قضية فلسطين

“النموذج” الثاني

محمد ابرهيم
للمرة الثانية “تختبر” اسرائيل محور طهران – دمشق ومعه “حزب الله” و”حماس”، ويبدو ان المحور يستجيب للمواجهات “المنفردة”.
عند العدوان على لبنان في تموز 2006 طُرح السؤال ما اذا كانت المواجهة ستجر بقية اطراف المحور، ثم سرعان ما اجيب عليه بان لا سوريا ولا ايران، ولا اسرائيل طبعا في وارد توسيع المواجهة.
واليوم في العدوان على غزة كان مطروحا بإلحاح اكبر امكان ان تتحول المواجهة من اسرائيل – “حماس” الى اسرائيل – “حزب الله”، وتاليا بقية اطراف المحور. لكن هذه المرة ايضا تبين ان المواجهة المنفردة هي الخيار الغالب.
والسؤال مطروح بحدة اكبر في حال “حماس” باعتبارها الطرف الاضعف في المحور. هي الطرف الاقوى من ناحية الشرعية التي تسبغها على المحور، الا انها الطرف الاضعف من الناحية العسكرية، للاعتبارات المعروفة التي تتعلق بالمساحة والموقع الجغرافي وتعذّر الإمداد.
وكان “الجواب”، الضمني، ان “حماس” تستطيع منفردة ان تتولى المواجهة، بل ان… تنتصر.
بهذا المعنى كان يتكرس النموذج الذي اختطه “حزب الله” في مواجهته مع اسرائيل والذي يقوم على ان عدم تحقيق العدو اهدافه هو النصر بعينه. وطالما ان هذا العدو مضطر في النهاية للانكفاء فمن الممكن ان تعود المقاومة الى مواقعها وبذلك يكون العدو قد انهزم.
في هذه الاستراتيجية تصبح الخسائر البشرية من حساب العدو، فهي الاثبات على همجيته، لكنها لا تدخل في حساب مسؤولية المقاومة وخياراتها. فهي لا يمكن مساءلتها، عندما تواجه، وعندما تهادن، فالقرار متروك لها، ومبرراتها مقبولة بمجرد القبول بمبادئها.
هذا المنطق هو الذي جعل ممكنا اعلان النصر بعد ايام معدودة على العدوان. وكلما تبين ان العدو ليس بصدد الاحتلال الشامل، بسبب عدم التخطيط لذلك اصلا، بسبب استهوال الخسائر البشرية المتوقعة في صفوفه، كلما كانت الايام المتبقية على العدوان، رغم خسائرها، مجرد انتظار للاحتفال باندحار العدو.
حتى بعد ان ينتهي العدوان، وتحل التسوية. لان هذا ما يحصل عادة في نهاية كل حرب. تغيب بنود التسوية وما فيها من تنازلات متبادلة، ليحل محلها خطاب النصر الذي يعتبر ان شروط ما بعد العدوان اصبحت افضل مما قبله.
بهذا المعنى تكرر غزة تجربة لبنان. لا بل انها تكررها على مقياس اكبر. فاذا كان ممكنا هزيمة العدو بامكانات أقل فأقل، فهذا يثبت، اننا وجدنا اخيرا الطريق التي تفك كل استعصاءات المراحل السابقة في الصراع العربي – الصهيوني. ولا يبقى سوى تخيل ماذا تكون عليه الصورة لو انه بات ممكنا إعادة انخراط الاطراف العرب الذين انسحبوا تباعا من المواجهة منذ ما بعد حرب تشرين 1973.
الحرب على غزة ستنتهي قريبا بصيغة ليس فيها بالتأكيد إمكان اطلاق الصواريخ في اتجاه الجوار الاسرائيلي، وهي ستتضمن اجراءات تضيّق ولاشك من قدرة “حماس” على تهريب الاسلحة، ايا تكن الاجراءات المتبعة لذلك، وهي بالتأكيد ستفك الحصار “الاقتصادي” المفروض على غزة، ولن يبقى من الحرب على الارجح سوى تفاعلاتها العربية الداخلية.
هذه التفاعلات بين رؤيتين للصراع العربي – الاسرائيلي لم يعد يجمعهما جامع، لا في المنطلقات ولا في الاهداف ولا في المعايير، ستساهم ولا شك في خلخلة الوضع العربي في العلاقات بين دوله، وفي داخل كل دولة بحسب مستوى الإمساك بزمام الامور داخليا. وعلى هذا الصعيد يمكن الحديث عن علاقة طردية بين مستوى الديموقراطية في البلد المعني والمشكلات التي سيواجهها.
دماء المواجهات في غزة ترسم نتائج ابعد بكثير من نتائج حرب تموز 2006 على لبنان، وما اعتبر يومها النموذج الذي قدمته المقاومة اللبنانية الى العرب. فالنموذج الغزاوي يأتي من قلب فلسطين، والانقسامات التي يحدثها الآن، ويتوقع ان تتضخم، تشير الى ان المرحلة المقبلة ستكون حبلى بالمشاهد العربية الجديدة، دون ان تكون اسرائيل طرفا مباشرا فيها.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى