المراهق والحمّام
دلور ميقري
الحمّامُ، هيكلٌ أنثويّ، فينوسيّ، ونحنُ الفتيَة رهبانه. لطالما كان الهيكلُ، المُرتجى، المُكتنف بمغامضه وكنهه، مداراً لخيالاتنا الأكثر جرأة في إقتحام أسواره وأسراره سواءً بسواء. المحجّ للمكان المقدّس هذا، إبتِدُهَ خطوة ً خطوة مذ أعتاب سنّ الطفولة؛ منذ أن اُطلِقَ سراحُ جسدكَ، العاري، بحضور العري الأبهى لقريبتكَ؛ ” غوليشان “. كانت فتاة يتيمة، مسكينة، على جانبٍ كبير من الطيبة والمتناهي حتى السذاجة. وبقيتْ سذاجتها دوماً مضربَ مثل أمهاتنا وأخواتنا؛ وخصوصاً، ما كان من جوابها المُضحك على سؤال من إحدى المتواجدات في زفةٍ صاخبة. في تلك الليلة، المُشتعلة بالفرح، فإنّ المرأة إستفهمتْ من ” غوليْ ” سببَ صمتها، المبتور أحياناً بزفرات تأففٍ، فما كان من هذه إلا إجابتها ببساطة: ” أشعرُ بضجر كبير، هنا..! “. برقع سذاجة قريبتنا، لم يستطع حجبَ جمالها، الرائع بحقّ، المُتسم بقسمات متناسقة وقوام ممشوق. لا غروَ والحالة كذلك أن تعيدَ ” غوليْ ” للحياة صورة الخالة، الراحلة؛ أو بالأحرى، صورة الجدّة، الشركسية الأصل، والتي ما فتأتْ مُتشبثة بالحياة حتى اليوم. هنا إذاً، في حمّام بيتنا، كانت الجميلة صُحبَة شقيقتكَ الكبيرة، الأثيرة، المماثلة لها سناً وشقرة ً. هذه الأخيرة، كانت آنذاك بنتاً مُراهقة بعد، تشعّ فتنة ً في محيط حارَتنا؛ حدّ أنّ كلّ أمّ كانت تتمناها كنّة لها. بيْدَ أنّ نصيبَ شقيقتكَ قدّر له إلى النهاية أن يحط ثمّة، في الحارَة الاخرى، اللدودة؛ ” جسر النحّاس “، وإثرَ وقائع عائلية، مريرة، أدّت إلى قطيعة مع العمّ الكبير، الذي سبقَ وطلبها زوجة ً لبكره. وبالرغم من أنّ شقيقتكَ تزوّجتْ بلا حبّ ـ كأغلب لدّاتها، إلا أنّ حالها كان أسعدَ بما لا يُقاس من حال ” غولي “، المسكينة؛ هذه الما لبثتْ أن زفتْ لرجل مُراوح على هاويَة الشيخوخة، موسر وبخيل في الآن نفسه: ما كانَ الشبانُ، في عائلتنا وخارجها على السواء، ليأبهوا بحسن فتاتنا، المونق، ما دامَ إيمانهم مُترسّخاً بالمثل الشعبيّ الشائع، المَشنوع: “طبَّ الجرّة على فمها، البنت تطلع لأمّها!”.
***
ـ ” إيييه! عم تحط رجلك بكـ… ـي!؟”
هتفتْ الشقراءُ بنبرة معابثة أكثرَ منها مُعاتبَة، ما دامتْ ضحكتها الغامرة، المُجلجلة، ظلتْ على إسترسالها. مُعابثات ” غولي “، البريئة، لإبن الأعوام العشرة ـ الذي كنته ـ قدّر لها بدورها أن تستعادَ في ذاكرتي، مشفوعة ً بحاشيَة هذه الواقعة، المُسّطرَة في مجلّد العُمر؛ الواقعة الغابرَة، التي تمتّ لجولة الحمّام تلك ومسرّتها. ولكن منذ البدء، عليّ الإعتراف بأنّ صفة التحفظ، الحيي، المطبوعة في خلقي مذ السنّ تلك، المُبكرة، كانت تنكصُ أوباً في حضرة إبنة الخالة؛ وعلى الأرجح، لما عُرفَ عنها من طيبة ورقة. كنتُ معها إذاً في ظهيرة صيفٍ، حارّ؛ في حمّام منزلنا، الذي إعتادتْ آنذاك على ضيافته الحميمة، الأسبوعيّة. كانت متعريّة البدن إلا من سروالها الأحمر، المُخرّم القماش، متفجّرة بالحيوية والحبور، لا تكفّ عن محادثة شقيقتي تلك، الكبيرة. في خاتمة طقس الحمّام، رأيتُ ” غولي ” تتناهض لخلع تلك القطعة القماشيّة، الساترة عورتها، فتنهمك بعصرها ومن ثمّ نشرها على الملقط الحديديّ، المثبّت قرب الموقد. تحديقي الفضوليّ، المليّ، في ذلك المثلث البهيّ، المَحظور، من مساحة بدنها، حظيَ منها بإبتسامة متسامحة؛ مُحالة ربما لبساطة خلقها أو إشفاقها على طفوليّة مسلكي. ساعة على الأثر، وكنا متفرّديْن هذه المرّة في حجرة نوم البنات. كنا عندئذٍ على السرير، الأنتيكيّ، وقد تواصل لعبنا معاً تحتَ اللحاف وفوقه. غائصاً في لجة جسد ” غولي “، اللدن والبليغ الروعة، رحتُ أدغدغها بأناملي الدقيقة. من جهتها، راحتْ هيَ تنافحني بلطف وبوساطة قدمها. فما كان مني، بدوري، إلا اللجوء لمعونة قدمي، مُبالغاً في الدفع حتى الأعماق المتوهّجة لجذرَيْ فخذيْها، العارمين.
***
ـ ” تعالَ نواصل لعبنا؛ ولا تكن هكذا، ثقيلَ الدّم! ”
إستطردت قريبتي، الحسناء، مُحاولة ً تبدبدَ تحفظي، الطاريء، بنظراتٍ مُشعّة من عينيها الخضراوين، البديعتيْن. كنتُ قبل ذلك في غمرة اللهو، هرشاً ودفعاً، فإذا بلمعةٍ ساطعة، تبرق من ملتقى فخذيّ الفتاة، منبئة بتعرّيها من سروالها ذاك، الذي كان ما فتأ في رعاية الحمّام. بعبث بريء ولا ريب، كنتُ أدفع قدمي بإلحاح نحو تلك الأنحاء، اللحميّة، المُتشكلة على هيئة شقّ قان، في غاية الدّقة، محوّط الحواف والسقف بزغب خفيف، شديد الصفرة. جملة ” غولي ” تلك، التي فاهتْ خللها عَرَضاً بمفردة ” الفرج ” المُثيرة، المُحرّمة، أعادتني وعلى حين فجأة لخصلة طبعي الحيي، الموصوف. فلبثتْ إذ ذاك واجماً، مُشيحاً وجهي إلى الناحية الاخرى، غيرَ مُكترث بدعوة قريبتي الجميلة، المُلحاحة، لمواصلة اللعب. ولكنّ هذه الجملة، التي نأتْ بي جرأتها عن مشاغل اللهو يومذاك، تعيّن عليّ فيما بعد إستعادتها، مرة ً إثرَ الاخرى، وبكلّ حرارة الخيال الجامح، الأخرق، لفتى في أعوام مراهقته، الأولى. بدوره، فحمّام ” بيت اللبنانية “، كان لمراهقتنا بمثابة جنة، جناها ثمار مُحرّمة؛ جنة أجسادٍ فاتنة، متألقة العريّ. بهذه المثابة، يجدر القول بأنّ المنزل ذاكَ، كان مقتطعاً من دار ” مرعي دقوري “؛ جدّ صديقنا الحميم، ” سيفو “. هذا القسم من المنزل، العشوائيّ، المنذور لغرَف الإيجار، كان مُعرّفاً إذاً بنعته نسبة ً لإمرأة شابة، حلوة، تمتّ بنسبها لموطن الأرز. وبقينا نطلق النعت نفسه، حتى بعد مضي فترة طويلة على رحيل صاحبته إلى وجهة اخرى، مجهولة. منذئذٍ أضحتْ حجرات المنزل، الرثة، تضجّ بضوضاء عائلات عسكريين، متطوّعين، متحدّرين من ريف الساحل ـ كحال الكثير من دور الإيجار، في الحارَة. كان حائط البيت، المُحتبي في جهته ذلك الحمّام ـ أو سمّه ما ئشتَ! ـ مُواجهاً للحائط الآخر، الجار، لمنزل آل ” علكيْ “؛ أين تقوم حنفية السبيل، التي سبقَ لجدّي لأمّي أن تكرّم بها على أهل زقاقه.
***
ـ ” هذا المساء، موعدنا مع العلويّات! ”
كان واحدنا يُسرّ لصديقه، بفحيح أنفاس شبقة، لاهثة. ساعة اخرى تمضي ببطء، ممضّ، وإذا بهاته النسوة، المُستأجرات في ” بيت اللبنانية ” يشرعنَ بالتحضير لطقس إغتسالهنّ، الدوريّ. النربيش الأحمر، كان علامة رغبتنا ولونها سواءً بسواء؛ النربيش، الممتدّ من حنفية السبيل، مروراً بأرضية الزقاق المُتربة، وحتى إنحشاكه في ثقبٍ ضيّق من الحائط ذاك، لينتهي إلى حمّام السّعد. بين الظاهر والخفيّ من رحلة المياه، المتقاطرة إلى طقس الإغتسال النسويّ، الجماعيّ، كانت أبصارنا تتسلل ثمة، مُتلصصة؛ هناك، كنا نستنفضُ عضواً عضواً أجساد هاته النسوة الشابّات، الغريبات. ” لا يُعجبني سوى الفرج النظيف، الناصع مثل باطن الكفّ! “، يقول صديقنا ” سيفو ” هامساً ملوّحاً بكفه الجميلة. إنه ولا شكّ، يُعلق على ما كان من عادة الريفيات، عموماً، في إهمال شأن الشعر الزائد، النابت في تلك المنطقة من أجسادهنّ، المُحرّمة. بَطرُ صديقنا، على كلّ حال، ما كان له صدىً بيننا؛ ما دامتْ أسماعنا فيها صممُ صيحات العبث والمجون، المُتماجنة المفردات، المتناهية من حجرة الحمّام، الفردوسيّ. بيْدَ أنّ طرْدَنا من جنة الأجساد تلك، العارية، جدّ سريعاً وعلى حين غرّة: كان شقيق ” بشيرو علكيْ “، الذي يصغره مباشرة، صبيّاً شقياً، مسلكه أسنّ من عمره ـ كما يُقال عندنا عادة ً. لقد لاحظ على الأرجح جمعتنا، الدائبة، قربَ ثقب الحائط ذاك، المفتوح على حمّام الجيران، الغرباء، فألحّ على مُشاركتنا فضول التلصّص. صفعات متوالية، أجزتْ جرأة الصبيّ الشقيّ، من لدن أخيه الكبير. في اليوم التالي، على الأثر، إتفقَ أن رَميتُ تحيّة صباح، مألوفة، على إبنة أولئك الجيران، الأغراب، التي تماثلني في العمر، وإذا بها تتجاهلني وهيَ مُقطبة قسمات وجهها. هذه الصبيّة، الجميلة، كانت صديقة حميمة لإبنة ” علكي “، الصغرى، ومنها علمَتْ بخبر تلصصنا على طقس الحمّام ذاك، المنذور لأجساد نسوة بيتها؛ لجسدها ذاته، الذي يا ما سُعدنا بتأمل تفاصيله اللدنة، الأكثر سريّة.
ايلاف