملية السلام، أم هواننا على أنفسنا والناس؟
الأكيد ان حروبنا الأخيرة حرب علينا. فنحن في الحرب على لبنان تشردنا وقُتلنا ثم تبادلنا الملامة ولعنّا بعضنا بعضاً، والنتيجة اننا خرجنا أكثر فرقة ومذهبية وتشرذماً. وفي الحرب على غزة لن نكون أفضل حالاً. فهذه الحرب ستنتهي، ربما، بتحجيم قدرة «حماس» على اطلاق الصواريخ، ووضع أسوار سياسية جديدة لمنعنا من المطالبة بالحد الادنى من حقوقنا، والإبقاء على حال الخلاف التي تشكلها «حماس» بين الفلسطينيين والعرب. وبعد كل هذه الهزائم، سترى من يتحدث عن انتصار السياسة العربية الحكيمة التي منعت تدهور الاوضاع، وأعادت السلام الى الاراضي الفلسطينية.
الحياة – 07/01/09