شاعر بلا أسلاف… وبورثة كثيرين
بعد مجموعات ثلاث، بدا أنّ الماغوط أنهى شغله مع الشعر. لم ستغرق ذلك منه سوى عشر سنوات تقريباً. ضرب الرجل «ضربته»، وعاد إلى ركنه كملاكم فاز بالمباراة بالضربة القاضية، في الجولة لثالثة. بعد ذلك جرّب مراراً أن يعود فلم يزد شيئاً. كان الجميع متفقاً على أنّ تجربة الماغوط صارت وراءه! باتت عودته إلى الشعر أشبه بالشائعات، وكان يكتفي كلّ مرّة بالترنّح بين ظلال نبرته القديمة، وعنف المقال السياسي الهجائي الذي كتبه في منابر عدة.
كتب الماغوط قصيدته دفعةً واحدةً، حارة وخشنة ولاذعة وغير مروّضة، وغير مكترثة بشروط أو شكليات مسبقة. كانت مكتوبة بطاقة القهر والخوف والفقر والضعف والغضب العادي. ظهر الماغوط ناضجاً ومكتملاً، بادئاً من نفسه ومنتهياً بها. شعر الماغوط، بهذا المعنى، أشبه بمعجزة، ولو أنه لم يكتب سوى مجموعته الأولى، لكان ذلك كافياً. لعلنا لا نعرف شاعراً غيره هو ابن نفسه تقريباً. سليل نبرته وفطرته وبدائيته. لا صنعة ولا تقنيات ولا تناصّ ولا مرجعيات في هذا الشعر. لا نجد أسلافاً ولا شعراء آخرين ولا وصايا نقاد في شعره. لعل الماغوط ليس مديناً سوى لفرديته، وغريزته، وتسكّعه الأسطوري بين الشارع والسجن والمقهى والحانة، ومعاملة المدن القاسية لريفيته البريئة. ولهذا، على الأرجح، كان صعباً على الشاعر مواصلة كتابة قصيدة هي إلى هذا الحد خشنة وضارية وبلا رحمة. كان صعباً أن تُضاف فروع وأوراق جديدة إلى ذلك «النبت الشيطاني» البدائي والفريد. كتب الماغوط قصيدته وتركنا حائرين أمام نضارتها الغريبة. قصيدته لم تكن مدينةً لأحد، ثمّ صار لها ديونٌ في أعناق شعراء لا يكفّون عن التكاثر.
عدد الخميس ٣ نيسان ٢٠٠٨