وا معتصماه ! : أمجاد الجنرالات و عالم الصغار
مازن كم الماز
تقول الأسطورة التي صدقناها أن السلطان المحاط بالجنرالات قد هب ذات يوم على استغاثة امرأة فأمر جنرالاته بالتوجه إلى عقر العدو , فقتل و شرد ردا على ما فعله إمبراطور الأعداء بأهلنا , فانتصرنا نصرا مبينا , نصرا تاريخيا ما يزال “يلهم” الناس الذين يهاجمهم العدو حتى اليوم , الذين ما زالوا ينتظرون جنرالات السلطان , سلطانا ما سيرسل خيله , و تصبح قضية صراعنا مع العدو تتعلق بعدد الدبابات و الطائرات ونوعيتها و خصائصها , حفظنا أسماء الجنرالات عن ظهر قلب و رتبهم و عدد النجوم على أكتافهم , و أنواع الصواريخ و مدياتها و الدبابات و عدد أطقمها و مقدار ما تستطيع حمله من قذائف , تناقشنا عن أفضل الطائرات , قارنا الميغ بالميراج و الفانتوم , و هللنا لخيل المعتصم القادمة أو التي ستأتي لا محالة , و هللنا لصلاح الدين , و تحولت قضية تتراكم فيها أسماء الجثث , جثث فقراء مثلنا ذنبهم أنهم فلسطينيون أو لبنانيون أو جولانيون أو مصريون وحتى عراقيون , بسرعة غريبة فاجرة , إلى قضية انتظار خيل صلاح الدين أو المعتصم , و في كل مرة سقط فيها المزيد من الموتى كنا ننادي على تلك الخيل التي لا تأتي , و ننتظر , في كل مرة كانت فيها سكين القاتل تحتز المزيد من الرؤوس كنا نوغل في التساؤل , أين هو صلاح الدين , أين الجنرالات , و كنا ننظر في وجوه سلاطيننا و جنرالاتهم الذين نعرفهم جيدا في عصر التلفزيون و نتساءل : من منهم صلاح الدين ؟ أيهم المعتصم ؟ و يسيل الدم دون توقف , و لا خيل تأتي , ذات يوم أغار إمبراطور الروم على زبطرة , مسقط رأس المعتصم , و بعدها ملطية فمثل بمن صار في يده من المسلمين و سمل أعينهم و قطع آذانهم و أنوفهم ,عندما بلغ الخبر المعتصم سأل : أي بلاد الروم أمنع و أحصن ؟ فقيل عمورية و هي مسقط رأس توفيل إمبراطور الروم , و لم تكن قد غزيت من قبل , فتجهز المعتصم جهازا لم يتجهزه خليفة قبله من السلاح و العدد و الآلة … و بعد أن تغلب على جيش الإمبراطور حاصر عمورية و فتحها عنوة بالسيف , ثم أقبل الناس بالأسرى و السبي من كل وجه حتى امتلأ المعسكر فأمر المعتصم أن يميز الأسرى فيعزل أهل الشرف و القدر من الروم في ناحية و يعزل الباقين في ناحية , و عندما أراد المعتصم العودة إلى الثغور , و هي أول عمران في دولته من جهة العدو , سلك طريقا قليل الماء , “فسار في طريق نحوا من أربعين ميلا , ليس فيه ماء” , فكان كل من امتنع من الأسرى أن يمشي معهم لشدة العطش ضربوا عنقه , فدخل الناس في البرية فأصابهم العطش فتساقط الناس و الدواب و قتل بعض الأسرى بعض الجند و هرب , و قال الناس للمعتصم : إن هؤلاء الأسرى قد قتلوا بعض جندنا , فأمر عند ذلك بتمييز من له القدر منهم فعزلوا ناحية ثم أمر بالباقين فأصعدوا إلى الجبال و أنزلوا إلى الأودية فضربت أعناقهم جميعا ( تاريخ الأمم و الملوك للطبري )……قال أبو تمام في فتح عمورية
السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد و اللعب
لقد تركت أمير المؤمنين بها للنار يوما ذليل الصخر و الخشب
غادرت فيهم بهيم الليل و هو ضحى يقله وسطها صبح من اللهب
لقد صدقنا الأسطورة , صدقنا أن السلطان يغضب لدماء و صرخات الناس , الناس العاديين منا , أنه في يوم غضب ذلك السلطان و أمر الخيل ليفجر الأرض تحت الغزاة , نسينا أننا و الروم ننقسم إلى أهل القدر و الشرف , الذين لا يقتلون و لا يعطشون , و غيرهم ممن يموت و يجوع و يقتل و يسبى , صدقنا أن السلاح بيد الجنود هو من أجلنا , من أجل حريتنا و أرواحنا , لا من أجل الاستيلاء على حريتنا و أرواحنا و ليس من أجل نهبنا و ليس من أجل سادتهم , صدقنا أن أبا تمام يمدح الفتح لا الفاتح , أنه يمدح هزيمة عدونا , قاتلنا الأجنبي و لا يمدح ربا يمنحه الأعطيات , صدقنا أن أبا تمام , الذي يطل علينا اليوم من كل منابر السلطان , و يدلي بدلوه دفاعا عن سيده مدعيا الانزعاج من موتنا بيد قاتلنا الأمريكي الإسرائيلي , يأبه لنا , كسيده..قتلنا الجنود في الوحدات و تل الزعتر , كنا حروبهم الوحيدة , كانت بيوتنا هي ساحة حروبهم الوحيدة , من حماة إلى حلبجة , من سيدي إفني إلى المحلة , كنا انتصاراتهم الوحيدة , من الصعيد إلى الصحراء الكبرى , من الفالوجة إلى النجف , من صبرا و شاتيلا إلى مخيم نهر البارد , إلى الحرم في مكة , من الأنفال إلى زئير الأسد , من سجن صيدنايا إلى الدويقة , صنعوا أمجاد جنرالاتهم و سلاطينهم , على أكوام الجثث , فاستحق الجنرال أوسمة جديدة على صدره و استحق السلطان مديح أبي تمام……
قلت لكم مرارا
إن الطوابير التي تمر..
في استعراض عيد الفطر و الجلاء
لا تصنع انتصارا
….
إن المدافع التي تصطف على الحدود , في الصحارى
لا تطلق النار إلا حين تستدير إلى الوراء
….
قلت لكم في السنة البعيدة
عن خطر الجندي
عن قلبه الأعمى , و همته القعيدة
يحرس من يمنحه راتبه الشهري
و زيه الرسمي
…….
قلت لكم ..
لكنكم ..
لم تسمعوا هذا العبث
ففاضت النار على المخيمات
و فاضت الجثث !
أمل دنقل , تعليق على ما حدث في مخيم الوحدات