غزة اسراؤنا الى الكرامة
جورج ناصيف
في الأول من حزيران 1971 كتب المطران جورج خضر تحت عنوان “يومك يا غزة: “السلام عليك ايتها المستقرة في البطولة، يا مدينة الرفض الكبير.
نحن هنا من وراء المعركة، من بعد المعركة نحييك تحية خاشعة ونستميحك عذراً اذ تركناك مرمية على الصليب وكنا مع “جميع معارفك واقفين من بعيد ننظر ذلك”. أتينا الآن لننشدك. تبنا اليك والى ما ينزله الله عليك من نعمة الجهاد ورجونا اليه أن يوفقنا الى نعمة الصمود، وتجربة اليوم تجربة التخاذل(…) رصانتك زادت العدو شراسة وقد أمعن في جسمك البتول تجريحا. لكنك ستظلين بهية العذرية، جالسة على الشمس تدينين الظالمين وأنت تتصاعدين بما تذوقين من ألم الى مراتب الفداء.
(…) انت على طريقتك تأخذيننا الى المسيح، مسيح الكون المتجلي الذي نعبده في كل دم زكي يراق في أزقتك”.
في غزة وحدها، يولد الطفل فتعدّ له أمه قبراً، قبل أن تخيط قميصاً.
في غزة وحدها، يعيش الطفل تسعة شهور جنيناً، ثم بقية العمر شهيداً.
في غزة وحدها صار الاطفال يمضون رفوفاً رفوفاً الى المدرسة ليموتوا قبل أن يدق الجرس، قبل أن يحصيهم المعلم فتحصيهم نشرات الأخبار: محمد وأمجد غابا عن صف الروضة، سميرة وعصام وبلال في غرفة العناية الفائقة.
في غزة وحدها، يختم الأطفال برنامجهم الدراسي في الصف الأول ابتدائي، فيتخرجون فوراً بامتياز: ياسر بدرجة مشرّف، ليلى مجازة في الكرامة، سامر أفضل رسام بالأحمر.
فيا غزة، لا تندبي، لا تنوحي يا مباركة في المدن ومبارك ثمر بطنك: اسيادنا الاطفال في السماء كما على الارض.
اذهبي يا مجدلية وأخبري العالم ان اصحاب العروش سيبادون ولن يكون لهم ذكر في سفر الاحياء، لأن غزة غلبت العالم.
وأنتِ يا سمراء، يا غزة، لا تسمّي العرب، بعدُ، أهلاً، بل خذي اليك شعباً كل الاطهار في الدنيا، كل المولودين منك ولادة عذرية، بلا مشيئة قوم او زرع جنس او لون.
أنتِ ارضنا، نحن المطرودين، أنتِ كرامتنا، نحن الاذلة في عيونهم. أنتِ رداؤنا وخبزنا وملحنا وماؤنا ونجمتنا ومجدنا واسراؤنا ومعراجنا.
أنتٍ، أنتٍ المدمرة بيتاً بيتاً، سقفاً سقفاً، خير مدينة أخرحت للناس، لو يقرأ العرب في كتابك السماوي.
النهار