في نقد “كلنا شركاء” والرأي الآخر
أُبي حسن
18/ 01/ 2009 كلنا شركاء
يكتب الصديق ميشيل شماس, بعض مقالاته, انطلاقاً من المقولة الشعبية التي ترى “إن كل الناس خير وبركة”, اللهم هذا ما لمسته في مقالته “كلنا شركاء- منبر الرأي والرأي الآخر”, التي أتت كخاطرة وجدانية في مديح منبر إعلامي يستحق المديح والثناء فعلاً, تما ماً كما يستحق النقد حتى وإن لم يكن ذلك النقد كما يشتهي الزملاء في النشرة.
يرى ميشيل في مقالته آنفة الذكر, والمنشورة بتاريخ 2/1 الجاري, أن “كلنا شركاء” اتسعت للرأي الآخر, من دون أن يعرّفنا بماهية الرأي الآخر, كتجاهله عن عيوب النشرة موضوع المديح!.
عرفت الأدبيات السورية مقولة “الرأي الآخر” بشكل رسمي, عقب خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد في بداية ولايته الأولى, وما إن تحدث الأسد عن الرأي الآخر, حتى اشتغلت الماكنة الإعلامية- الثقافية السورية, بشقيها الموالي والمُعارض على الحديث عن الرأي الآخر ووجوب احترامه والاستماع إليه!. طبعاً يُشار هنا إلى أن أياً من المعنيين بما يسمى “رأياً آخر” لم يكلّف نفسه عناء توضيح المراد به!. بهذا المعنى بقي مصطلح الرأي الآخر غائماً جزئياً وفضفاضاً كلياً, شأنه شأن قولنا: “الإسلام بشريعته السمحاء والغرّاء”, فكما نعتقد أنه, هو الآخر, قول فضفاض, فعدا عن كون نهر الإسلام عمره أكثر من أربعة عشر قرن, وصبت فيه ينابيع كثيرة وخرجت منه فروع عدة!, فلدينا إسلام الحسين وإسلام يزيد (رضي الله عنه وأرضاه!), ولدينا إسلام جعفر الصادق, وإسلام الحجاج بن يوسف الثقفي, وإسلام عمر بن عبد العزيز وإسلام مروان بن الحكم الخ… ناهيك عن إسلامات المذاهب والملل والنحل.
إضافة إلى ماسبق, قد يكون الرأي الآخر هو الرأي الاستبدادي أو القمعي أو الليبرالي أو حتى التافه أو العقائدي أو الظلامي (يمكننا إضافة الكثير من المفردات التي تتناسب والمقام هنا).. حقاً, طالما لم نحدد “ضدية” الرأي سوى بكلمة الآخر! فأي آخر نعني به؟. هذا ما لم يجيبنا عنه الصديق ميشيل وسواه ممن يصفعوننا بين حين وآخر بمقولة “الرأي الآخر”, من دون أن ينسوا تذكيرنا بوجوب احترامه!.
لننتقل الآن إلى “كلنا شركاء”, بغية تسليط الضوء على مانراه فيها من ايجابيات وسلبيات, وفق وجهة نظرنا المتواضعة, آملين أن يتسع صدر النشرة لنقدنا هذا.
في معرض الحديث عن الايجابيات يمكننا القول إنها النشرة الوحيدة التي تصدر من داخل سورية التي كان(ومازال) لها قصب السبق في رفع سقف خطاب النقد المُعارض لسياسات النظام, قبالة توفيرها المساحة ذاتها للموالين له والمنافحين عنه وعن سياساته, وهي بهذا المعنى أقرب إلى الاتزان والموضوعية من سواها. هذا ما كانت عليه النشرة في هذا المنحى, على الأقل, في السنتين الأولتين من عمرها.
نعم, لقد كانت ترفع سقف النقد الذي لم تسلم منه شخصية سياسية في البلاد (أياً كان موقعها وحجمها), ومن الإنصاف القول إن سقفها كان سنتذاك هو سقف الوطن فحسب, وبهذا المعنى كانت اسماً على مسمى (على نقيض تساؤل الصديق منذر بدر حلوم في إحدى مقالاته في صحيفة “السفير” اللبنانية منذ بضع سنوات: “كلنا شركاء أم كلهم شركاء؟ ونحن شركاء في ماذا؟”). وقدر ما كانت ترفع النشرة من وتيرة خطابها النقدي, قدر ما كان يلحق صاحبها السيد أيمن عبد النور المزيد من المتاعب والمشاكل, هذا ناهيك عن متاعبه الشخصية التي أثرت على صحته إبان إعداده للنشرة بمفرده في بداية انطلاقتها (بحسب معرفتي المتواضعة انه في مرحلة لاحقة –في البدايات- استعان بشخص يساعده في التحرير). وعندما أوشكت أن تصبح “كلنا شركاء” جزءاً لا يتجزّأ من حياة الناشطين السوريين اليومية, مشكلة حالة شبه جماهيرية, انتبهت إليها السلطات السورية التي رعتها بشكل أو بآخر!, وقد سرت شائعة في أوساطنا الصحفية حينذاك, مفادها إن رئيس البلاد أمدها بمعونة مالية قدرها مليون ليرة سورية, وهذا لايعيبها (لانجزم بصحة ما سمعنا ولا ننفيه).
وبما أننا ما زلنا في إطار ما يمكن إدراجه تحت بند المديح, من الجدير أن نذكر أن “كلنا شركاء” كانت أول من تحدث عن الجوارب التي يشتريها القيادي البعثي السيد سليمان قداح من الاشتراكات الحزبية البعثية وليس من جيبه الخاص, ما استدعى أن يرد السيد قداح شخصياً على ما ذُكر في النشرة, إن لم تخني الذاكرة.
ولعل الجرأة التي تحلّت بها “كلنا شركاء” في بداياتها هي التي كانت وراء حجب موقعها داخل البلاد, فكما وشت لنا مصادر مطلعة عقب حجب الموقع, إن سبب الحجب كان الصفحات التي أفردتها شركاء للحديث عما سبق أن طرحته شركة سيرياتل من بيع بعض أسهمها لمن يريد من السوريين, فانبرى العديد من الاقتصاديين لنقد تلك اللفتة من سيرياتل, معتبرينها حيلة منها على السوريين تهدف إلى استنزاف جيوبهم, وقد كان من ثمار ذلك أن أصدرت القيادة القطرية قراراً يقضي بحجب الموقع الخاص بالنشرة.
طبعاً لايتسع المجال هنا لتعداد مزايا “كلنا شركاء”, ويبقى القول في هذا الباب إن محاولتها لضمان أكبر قدر ممكن من استقلاليتها, -على نقيض سواها من مواقع الكترونية تصدر من داخل سورية وتعمل, بشكل أو بآخر, تحت إشراف السلطات الأمنية(وهذه ليست تُهمة للمواقع التي نعني, قدر ماهو تشخيص لواقع الحال),- أدخلها في متاعب عدة, وهي متاعب أثرت عليها سلباً, كما نعتقد, على الأقل في ما بعد. بيد إن استقلالية النشرة وصاحبها عن السلطات الأمنية السورية, لم يعفها من تهمة مغازلة النظام الأردني بطريقة تبدو ساذجة, هذا ما يلحظه المتابع لها من خلال احتفائها بأخبار “جلالة” عبد الله الثاني وعقيلته الفاضلة رانيا.
كان من نتائج محاولة الحفاظ على استقلالية النشرة (والاستقلالية تعني هنا الاستقلالية عن السلطات الأمنية السورية فقط) أن صار الكادر التحريري للموقع والنشرة عبارة عن مجموعة من الأشباح إن جاز التعبير, وبهذا باتت “كلنا شركاء” المنبر الإعلامي الوحيد –بحسب حدود معرفتي- الذي لا يعلم قراءه وكتّابه شيئاً عن مطبخه التحريري, ويجهلون كلياً المؤهلات العلمية والثقافية والصحفية التي يتمتع بها أفراد ذلك المطبخ! وهذا مناف للأعراف الصحفية. ناهيك عن الشعور (السلبي) الذي قد يعتري بعض من يتعاونون مع النشرة وأنا أحدهم, والحق هو شعور بالاغتراب. فشخصياً عندما أرسل مادتي إلى النشرة لا أشعر بأني أتعامل مع زميل لي, كما هي الحال في منابر صحفية الكترونية وورقية أخرى, قدر ماينتابني شعور بأنني أتعامل مع مسؤول أمني تركي أو مصري (باعتبار أن الجنسيتين الأخيرتين عادة ماتكون طبيعة عمل ضابط الأمن في بلديهما مجهولة من قبل أهل بلده –وربما أهله- على نقيض ما هو دارج عندنا في سورية). ويعتريني في حالات كثيرة إحساس فحواه إنني أتعامل مع رقيب أحمق, خاصة عندما يتم حذف بعض الجمل من مقالات لي (من دون إذن مسبق مني) بطريقة تشوّه المعنى المراد من المقال. وأحياناً يكون الحذف بهدف تصفية حسابات ضيقة, بين المحرر (في النشرة) وبين خصوم له, أكون قد ذكرت أسماءهم بطريقة إيجابية في مقالي لسبب ما يستدعي ذكرهم في سياق المقال.
قبل أن أوغل في سرد بعض عيوب النشرة وطاقمها, تفرض الأمانة أن نشيد بقدرة الطاقم التحريري الخاص بها على جمع ملفات خاصة بموضوع ما أو قضية راهنة, بهذا نجد ملفاً شبه كامل خاص بالعلاقات السورية- اللبنانية, أو ملفاً خاصاً بالمشروع النووي الإيراني ومشاكل الإيرانيين مع مجلس الأمن, وراهناً نجد أكثر من ملف أحياناً يتعلّق بما يجري في غزة الخ… ومن البدهي أن هذه الملفات مهمة جداً للمعنيين والمتابعين.
عندما كبُر اسم “كلنا شركاء” وباتت مرجعاً, كما قال ميشيل محقاً, كان من الطبيعي أن يزيد عدد كادرها التحريري, ومن الطبيعي أكثر أن يغدو رئيس تحريرها رئيساً للتحرير بالكنترول شأنه في هذا شأن العديد من رؤساء تحرير الصحف الورقية الخاصة والالكترونية على حد سواء. وعندما تضخّم الكادر التحريري اتسعت المزاجيات في النشرة, ودخلت الشللية بشكل أو بآخر إليها (ربما مايعطي لتلك المزاجية والشللية بعض الطمأنينة لممارسها من قبل بعض محرري النشرة أنهم مجهولون بالنسبة للآخرين), والمزاجية التي أعني تسيء للنشرة وصاحبها قبل أن تسيء إلى أي شخص آخر, وثمة أمثلة عديدة على ذلك, سأمتنع عن ذكرها الآن, بيد أن السيد أيمن عبد النور, هو من كان يتدّخل شخصياً لحل تلك الإساءات التي عادة ما يكون وراءها بعض صغار النفوس من المحررين العاملين فيها.
وهي, أي كلنا شركاء, وإن كانت تمنع بعض المقالات, بذريعة أنها عبارة عن شتائم (وهي ذريعة عارية عن الصحة, على الأقل في ما يخصّ أكثر من حادثة جرت معي), غير أنها لم تكن تتوانى عن نشر مقالات لكتّاب وضيعين معرفياً وثقافياً وفكرياً وأخلاقياً, كتلك المقالة التي نشرتها ذات يوم من صيف 2007, والتي يتهم فيها كاتبها أحدُ أعلام سورية في الفكر والثقافة بالشذوذ الجنسي وما شاكل ذلك. وبالرغم من الانزعاج الشديد للمطعون به إلا أنه ترفع عن الرد على ذلك الكويتب, ومقاضاته أمام المحاكم المختصة في هكذا أمور, طبعاً وقد ترفع من أعني عن رفع دعوى قضائية ضد “كلنا شركاء” وصاحبها, بتهمة نشر ما يعتبر قانونياً قدحاً وذماً وتشهيراً, فضلاً عن نشر معلومات شخصية عن آخرين, وهي معلومات قد تكون غير صحيحة, ومعرفتها لا تغني القارئ.
واستطراداً, أستميح القارئ والناشر عذراً, إن ذكرت شيئاً شخصياً, فقد سبق أن شُتمت وعائلتي في هذه النشرة منذ قرابة الأربع سنوات من قبل أحد صغار هواة الكتابة, وترفعت عن الرد كما ترفعت عن اللجوء إلى القضاء (ترى هل المقصود بالرأي الآخر الشتيمة؟). والمفارقة أني منذ فترة قريبة, أرسلت, إلى النشرة, مقالاً لي منشوراً في صحيفة “السفير” اللبنانية, فأبى مدير التحرير (وهو شبح يفترض أنه جديد) نشره مبررا رفضه بذرائع عدة, كان أولها, أن المقال ليس منشوراً في تلك الصحيفة وإنه اتصل بإدارتها فضحكوا”!؟” (غني عن البيان أن هذا التصرف من قبل مدير التحرير يعتبر سابقة خطيرة في الإعلام!), كما أفادني السيد أيمن عبد النور شخصياً!, وكأني بالسيد مدير تحرير النشرة يقول لرئيس تحريرها عن كاتب هذه السطور بأنه يكذب! (طبعاً جرى جدل طويل عبر البريد الالكتروني, مع مدير التحرير, حول ذلك المقال الذي أتمنى صادقاً أن لا أضطر إلى فتح صفحاته, نظراً للمرارة التي تركها في نفسي ذلك التصرف الصبياني غير المسؤول).
من جانب آخر, يرى المتابع للنشرة, أنها تفتقد إلى كتّاب جديين ومتخصصين بموضوع ما, فباستثناء مقالات بعض الكتّاب الذين يرفدون النشرة بين حين وآخر بمقالات يشي مضمونها بسعة معرفتهم بالموضوع الذي يطرحونه ويناقشونه (أسمح لنفسي هنا بذكر أسماء من قبيل الدكتور محمد حبش والدكتور كمال خلف الطويل ومحمد علي الأتاسي على سبيل المثال لا الحصر), نجد أن الكثير من كتّابها من الهواة الذين يكتبون خواطر كتلك التي يكتبها طلبة المدارس في مرحلتهم الثانوية, بمعنى تكاد تصبح النشرة أقرب إلى منتدى اجتماعي, أكثر مما هي نشرة إعلامية المفترض أن ترتقي درجات عدة لتأخذ شكلاً صحفياً متكاملاً ومتناسقاً ومتجانساً, خاصة بعد أن اجتازت من العمر ما يخولها أن تصل ذلك الارتقاء كما هو مفترض!.
في خريف 2008, جرى تغيير في الكادر التحريري (وقد يكون ما جرى فيها عبارة عن تغيير مواقع لا أكثر), وقد لاحظنا جميعاً, عقب ذلك التغيير, كيف كانت النشرة تذيّل الكثير من الأخبار العالمية الصادرة عن الوكالات الإعلامية الكبرى باسم “كلنا شركاء”, فالخبر الذي يكون مسرحه روما يكون مصدره “كلنا شركاء”!, وكذلك في واشنطن والمكسيك وماليزيا وهلم جرا… كأننا بهيئة التحرير الجديدة أرادت أن توحي للقرّاء بأن مراسلي “كلنا شركاء” منتشرون في كل بقاع العالم!. ويقيناً أن التصرف سابق الذكر لا تلجأ إليه سوى الصحف الصفراء. والحمد لله أن تلك الظاهرة لم تدم طويلاً في النشرة, إذ لم تكمل الشهر, وربما كان هناك من لفت انتباه المعنيين فيها إلى ذلك الخطأ المهني, فعدلوا عنه.
ماذكرناه, من ايجابيات وسلبيات, هو على سبيل المثال لا الحصر, ولم نكلّف أنفسنا عناء الكتابة لو لم تكن النشرة وصاحبها ومعدوها يستحقون ذلك, آملاً أن يتقبلوا ما كتبناه بروح رياضية, إذ دافعنا هو الغيرة على النشرة التي أعتبر نفسي شريكاً فيها. وإن كنتُ قد أسهبتُ في ضرب أمثلة تخصني, فهذا لا يعني أنه لايوجد آخرون غيري لديهم ملاحظاتهم وانتقاداتهم الخ… حول النشرة, ويبقى الأمل معقوداً أن يدلي من نعني بملاحظاتهم وانتقاداتهم على صفحات “كلنا شركاء” عوضاً عن أن يفكر أحدنا بالاصطياد في المياه العكرة.
ختاماً, ثمة أمور أخرى تتعلّق بالجانب المادي وسواه, قد تكون جديرة بالطرح على بساط البحث, غير أن ماذكرناه الآن يكفي حسب زعمي.
تنويه: ورود لفظ “الشبح” أو “الأشباح” في سياق المقال, ليس من قبيل التهكم, بل هو توصيف لبعض واقع النشرة فحسب.
تعقيب من “كلنا شركاء”:
نشكر الزميل والصديق أبي حسن على جهده في تقديم هذه القراءة النقدية التي ستكون مفيدة لنا على أكثر من صعيد. إذ سنعمل على الاستفادة من أي انتقاد أو ملاحظة توجه إلى عملنا، وإدراجها بطريقة مناسبة في سياق تطوير “كلنا شركاء” المستمر.
ونعتذر عن أية إيضاحات من قبلنا تتعلق بتفاصيل المراسلات مع الزملاء الكتاب، فذلك يقع ضمن يوميات عملنا التي تحظى من قبلنا بكل السرية، مهما كانت التفاصيل والأسباب.
إلا أننا نعتب عليه في أمر واحد هو إطلاق بعض الصفات غير اللائقة تجاه زملاء العمل، من مثل “تصرف صبياني، لم يتجاوزوا المرحلة الثانوية”.. مع الإشارة إلى أن الكثير من الكتاب الهامين اليوم بدؤوا كتاباتهم، وبعضها كان هاما، حتى قبل أن ينالوا الشهادة الثانوية.
وبدورنا ندعو جميع الزملاء والقراء أن يساهموا في نقد “كلنا شركاء”، من الزاوية التي يرونها مناسبة. وستنشر جميعها ما لم تتعارض مع سياسة “كلنا شركاء” القائمة على عدم نشر أية شتائم أو طعن بالأشخاص الماديين والمعنويين.