التقرير الملخص للحريات الإعلامية والثقافية لعام 2008 في لبنان وسوريا وفلسطين والأردن
بيروت ـ القدس العربي: يلحظ تقرير ‘سكايز’ السنوي للعام 2008 تراجعاً في الحريات الإعلامية والثقافية في كلّ من لبنان وسوريا وفلسطين والأردن. ويشير التقرير الى المحطات الأساسية في هذا السياق.
اختتم العام الماضي بحرب اسرائيلية على قطاع غزة، أدت إلى مقتل أربعة صحافيين، وقصف وسائل اعلامية في شكل مقصود، واستهداف منازل صحافيين، ومنع مراسلين إعلاميين من دخول القطاع. وشهد العام الماضي اعتداءات مسلحة على صحافيين ومؤسسات الاعلامية، خصوصاً في سوريا حيث قتل صحافي، وفي لبنان حيث أغلقت وسائل إعلام بقوة السلاح من قبل عناصر مسلّحة موالية لقوى ‘8 آذار’ المعارضة للحكومة اللبنانيّة آنذاك.
واستمرت الإعتداءات بوتيرة مرتفعة في فلسطين، وكذلك في الأردن وتحديداً في الفصل الأخير من السنة. ومع انتهاء العام 2008، لم يُحاسب أيّ من قتلة الصحافيين في السنوات الأخيرة في كلّ من لبنان وسوريا وفلسطين والأردن.
وفي مجال الاعتداءات ذات الصفة القضائيّة، فقد صدرت في سوريا، في تشرين الأول الماضي، أحكام مسيّسة وجائرة بالحبس بحق إثني عشر كاتباً وصحافياً وناشطاً من الموقعين على وثيقة ‘إعلان دمشق’. وفي البلدان الاربعة التي يتناولها تقرير ‘سكايز’، لم يحدث أيّ تطوير في قوانين المطبوعات والنشر طوال العام، بل جرى تجاوز القوانين القائمة في كثير من الأحيان. وابتدعت الحكومة المقالة في قطاع غزة قوانين لا دستورية في تعاملها مع الصحافيين، بينما تجاوزت الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية قرارات المحاكم المدنية التي برأت الصحافيين تكرارا، من بينهم صحافيان لا يزالان معتقلين. وظلّ الإعلام المستقل عن السلطات السياسية والحزبية الأضعف عموماً، بين وسائل الإعلام في بلدان المنطقة. واستمر، وإن بتفاوت، ضعف نقابات الصحافيين واتحادات الكتاب، بحيث تهاونت في واجب الدفاع بفاعلية عن الصحافيين والكتاب وعن حرياتهم. كما لم تعلن أيّ مواثيق أخلاقية جدية تنهي التحريض بين وسائل الإعلام، مع الحفاظ على النقد، وتحديداً في لبنان وفلسطين.
أما في مجال قمع الحريات الثقافية، فيسجّل التقرير ثلاث محطات أساسية تشمل تصاعد منع الكتب، وممارسة الرقابة الدينية على الثقافة في الأردن، والممارسات الرقابية للأمن العام اللبناني على الثقافة، واستمرار قمع الثقافة الكردية في سوريا.
وقد أُلحق بهذا التقرير توثيق للإعتداءات الإسرائيلية على الإعلام في قطاع غزة خلال الحرب في نهاية العام، وشهادة لمصور من غزة، وتوثيق لاستمرار التمييز بحق الإعلام المتعلق بشؤون فلسطين في المنطقة العربية والعالم، وتصاعد التمييز الصهيوني ضد الثقافة العربية.
تلخيص المحطات الأساسية للإنتهاكات بحسب البلدان:
في لبنان
شهد العام الماضي عدداً من الإنتهاكات المسلحة واعتداءات بالضرب، بدأت في كانون الثاني عندما أحرق مجهولون سيارة عزيز المتني، مدير جريدة ‘الأنباء’، أمام منزله في قرنة شهوان في قضاء المتن شمال بيروت.
في الفترة الممتدّة بين 7 و 12 أيار، تم إغلاق مؤسسات إعلامية بقوة السلاح من قبل عناصر مسلحة من فريق ‘8 آذار’، وجرت إعتداءات على صحافيين من قبل أطراف متعددة. فقد أُقفِل تلفزيون ‘المستقبل’ وجريدة ‘المستقبل’ و’اذاعة الشرق’ (مؤسسات إعلامية تابعة لتيار ‘المستقبل’) في بيروت على يدّ عناصر مسلّحة من ‘حزب الله’.
وأحرق أحد مباني تلفزيون المستقبل في منطقة الروشة في بيروت على يد عناصر مسلّحة من ‘الحزب السوري القومي الاجتماعي’. وأقفلت إذاعة ‘سيفان’ الأرمنية في بيروت على يدّ عناصر موالية لـ’حزب الله’. كما اعتدى متظاهرون ومتجمهرون (موالون للحكومة أو معارضون لها) بالضرب على صحافيين ينتمون الى مؤسسات إعلامية مختلفة في بيروت أثناء تغطيتهم الاضطرابات، ومنهم: باتريسيا خضر (لوريان لو جور)، وديع شلينك وأحمد أسعد (جريدة البلد)، مصطفى عاصي (قناة ‘أو تي في’). واعتدي على مكاتب جريدة ‘اللواء’ اليومية ومكاتب مجلّة ‘الشراع’ الشهرية في بيروت، وجرى تخريبهما على يد عناصر موالية لـ’حزب الله’. كما اعتدى أحد عناصر الجيش اللبناني على سعيد البيروتي من ‘قناة المنار’ في بيروت، وجرى إطلاق نار على صحافيين من قناة ‘الجزيرة’ من قبل عناصر مسلّحة تابعة لـ’قوى 8 آذار’ في بيروت. وأوقف طاقم قناة ‘العربية’ على أيدي عناصر من ‘حزب الله’. لم يحاسب قضائياً أي شخص على هذه الاعتداءات، مما يعدّ تشجيعاً على ممارسات إضافية مُشابهة، مثل تعرّض الصحافي عمر حرقوص للضرب المبرح في 27 تشرين الثاني 2008 من قبل عناصر من ‘الحزب السوري القومي الاجتماعي’.
وحتى نهاية العام 2008، لم يستطع القضاء محاسبة قتلة الصحافيين سمير قصير وجبران تويني والذين حاولوا اغتيال الاعلامية مي شدياق.
ومن ناحية القوانين، يشير ‘سكايز’ الى استمرار القوانين والاجراءات النقابيّة الصحافيّة على ما هي عليه. فما زال قانون تحديد عدد الصحف اليومية السياسية في لبنان سارياً، مما يؤدي إلى وصول أسعار الرُخَص إلى أرقام هائلة، وإلى خطر احتكار الصحف على الرغم من تعدديتها. وما زال الإنتساب الى نقابة المحررين أمراً إلزامياً لمن يمتهن الصحافة، بينما تحدث أكثر من صحافي عن إشكاليات في فتح جدول الإنتساب لجميع الصحافيين بالمساواة، وهو شرط أساسي لإجراء انتخابات ديمقراطية.
الرقابة على الثقافة
منع الأمن العام اللبنانيّ عرض الفيلم الفرنسي-الإيراني ‘بيرسبوليس’ للمخرجة ساترابي، في آذار الماضي، قبل أن يجري التراجع عن القرار بعد تدخل وزير الثقافة. وأجلت عروض ‘أيام بيروت السينمائية’ في تشرين الأول بسبب احتجاز الأمن العام لفيلم الإفتتاح ‘سمعان بالضيعة’ لسيمون الهبر، ثم أجل عرض فيلم ‘عرس الذيب’ للمخرج التونسي جيلاني السعدي. كما مزّق الأمن العام صفحتين من ملحق جريدة ‘لوموند’ Le Monde des religions’ الفرنسية في تشرين الأول الماضي.
ما زالت الرقابة على الكتب والأنشطة الثقافية من صلاحيات الأمن العام قانونياً، وليس من صلاحيات مجلس أعلى للإعلام، كما سبق وأوضح المحامي زياد بارود (وزير الداخليّة فيما بعد) في مقابلة صحافية (تلفزيون المستقبل). وما زال قانون المطبوعات ينص على رقابة مسبقة على الصحف والكتب والمطبوعات الصادرة في الخارج والموزعة في لبنان. ويحوي جهاز الأمن العام اللبناني لجنة خاصة لمراقبة الأفلام تتألف من ضباط عدّة، لكنها تقتصر أحياناً على ضابط واحد. وتأتي القرارات بمنع الأفلام استنسابية غالباً، حيث تخضع لمراقبة ‘أخلاقيّة’ ودينية وسياسية، كما بيّن لـ’سكايز’ أحد مسؤولي صالات السينما. وفي المسائل المرتبطة بالدين و’الاخلاق العامّة’ تستشير هذه اللجنة
السلطات الدينية في البلاد، مسيحية كانت أم اسلامية. أما في ما يخصّ الرقابة السياسية على الأفلام، فهي تخضع لرؤية الأمن العام ولتدخلات السياسيين.
في سوريا
تزايدت الإعتداءات المسلحة على الصحافيين في سوريا، حيث قتل سامي معتوق مراسل ‘المرصد السوري لحقوق الإنسان’ وموقعه الإلكتروني، على إثر إطلاق النار عليه، مع شباب آخرين، من قِبل دورية أمنيّة سورية في قرية المشيرفة غرب حمص في 14 تشرين الأول 2008. وقد أكدت الحادثة لجنة تقصي حقائق مكوّنة من مسؤولين في خمس منظمات لحقوق الإنسان في سوريا. وقضى في الحادثة نفسها الشاب جوني سليمان أيضا. وحتى كتابة هذا التقرير، لا يزال الجناة من عناصر الدورية طلقاء من دون محاكمة، حيث لم تُحِل النيابة العسكرية في حمص أي شخص إلى المحاكمة.
وفي حادث آخر، أطلقت أجهزة أمنية الرصاص على كرم اليوسف، الذي يراسل عدّة مواقع الكترونية، في شهر آذار من العام 2008، أثناء تصويره احتفالات عيد النوروز (رأس السنة الكرديّة) الذي تحظر السلطات السوريّة الاحتفال به. وقد أصيب اليوسف في رأسه، وقتل ثلاثة شبان في الحادثة عينها.
وبالنسبة لحالات الحبس، فقد صدرت أحكام جائرة ومسيّسة بالسجن لعامين ونصف العام، في تشرين الأول الماضي، على كتاب وصحافيين في سوريا، وعلى ناشطين من الموقّعين على ‘إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي’، اعتقلوا بعد عقد الاجتماع الأول لهم في نهاية العام 2007. والمحكومون هم الدكتورة فداء الحوراني رئيسة ‘المجلس الوطني لإعلان دمشق’، النائب السابق في البرلمان السوري رياض سيف رئيس الأمانة العامة للإعلان، الكاتب والصحافي فايز سارة أحد المشاركين في إجتماع المجلس الوطني، الكاتب والصحافي علي العبدالله عضو في الأمانة العامة لإعلان دمشق، الناقد الأدبي جبر الشوفي عضو في الأمانة العامة للإعلان، الفنان التشكيلي طلال أبودان عضو المجلس الوطني لإعلان دمشق، الكاتب والصحافي أكرم البني أمين سر المجلس الوطني لإعلان دمشق، الدكتور أحمد طعمة أمين سر المجلس الوطني لإعلان دمشق، الدكتور ياسر العيتي عضو الأمانة العامة لإعلان دمشق، الدكتور وليد البني عضو الأمانة العامة لإعلان دمشق، المهندس مروان العش عضو المجلس الوطني لإعلان دمشق، محمد حجي درويش عضو المجلس الوطني لإعلان دمشق. وصدرت الأحكام بعد عام تقريبا على اعتقالهم.
ورفضت السلطات الإفراج عن الكاتبين السوريين ميشال كيلو ومحمود عيسى، على الرغم من قرار محكمة النقض في تشرين الثاني الماضي والقاضي بإطلاق سراحهم. واعتقل للمرة الثالثة الكاتب حبيب صالح في أيار الماضي. ولا يزال المدوّنون الالكترونيون والصحافيون الشباب الذين أشرفوا على موقع ‘الدومري السوري’ معتقلين منذ ثلاثة أعوام تقريبا (بين كانون الاول 2005 و آذار 2006) بأحكام تصل إلى سبعة أعوام.
لا يزال سجن صيدنايا شمال دمشق، حيث يتواجد المدوّنون الالكترونيون والصحافيون الشباب، مغلقا أمام زيارات الأهل منذ حصول حركة احتجاج في داخله في تموز من العام الماضي ترافقت مع سقوط قتلى. كما أشار شهود عيان الى نشوب حريق وسماع صوت إطلاق نار ومشاهدة تعزيزات عسكرية في 13 كانون الأول الماضي. وقد علم مركز ‘سكايز’ بتعرض بعض الصحافيين الشباب لتعذيب قاس. فقد أصيب حسام ملحم بحالة عصبية مؤقتة أفقدته القدرة على النطق والحركةً. ولا تزال السلطات السوريا ترفض حتى الآن زيارة الصليب الأحمر لسجونها، كما ترفض فتح تحقيق مستقل عن حالات التعذيب بحق معتقلي ‘إعلان دمشق’ مثل حال الكاتب والصحافي علي العبدالله الذي ثقبت أذنه.
من جهة أخرى، استمرت السلطات باللجوء إلى قانون الطوارئ (وقوانين أخرى) بشكل مخالف للدستور ولمواثيق حقوق الإنسان الدولية. وكذلك استمرت في احتكار الصحف اليومية والمحطات التلفزيونية. وثمة 163 موقع انترنت محجوباً في سوريا، من بينها عدد من المواقع الأكثر استخداما في العالم، وكذلك صحف عربية رئيسية، وعدد من المواقع السورية وغير السوريّة بحسب لائحة مفصلة لـ’المبادرة العربية لانترنت حر’.
القمع ضد الثقافة الكردية السورية
استمر منع تدريس اللغة الكرديّة في مدارس الدولة ومعاهدها وجامعاتها. وكذلك استمر حظر السلطات السورية النشر باللغة الكرديّة، والاحتفال بعيد النوروز، عيد رأس السنة الكرديّة.
شهد العام 2008 جملة من الانتهاكات الاضافيّة بحقّ الأكراد وثقافتهم. إذ أطلق النار على شباب يحتفلون بعيد النوروز في مدينة القامشلي في شهر آذار، فقتل ثلاثة منهم وجرح خمسة آخرون. وأصيب في الحادث كرم اليوسف، الذي يراسل عدّة مواقع الكترونية، أثناء تصويره لتلك الاحتفالات.
وفي صيف العام الماضي أمر فرع الأمن السياسي في الحسكة بالتعاون مع مديرية بلدية مدينة القامشلي، أصحاب المحلات الكردية بضرورة تغيير أسماء محلاتهم إلى العربية. وفي تشرين الثاني الماضي، منع ‘حزب البعث العربي الإشتراكي’ السوري فرقة ‘نارين’ للفولكلور الكردي من تقديم عروضها. وشمل حجب المواقع الإلكترونية الكردية أكثر من ثلاثين موقعاً إلكترونياً من أصل 163 موقعاً محجوباً. ويشكّل الأكراد السوريون عُشر سكّان سوريا، مكوّنين بذلك أكبر أقلية من المواطنين غير العرب، وهم يعانون من بعض القوانين العنصريّة بحقّهم وبحقّ ثقافتهم ولغتهم، كما يعانون من التجاوزات والانتهاكات التي ترتكبها الأجهزة الأمنيّة السورية خارج إطار القانون.
في فلسطين
صعّدت قوات الإحتلال من قتل الصحافيين واستهداف وسائل الإعلام، كما استهداف منازل صحافيين بشكل متعمد خلال الحرب على غزة (من 27 كانون الاول 2008 الى 17 كانون الثاني 2009). وقتلت قوات الإحتلال أربعة صحافيين هم باسل فرج وإيهاب الوحيدي وعمر السيلاوي وعلاء مرتجى.
كذلك استبق مسؤولو الإحتلال حربهم على غزة بفرض حصار إعلامي على دخول المراسلين الأجانب، وتابعوا المنع خلال تلك الحرب. فبين 6 تشرين الثاني و 4 كانون الأول 2008 ، مُنع المراسلون كليا من دخول القطاع، ثم تحول المنع إلى قرار يومي مستمر خلال الحرب.
يظهر من الاعتداءات الإسرائيلية بحق الإعلام في العام الماضي، الملحقة بشكل توثيقي بملحق خاص بهذا التقرير عن فلسطين، أن كثيراً منها تمّ بشكل متعمد ومتكرر، مما يستدعي تكثيف الجهود دوليا لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين والضغط عليهم.
إضافة إلى ذلك، تابعت قوات الإحتلال طوال العام الماضي الإعتقال الإداري بحق صحافيين فلسطينيين وتوقيفهم والإعتداء عليهم، معتمدة على قوانين طوارئ تعود لعهد الانتداب البريطاني، ومن دون أدنى اعتبار لحقوق الصحافي المعتقل. وليد خالد مدير مكتب صحيفة ‘فلسطين’ في الضفة الغربية مضى عليه في الاعتقال الاداري 12 عاما تراكميا، حيث جددت المحكمة العسكرية الإسرائيلية في سالم، قرب جنين في الضفة الغربية، تمديد اعتقاله مرّة ثالثة في 13 شباط 2008 في حبس انفرادي في الرملة (معتقل أيالون). ورفضت محكمة الاحتلال الاستئناف الذي قدمه محامي الأسير لإطلاق سراحه استنادا إلى عدم وجود تهمة تدينه. وفي العام الماضي، مدّدت محكمة عوفر العسكرية الإسرائيلية الإعتقال الإداري لمحمد الحلايقة مصور فضائية ‘الأقصى’ ثم أصدرت حكماً عليه بتهمة العمل في تلفزيون تابع لحركة ‘حماس’.
اما على مستوى الأطراف الفلسطينيّة، كان من أبرز الاعتداءات، تعرّض رئيس تحرير ‘فلسطين’ لإطلاق نار في قطاع غزة، في حزيران2008، من دون أن يصاب بأذى، وتلقّي وكالة ‘وفا’ الرسمية للأنباء تهديدا في رام الله.
ومن جهة ثانية، استمر تجاوز القوانين، في العام الماضي، بشكل مقلق للغاية من قبل الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وينص القانون الاساسي الفلسطيني، وهو بمثابة الدستور، على قيام الشرطة الفلسطينية وليس أجهزة أمنية أخرى بالتعامل مع الصحافيين المدنيين تبعا لأصول مدنية واضحة.
في الضفة الغربية، استمر جهازا المخابرات والأمن الوقائي التابعين للسلطة الفلسطينية بانتهاك القوانين بشكل متكرر ومقلق للغاية في تعاملهما مع الصحافيين، وظلا يمارسان التعذيب من دون محاسبة. ما زال الصحافي إياد سرور (37 عاما) معتقلا، منذ 13 تشرين الأول 2008، من مدينة الخليل، من قبل جهاز المخابرات العامة. وتتوفر معلومات جدّية عن تعرضه للشبح (تعليقه مربوط اليدين) والضرب عند التحقيق معه في الأيام الأولى. كما لا يزال الصحافي فريد حمّاد (36 عاما)، محرر في جريدة ‘الأيام’، معتقلا من قبل جهاز ‘الأمن الوقائي’ منذ 29 تموز 2007. وأصدرت محكمة الصلح قرارا بالإفراج عن حماد بتاريخ 7 تشرين الأول 2008، ثم أصدرت محكمة العدل العليا قرارا بالإفراج عنه في 8 تشرين الأول 2008. لكن جهاز الأمن الوقائي وجه تهما جنائية جديدة له. وثمة أخبار جدّية علم بها ‘سكايز’ عن تعرض حماد للشبح لمدة ثلاثة أيام متواصلة كما تعرضه لضرب قاس لمدة أسبوع.
وكان من أبرز اعتقالات العام الماضي في الضفة الغربية اعتقال الصحافي محمد عذبة في حزيران العام الماضي لشهر ونصف الشهر من قبل جهاز المخابرات الفلسطينية. وبعد توقيف الصحافيين أسيد عمارنة وعلاء الطيطي، استأنفت النيابة العامة قرار محكمة الصلح في الخليل الذي برأهما في نيسان حول ‘إذاعة أخبار كاذبة ومبالغ فيها’. واعتقل في أيار الصحافي مصعب قتلوني قرابة الشهرين ونصف الشهر، والصحافي والكاتب عصام شاور احد عشر يوما. وبلغ الاستهتار بالقضاء حدوده القصوى مع قيام جهاز المخابرات في قلقيلية بإعادة اعتقال الصحافي مصطفى صبري في ايلول بعد دقائق فقط من اطلاق سراحه، حيث كانت محكمة العدل العليا قد برأته. كما أطلق النار على منزله في نهاية العام.
بدورها، استمرت الأجهزة الأمنية للحكومة المقالة في قطاع غزة بالتعامي عن كثير من القوانين وأصول المحاكمات بحق الصحافيين المتهمين، مقابل محاولتها إضفاء شرعية عبر استخدام قانون ‘العقوبات الثوري’ العسكري الطابع وغير الدستوري وقوانين للانتداب البريطاني أو أخرى جنائية، فضائحية الطابع، بحق صحافيين.
لجأت الحكومة المقالة في قطاع غزة الى استخدام قانون الطوارئ للانتداب البريطاني في محاكمة صحيفة ‘الحياة الجديدة’ ومنع توزيعها الذي استمر حتى بداية العام 2008. كما استخدمت قانون العقوبات الانتدابي لعام 1936 إضافة الى قانون المطبوعات الحالي في الحكم الصادر بحق جريدة ‘الأيام’ في 6 شباط 2008. وتراجعت عنه في أيار من العام ذاته. وكان الجديد أيضا اختلاق تهم جنائية ذات طابع فضائحي استخدمت بحق الصحافيين والكتاب مثل قضية الصحافي منير أبو رزق في ‘الحياة الجديدة’ الذي اعتقل 25 يوما في غزة بعد اعتقال زميله عمر الغول.
واستخدمت الحكومة المقالة ما يعرف بـ’قانون العقوبات الثوري’ العسكري الطابع وغير الدستوري في احتجاز أربعة صحافيين في 12 تشرين الأول الماضي وهم محمد شاهين ويوسف فياض وأكرم اللوح وهاني إسماعيل عملوا بشكل غير علني مع موقع ‘فلسطين برس’، وأفرجت عنهم في 3 كانون الأول الماضي. ووجهت لهم تهما شفهية من دون إحالتهم إلى أي محكمة. وعلم مركز ‘سكايز’ عن أخبار جديرة بالتصديق حول ممارسة التعذيب أبرزها ‘الشَبْح’ (توثيق اليدين خلف الظهر وتعليق المعتقل من اليدين والقدمين) بحق بعض من الصحافيين الأربعة، ولأيام عدّة. كما أستخدمت بحقهم الزنزانة الانفرادية وما يعرف بـ ‘الباص’ وهو غرفة ضيقة جدا ومعتمة وفيها نوافذ تشبه الباص، وهو ‘ما يذكر بأسلوب اتبعه الاحتلال الاسرائيلي’ كما وصفه البعض.
ولم يكتمل حتى نهاية العام أي تحقيق فلسطيني مستقل في مقتل أربعة صحافيين فلسطينيين على أيدي عناصر فلسطينية مسلحة منذ العام 2004. وهم سليمان العشي ومحمد عبدو وعصام الجوجو (حزيران 2007) وخليل الزبن (2004). بالنسبة للصحافيين الثلاثة الاوائل الذين قتلوا خلال الإشتباكات المسلحة في حزيران العام 2007، قال آنذاك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بـ’ضرورة فتح تحقيق جدي في جرائم قتل الصحفيين الثلاثة، وتقديم الجناة إلى محاكمة علنية عادلة’. ولكن لم يأخذ تحقيق جدّي ومستقل مجراه. في حين أعلنت أجهزة أمنية تابعة للحكومة المقالة في قطاع غزة في مطلع العام 2008 بأن أحد المشتبه بهم قد تمّ القبض عليه وينتظر ‘محاكمة عسكرية’ كونه ‘أحد أفراد الأجهزة الأمنية’ التابعة للسلطة الفلسطينية بحسب الإعلان. وفي ظل تجاوز القوانين بقوة السلاح والإنقسام الفلسطيني وتشتت الجسم القضائي والأجهزة الأمنية، لا يبدو أن هناك تحقيقا مستقلا جدّيا حتى الآن. ويمكن التخوف من محاكمات غير مستقلة وعادلة، أو حتى عمليات تصفية بعد تسارع عمليات تصفية معتقلين، مترافقة مع اتهامات لهم بالـ’عمالة’، من قبل أجهزة الحكومة المقالة في قطاع غزة منذ نهاية العام الماضي خلال الحرب الإسرائيلية كما نشر في تقارير إعلامية وتوثيق منظمات حقوق إنسان.
في الأردن
منذ بداية العام الماضي وحتى مطلع العام الجديد، رُصدت حالات اعتداء بالضرب، وحالات تهديد لبعض الصحافيين، وبوتيرة تصاعدية. وبعد حادثة الاعتداء على الصحافي جميل النمري في جريدة ‘الغد’، في كانون الثاني من العام الماضي، بضربه بسكين في وجهه، ثم تدخل الأجهزة الأمنية واعتقال أحد المشتبه بهم، وتوجيه النمري الإتهام لأحد النواب، لم تكتمل حتى الآن التحقيقات ولم تتمّ بعد محاكمة المعتدين. ويشجع ذلك على توالي الاعتداءات. وفعلاً فقد جرت اعتداءات لاحقة على ماجد القرعان من ‘الدستور’ في نيسان، واحمد النسور من ‘الرأي’ في أيار. كما وُجّه تهديد بالقتل لطايل الضامن من موقع ‘السوسنة’ في أيلول الماضي، بحسب تقارير صحافية. وتزايدت الاعتداءات بالضرب بشكل لافت عند مطلع العام الجاري.
يذكر أنه لم يُحاسب حتى نهاية العام المسؤولون عن قوات الإحتلال الأميركي في العراق على استهداف الصحافي الأردني طارق أيوب مراسل ‘الجزيرة’ في بغداد، الذي قتل في العام 2003. وقد سبق لأرملته أن أعلنت أن باب القضاء الأميركي قد أغلق.
أما فيما يخصّ الحبس والتوقيف، فقد صدرت خمسة أحكام بالحبس (قابلة للاستبدال) بحق صحافيين في آذار الماضي، هم طاهر العدوان وأسامة الشريف، رئيسا تحرير جريدتي ‘العرب اليوم و’الدستور’، والصحافيان فيهما فايز اللوزي وسحر طه، إضافة إلى عبدالهادي راجي المجالي في أول قضية تتعلق بشبكة الإنترنت في البلاد. كما جرت عمليات توقيف لمدة أيام لأكثر من صحافي في أواخر العام 2008 (الصحافي فايز الأجراشي رئيس تحرير ‘الإخبارية الأردنية’ والصحافيين احمد الطيب وزياد الطهرواي من أسبوعية ‘البيداء’)، وذلك من قبل المدعي العام العسكري. وقد تجاوزت تلك التوقيفات قانون المطبوعات والنشر، حيث ينص القانون بوضوح على عدم جواز التوقيف، كما ينصّ على حصر قضايا المطبوعات بمحاكم مدنية.
استمر التضييق على الإعلام المستقل في العام الماضي. فقد عُطّل صدور مجلة ‘اللويبدة’ في الأردن لمدة خمسة أشهر. واستمرت حصريّة الإعلام المرئي بيد السلطات، وفي المقابل، منحت رخصة يومية لجريدة ‘السبيل’ الإسلامية.
وتصاعدت رقابة السلطات الدينية على الثقافة بشكل ملفت في أواخر العام الماضي، حيث سحب ديوان ‘برشاقة ظل’ للشاعر إسلام سمحان الذي أعتقل لمدة أربعة أيام قبل أن يطلق سراحه ويحال إلى المحكمة. ومنع كتاب الشاعر الطاهر رياض ‘ينطق عن الهوى’، ثم أحيل الروائي الياس فركوح، صاحب دار نشر ‘أزمنة’، إلى المحاكمة بسبب نشره كتاب ‘فانيليا سمراء’ للقاصّة المغربية منى وفيق. وفرضت الرقابة على أكثر من ثلاثين كتابا في الأردن ملحقة عناوينها بهذا التقرير.
كتب ممنوعة في الأردن في العام 2008
مارست دائرة المطبوعات والنشر الأردنية رقابة (أو مصادرة) طاولت قرابة الثلاثين كتابا خلال العام الماضي، علما أن عددا كبيرا منها كان تداوله مسموحا به في الاردن منذ عقود. وتمحورت مواضيعها حول المحرمات التقليدية: الدين والسياسة والجنس.
ومن هذه الكتب: ‘الدين والدهماء والدم’ لصقر أبو فخر، ‘عمر بن الخطاب شهيداً’ لعبد الله خليفة، ‘انثيال الذاكرة’ لفتحي البس، الأعمال الشعرية لعدنان الصائغ، الأعمال الشعرية لرشيد مجيد، ‘البتراء الأم العذراء’ لسليمان الطراونة، ‘البرزخ’ لفريد رمضان، ‘البكاء على صدر الحبيب’ لرشاد أبو شاور، ‘الحرب العربية الإسرائيلية الأولى’ لفلاح خالد علي، ‘الأدب الصهيوني بين حربين’ لإبراهيم البحراوي، ‘الرقصة في هياكل الشرق’ لمحمد الدروبي، ‘الساعة الواحدة إلا وطناً’ لحسين فخر، ‘السيد يلعب غميضة’ لمحمد الدروبي، ‘الشارع العربي .. مصر وبلاد الشام’ لشاكر النابلسي، ‘الشاعر أبو سلمى أديباً وإنساناً’ لمصطفى الفار، ‘الصبي’ لنوري الجراح، ‘الطفل إذ يمضي’ لعمر شبانة، ‘العاثر أمام النهر’ لجانسيت علي، ‘العشاق’ لرشاد أبو شاور، ‘القرن الحادي والعشرون لن يكون أمريكياً’ من ترجمة مدني قصري، ‘الكوميديا السياسية’ لخليل احمد خليل، ‘المدينة الأخيرة’ لعلي الجلاوي، ‘المراحل 1894 1965’ لعمر الصالح البرغوثي، ‘المسار’ لأفنان القاسم، ‘امرأة القارورة’ لسليم مطر، ‘أحاديث صيفية’ لكريم رضي، ‘أرض أكثر جمالاً’ لقاسم توفيق، ‘أصابع’ لمنى ضاهر، ‘أصل الهوى’ لحزامة حبايب، ‘أطول عام’ لزهدي الداوودي، ‘الاردن الى اين؟’ لوهيب عبده الشاعر.
12 شباط 2009
القدس العربي