قضية فلسطين

منظمة التحرير: “التغييبان”

امين قمورية
عجّل خالد مشعل في اعلان وفاة منظمة التحرير الفلسطينية، وبدا في دعوته القطرية الى ايجاد بديل منها كمن يحاول اغتنام اللحظة الدرامية في غزة  لقطف ثمرة… انما هذه الثمرة لم تنضج بعد ولم يحن قطافها.
منظمة التحرير من زمان لم يبقَ منها الا الاسم واللافتة والهيكل الفارغ من اي مضمون بعدما تنكر بعض قادتها لدورها الاساسي الذي اعطاها شرعيتها منذ تأسيسها عام 1964 كرد على من اراد ان ينسى فلسطين ويغيب قضيتها. اصلا كلمة “منظمة التحرير” تعني ان الهدف الطبيعي لهذا البنيان هو تحرير كل الارض الفلسطينية، والتحرير يعني اللجوء الى كل الوسائل الممكنة والمتاحة وفي طليعتها القوة لاسترجاع ما اخذ بالقوة. وهي قالت بوضوح في ميثاقها المغيّب في الادراج القديمة والمنتهكة نصوصه في الاتفاقات السود ان الهدف من وجود المنظمة هو “تحرير فلسطين عبر النضال المسلح”.
بالكفاح المسلح والتضحيات الجسام التي بذلتها والشعب الفلسطيني صنعت المنظمة لنفسها ولفلسطين والقضية ليس فقط تاريخا مجيدا، بل شرعيتين : شرعية شعبية كانت تتويجا للنضال المرير من اجل فلسطين، وشرعية قانونية فرضتها بالاستثمار السياسي الجيد للتضحيات والنضال وبناء التحالفات في ضوئها واللعب على التوازنات الاقليمية والدولية، وكان تتويج هذه الشرعية في قمة الرباط عام 1974 التي كرستها باجماع عربي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وهو ما اهلها الى نيل مقعد مراقب في الامم المتحدة وما تلا ذلك من اعلان دولة فلسطين التي حازت على اعتراف غالبية دول العالم.
وهكذا تكرست مرجعية وحيدة لشعب فلسطين في الداخل والخارج، الى ان قصّرت في النضال وتخلت عن العنوان، فجاء من يملأ الفراغ وينافسها على المرجعية برفع شعاراتها هي هي، اي مواصلة الكفاح المسلح واللعب على التوازنات الخارجية لنيل الشرعية. فالثورة تبني مرجعياتها وتحدد المسارات النضالية لشعب تحت الاحتلال وليس العكس.
ويبدو ان مشعل بدعوته القطرية يسعى الى تكرار تجربة المنظمة بتجربة جديدة لمنظمة بديلة، لكن التشابه في المعطيات لايعني التشابه في الظروف التاريخية.
واذا كانت حركة “حماس” اكتسبت شرعية شعبية ونضالية بفعل مقارعتها الطويلة والقاسية للاحتلال وصمودها الاستثنائي امام آلة التدمير الاسرائيلية التي اثبتت انها الاشرس في العالم وقدمت قادتها واطفالهم قبل المقاتلين قرابين شهادة، وتأكدت هذه الشرعية مرتين، مرة في صناديق الاقتراع ومرة في الميدان، بيد ان هذا وحده لايبرر تدمير بنيان تنظيمي تاريخي ومرجعية لاتزال قائمة رغم ضعفها وهزالها. ذلك ان حركة “فتح” نفسها التي تقود المنظمة الحالية لايزال في صفوفها من يتمسك بالكفاح المسلح خيارا رئيسيا ويعمل من اجل استعادة هذا الهدف. كذلك فان ثمة فصائل اخرى في المنظمة وتاريخها من تاريخها تتطلع ايضا الى مثل هذا الخيار مثل “الشعبية” و”الديموقراطية” و”النضال” ويمكنها ان تُستفز من دعوة الى شطبها او الغائها او تهميشها بدلا من ان تكون مستعدة لتلقف دعوة الى الاصلاح او التغيير من الداخل.
واذا كانت حجة “حماس” ان الآمال في تغيير المنظمة من الداخل معدومة، فان حظوظ اقامة مرجعية فلسطينية جديدة جامعة على غرار المنظمة قديما معدومة ايضا. فالمنظمة تولت قيادتها “فتح” في ظل عدم منافس وجود فلسطيني موازٍ لها. اما اليوم ففي ظل الشرخ العميق بين “فتح” و”حماس” فان اي مرجعية منافسة لن تكرس فقط الانقسام السياسي بل الجغرافي ايضا ما بين “منظمة للضفة” و”منظمة لغزة”!
الى ذلك فان لعبة الافادة من التوازنات الاقليمية التي اتقنها ابو عمار في السابق ومكّنت المنظمة من نيل الاعتراف القانوني كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في قمة الرباط، ما كانت لتنجح لولا الضغط المصري عندما كانت القاهرة تتمتع بثقل عربي كبير استطاع سحب البساط من تحت ارجل الاردن وسوريا اللذين كانا يتنازعان الفصائل الفلسطينية، وتكرار اللعب على التناقضات اليوم لن يؤدي الا الى مزيد من التشرذم الفلسطيني في ظل التشرذم العربي وغياب الدولة القائدة. وحتما فان اختيار الدوحة لاطلاق الدعوة للتجديد لن يرغم لا مصر ولا السعودية ولا غيرهما على تغيير مواقفهم المعروفة لا بل يزيد الطين بلّة. تغييب المنظمة عن دورها الطبيعي اوجد فراغا… لكن حتى لا يكون هذا الفراغ قاتلا يتعين ملؤه في الوقت وبالطريقة المناسبين لا في فورة حماس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى